ارشيف من : 2005-2008
الصحافيون العرب في باريس: اهتمامات بالوطن يواكبها عدم استقرار في الغربة
باريس ـ نضال حمادة
عرفت الصحافة العربية في فرنسا عهدها الذهبي خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي، حيث شهدت تلك الفترة طفرة في الظهور الإعلامي العربي، خصوصا الصحافة المكتوبة. وكان من أهم عوامل تلك الطفرة صراعات الدول العربية الداخلية، ودخول الاعلام على خط تلك الصراعات. وقد كانت الحصة الذهبية من تلك الصحف تمول عراقيا، فيما بدأ الدخول السعودي القوي بعد حرب الخليج الثانية عام 1990، فتراجع الدور العراقي في مقابل صعود الدور السعودي. الصحافيون العرب في فرنسا كيف يعملون؟ ما هي درجة الاستقرار المادي والمهني لديهم؟ ما هي اهتماماتهم؟ ما هي ارتباطاتهم بالوطن العربي وهمومه؟ قضايا وأسئلة كثيرة تحاول "الانتقاد" الإجابة عنها في التحقيق التالي، مع مجموعة من الصحافيين المخضرمين الذين عاصروا صعود الصحافة العربية في فرنسا وتراجعها.. رووا لنا بدايات عملهم ونظرتهم الى مستقبل الإعلام العربي في هذا البلد، وهموم المهنة وأصحابها.
كي تتحدث عن نشأة الصحافة العربية في فرنسا وصعودها، لا بد لك من المرور على الكاتب الصحافي الكبير الأستاذ بلال الحسن، مؤسس أسبوعية "اليوم السابع" التي تبوأت صدارة الصحافة العربية الصادرة في باريس طيلة عقد ثمانينيات القرن المنصرم. يقول بلال الحسن: بدأت عملي الصحافي في لبنان عام 1964 في جريدة "المحرر"، ثم عملت فيما بعد في جريدة "السفير" التي كنت من مؤسسيها وعضو مجلس إدارتها حتى صيف 1982، عندما قمت بزيارة دمشق لرؤية العائلة، وأثناء وجودي هناك وقعت مجزرة صبرا وشاتيلا، فعلمت انه بات من الصعب على صحافي فلسطيني العمل في لبنان. في العام 1984 طلبني الرئيس الراحل ياسر عرفات وقال لي: هناك قرار بإصدار جريدة فلسطينية من باريس، وسوف تكون أنت المسؤول عنها.. وعندما استغربت هذا القرار على أساس أن الإعلام العربي كله في خدمة القضية الفلسطينية، قاطعني عرفات بالقول: سيأتي يوم لا نستطيع فيه ذكر فلسطين في هذه الصحف. ويضيف الحسن أنه انتقل إلى باريس وأُصدرت جريدة "اليوم السابع"، حيث عمل فيها معظم الصحافيين العرب الذين وجدوا في باريس تلك الأيام بعد تركهم لبنان جراء الاجتياح الإسرائيلي، وعلى رأسهم الكاتب والصديق الراحل جوزيف سماحة. ويتابع: ان قضية حرية التعبير نسبية حتى في الغرب، والقول بأن الصحافة في أوروبا تكتب ما تريد دون رقيب أو حسيب ليس صحيحا أبدا.. مستشهدا بتجربته في رئاسة تحرير "اليوم السابع".
في تلك الأيام ـ يتذكر الحسن ـ شهدت باريس هجوما إعلاميا غير مسبوق بدأه العراق عبر جريدة "كل العرب"، و"الوطن العربي"، ودخلت سوريا على الخط عبر مجلة "الفرسان" لرفعت الأسد، إضافة إلى جرائد أخرى ذات تمويل سعودي، ما ساهم في تشغيل مجمل الصحافيين الموجودين وتأمين استقرار مهني ومادي لهم سرعان ما توقف بعد حرب 1991، حيث أقفلت الحكومة الفرنسية جريدة "كل العرب" على اعتبار أنها دخلت في حرب مع العراق، وتحولت "الوطن العربي" عن توجهها العراقي، وساهمت الضائقة المادية لمنظمة التحرير الفلسطينية في إقفال "اليوم السابع". في هذه الفترة يعتبر الحسن أن الفضائيات ساهمت في استيعاب القسم الأكبر من الصحافيين العرب، مع بقاء نسبة لا بأس بها غير مستقرة مهنيا.
الكاتب والصحافي القدير فيصل جلول يوافق الحسن حول بدايات الصعود الإعلامي العربي في فرنسا، ملاحظا في نفس الوقت تراجع أهمية باريس لمصلحة لندن في وجود الإعلام العربي، معللا ذلك بالعلاقة بين بريطانيا والمال الخليجي المساهم الأكبر في تمويل الإعلام العربي، ووجود أعداد كبيرة من المهاجرين المشارقة في لندن عكس باريس التي يطغى عليها الوجود المغاربي. مضيفا: ان أكثر ما يعاني منه الصحافيون العرب في فرنسا حالة عدم الاستقرار المهني التي تنعكس على أوضاعهم المادية، وبالتالي على نوعية إنتاجهم وقدرتهم على الإبداع. معتبرا ظهور الفضائيات فرصة ساهمت في إنعاش الوسط الصحافي، فضلا عن الاستيعاب في الإعلام الفرنسي الناطق بالعربية بعد افتتاح محطة "فرنسا 24" الناطقة بالعربية، والتي استوعبت كمية لا بأس بها من الصحافيين العرب الموجودين هنا. ويتابع جلول: هناك ارتباط بالقضايا العربية يطغى على عمل الصحافيين العرب في فرنسا، ما أثر في تواصلهم مع المجتمع الفرنسي، وبالتالي بما يتناسب والمصالح العربية.
الصحافي والمذيع في راديو "مونت كارلو" باللغة العربية كمال طربيه كان من أوائل الصحافيين الإذاعيين العرب في فرنسا، حيث دخل العمل الإذاعي مع بدء البث في راديو "مونت كارلو" باللغة العربية. يقول طربيه: ان اهتمامات الصحفايين العرب ومشاكلهم تختلف بحسب موطن المنشأ الذي أتو منه، حيث تطغى المواضيع العربية على اهتمامات الصحافيين المشارقة الذين يتابعون قضايا فلسطين والعراق ولبنان وما يحدث في الوطن العربي، ما يؤثر في تعاطيهم مع الخبر المحلي الفرنسي، وبالتالي في العلاقة مع المجتمع الفرنسي، وهذا ما جعل من تأثيره محدودا على صانعي القرار في هذا البلد، فضلا عن صحافته ومنظومة المجتمع فيه، مقارنة باللوبي الإسرائيلي مثلا.. فيما تنصب اهتمامات الصحافيين من بلدان المغرب العربي على المواضيع الفرنسية ومواضيع الجالية المغاربية في فرنسا، وهذا ما يجعلهم أكثر قربا من المجتمع الفرنسي. ويتفق طربيه مع بلال الحسن وفيصل جلول على حالة عدم الاستقرار المادي والمهني التي يعاني منها الكثير من الصحافيين العرب في فرنسا.
الصحافي العراقي سعد المسعودي يعتبر أن لندن أخذت مكان الصدارة في صحافة المهجر العربية، حيث تأتي باريس في المرتبة الثالثة خلف نيويورك. مضيفا: ان المرحلة التي شهدت صعود الصحافة العربية في فرنسا بدأت مع التمويل العراقي وصحيفة "كل العرب"، إضافة لمجلة "الوطن العربي". مستذكرا بدايات البث التلفزيوني العربي التي افتتحت عبر التلفزيون العراقي الذي كان أول محطة تلفاز عربية تفتتح مكتبا لها في باريس وتبث يوميا رسائل مرئية، حيث كان من العاملين في ذلك المكتب. معتبرا أن الفضائيات ساهمت في تأمين فرص العمل للكثير من الصحافيين العرب. غير أن ذلك لم يحسن من شروط الحرية في الرأي، على أساس أن لكل فضائية توجها سياسيا لا يمكن للصحافي أن يخالفه أو يتخطاه.
الانتقاد/ العدد 1255 ـ 22 شباط/ فبراير 2008