ارشيف من : 2005-2008
الخلافات بين الكيانات السنية جزء من نجاح استراتيجية بترايوس؟
بغداد ـ عادل الجبوري
راهن الجنرال ديفيد بترايوس الذي خلف الجنرال وليم كيسي في قيادة القوات الاميركية في العراق قبل اكثر من عام، على تحييد واستمالة وجهاء وشيوخ وأبناء العشائر السنية القاطنة في المناطق التي ينشط فيها تنظيم القاعدة. وفي بادئ الامر اعتبر أميركيون وعراقيون في مراكز قرار سياسية وعسكرية مختلفة ان مثل تلك الاستراتيجية غير مجدية ومن المستبعد ان يكتب لها النجاح.
وبما ان الخطط التكتيكية والاستراتيجية لسلفه لم تحقق القدر المطلوب من النجاح، لذا فإن الرئيس الاميركي جورج بوش وفريق مستشاريه رأوا انه لا ضير من اعطاء فرصة للقائد الجديد للشروع بتطبيق استراتيجيته على الارض، وتوفير مستلزمات ومقومات النجاح الممكنة له، والتي من أبرزها ارسال المزيد من القوات الاميركية الى العراق، وتحديدا الى المناطق الساخنة لدعم وإسناد افراد العشائر الذين يُستمالون من خلال الترغيب والترهيب معا.
وقد تكون مجالس الصحوة والانقاذ واحدة من ابرز معطيات استراتيجية القائد العسكري الاميركي، ولأن التجربة في محافظة الانبار التي كانت فترة من الزمن الميدان الرئيسي لتنظيم القاعدة نجحت نجاحا كبيرا، وكان لظهور زعيم عشائري شاب قوي مثل الشيخ عبد الستار ابو ريشة الذي اغتيل منتصف شهر ايلول/ سبتمبر الماضي بتفجير سيارة مفخخة قرب منزله في الانبار، نجح في تجنيد عدد كبير من شيوخ ووجهاء وأبناء عشيرته وعشائر اخرى، اثر كبير في رسم صورة جديدة للواقع.
ويقول الكثيرون انه لولا الدعم والتمويل الاميركي بالمال والسلاح والمعلومات الاستخبارية ما كان بإمكان العشائر السنية ان تهزم تنظيم القاعدة، بل انها ربما لم تكن مستعدة لمواجهته من دون مغريات مختلفة، ومن دون عوامل ضاغطة على الارض. ولكن التساؤل الذي يطرح نفسه هنا: هل المخططون العسكريون الاستراتيجيون الاميركان ومعهم السياسيون لم يلتفتوا الى امكانية حدوث نزاعات وصراعات بين المكونات السياسية والعشائرية السنية، وتنافس على الامتيازات والنفوذ. وبتعبير آخر ظهور المزيد من النزاعات والصراعات التي هي اصلا لم تكن غائبة عن الواقع؟ قد تبدو الاجابة صعبة الى حد ما، ارتباطا بالقدر الكبير من التعقيد والتشابك في المشهد السياسي السني، بيد ان الوقائع السابقة والوقائع التي بانت في الأفق في وقت مبكر من ظهور بوادر الانتصار على القاعدة، كانت كافية لاستشراف الصورة التي راحت تتشكل من جديد. وهذا من دون ادنى شك لم يكن غائبا عن العسكريين والساسة الاميركان.
لم يكن النجاح النهائي قد تحقق بعد في الانبار حينما راحت تظهر اسماء وعناوين عديدة، تشير وتلمح الى حقيقة التجاذبات الجديدة التي اختلطت وتداخلت مع التجاذبات القديمة. فاسم الشيخ عبد الستار ابو ريشة لم يبقَ الوحيد في المشهد، بل ظهرت الى جانبه اسماء اخرى، وإن لم تكن قد امتازت بالكاريزما التي امتلكها ابو ريشة، مثل الشيخ حميد الهايس والشيخ علي حاتم وغيرهما.. ولم يبقَ مجلس صحوة الانبار وحيدا، وإنما برزت اسماء مشابهة له الى حد كبيرة، حتى انه لم يكن سهلا التفريق والتمييز في ما بينها.
وراح الحديث يتركز بدرجة اكبر على الدور السياسي لمجالس الصحوة والانقاذ وأبناء العشائر وحصصها في الحكومة وموقعها في العملية السياسية باعتبارها صاحبة الانجاز الاكبر والاهم، المتمثل بمواجهة تنظيم القاعدة والتغلب عليه.
ولعلها مصادفة ان تتزامن الانتصارات التي حققتها العشائر في الانبار على تنظيم القاعدة مع انسحاب جبهة التوافق العراقية من الحكومة، ليطرح اسم مجلس صحوة الانبار بديلا محتملا وممكنا ومقبولا لشغل الحقائب الوزارية الشاغرة.
ولأول وهلة بدا ان ذلك الامر استفز قيادات ورموز جبهة التوافق العراقية، وقد تكون هذه هي النقطة الحقيقية للتجاذبات والصراعات بين عناصر المشهد التقليدي المتمثلة بالحزب الاسلامي العراقي بزعامة نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، ومؤتمر اهل العراق بزعامة عدنان الدليمي، وجبهة الحوار الوطني بزعامة خلف العليان، والعناصر الجديدة التي حاولت ان تظهر وتسوق نفسها اعلاميا وسياسيا وجماهيريا بطريقة مختلفة مستفيدة من دورها في التحولات والمتغيرات الحاصلة وعلاقاتها الجيدة مع الاميركان.
وبقدر اصرار جبهة التوافق على عدم العودة الى الحكومة وطرحها شروطا ومطالب بدت تعجيزية على رئيس الوزراء نوري المالكي، كان رموز وقيادات مجلس صحوة الانبار ومجلس انقاذ الانبار يتهيأون ويهيئون مرشحيهم لطرحها في الوقت المناسب. وفي ذات الوقت فإن الصراعات في ما بينهم أخذت تتصاعد وتحتدم في اطار التنافس على المواقع الشاغرة، لكن بعيدا عن وسائل الاعلام ومجسات الرصد والمراقبة.
ولم يكن كل ذلك بعيدا عن الاميركان في بغداد وواشنطن، بل حتى تبعاته وآثاره واستحقاقاته كانت مقروءة بقدر كبير من الدقة، اذ ان ذلك لم يكن صعبا بالمرة. وربما انهم ـ أي الاميركان ـ كانوا راغبين في ان تسير الامور بهذا الشكل وأن تذهب الى ما هو أبعد من ذلك. ولعل ذلك ما حصل بالفعل، فقد تسبب تراجع جبهة التوافق وإبداؤها مرونة في تعاطيها مع الحكومة وإظهار استعدادها للعودة، بإثارة حفيظة رموز مجلس انقاذ الانبار، وهو ما دفع امين عام المجلس حميد الهايس الى شن هجوم كلامي لاذع ضد الحزب الاسلامي العراقي واتهامه بدعم ومساندة القاعدة في الانبار، ودعوته الى حل مجلس المحافظة الذي يشغل الحزب الاسلامي العدد الاكبر من مقاعده. وأمهل الحزب ثلاثين يوما للقيام بذلك وإلا فسيقوم مجلس انقاذ الانبار بمحاربتهم كما حارب تنظيم القاعدة.
وفي وقت لاحق اتهم الهايس الحزب الاسلامي "بالسعي لإقامة دولة اسلامية متطرفة تعمل على التوسع لتشمل مناطق عديدة في العراق بدعم ممن وصفها بمؤسسات دينية عربية متطرفة، محذرا من "ان اقامة مثل تلك الدولة ستكون وبالا ليس على العراق وحسب، بل على جميع دول المنطقة". ويبدو ان تركيز الهجمات الكلامية والتهديد باستخدام القوة ضد الحزب الاسلامي دون غيره يشير الى انه ربما كانت هناك رغبة اميركية في إضعاف الطرف السياسي الاقوى شعبيا وجماهيريا في الساحة السياسية السنية، لا بهدف اسقاطه بالكامل، وإنما لخلق نوع من التوازن من خلال ايجاد تيار علماني سني معتدل وأكثر قبولا وأوسع امتدادا من العناوين والاسماء الموجودة، مثل الكتلة العربية للحوار الوطني بزعامة صالح المطلك ومجلس الحوار الوطني بزعامة خلف العليان.
واللافت ان الهجمة الكلامية من قبل الهايس على الحزب الاسلامي تزامنت مع الاعلان رسميا عن تحويل مجلس انقاذ الانبار الى كيان سياسي، وانتخاب الشيخ احمد ابو ريشة شقيق الراحل عبد الستار رئيسا له. وهذا امر لا شك في ان له دلالات ومؤشرات مهمة وليست عابرة او عفوية. أضف الى ذلك أنه بعد سبعة شهور وعشرة ايام من الآن هناك استحقاق انتخابي مهم يتمثل بانتخابات مجالس المحافظات في العراق، وطبيعي ان مجلس انقاذ الانبار ومجالس اخرى مماثلة له في محافظات اخرى ستبذل قصارى جهدها لتحقيق مكاسب كبيرة تمهد لها الطريق لمكاسب سياسية اخرى في الانتخابات البرلمانية العامة بعد حوالى عامين. والمكاسب المفترض والمتوقع ان تحققها مجالس الانقاذ ستكون على حساب الحزب الاسلامي وكيانات سياسية سنية اخرى تشغل في المرحلة الراهنة حيزا لا بأس به في اكثر من محافظة، وفي مراكز السلطة في العاصمة بغداد. ووجهاء وأبناء العشائر التي حاربت تنظيم القاعدة وما زالت، يعولون على استمرار الدعم السياسي لهم الى جانب الدعم المالي والتسليحي من قبل واشنطن، وهذا امر ممكن، وربما هو حاصل الآن، لكن لا يستبعد انه اذا كان ذلك جزءا من الاستراتيجية الاميركية، ان يفضي الى احتقانات حادة من شأنها ان توجد بؤر توتر وميادين ازمات من نوع آخر، لأن هناك بذور فتنة تنثر في اكثر من مكان، ومن الممكن ان تدب فيها الحياة اذا وجدت الظروف الملائمة للنمو.
الانتقاد/ العدد 1255 ـ 22 شباط/ فبراير 2008