ارشيف من : 2005-2008
عن دور الفن التشكيلي في رفد الثورة الاسلامية: صفحة تُطوى وصفحات تُفتح
توجهت الثورة الاسلامية في ايران مع انطلاقتها نحو شكل من الفنون له طابع تشكيلي مؤدلج، ذو دلالات مباشرة ومن دون غموض في اللوحات وصعوبة تأويلها، فكانت الأعمال الفنية الثورية، تنتشر في الساحات، وعلى الجدران في كل مكان، بعيداً عن المكان التقليدي للوحة، ألا وهو المتحف أو صالة العرض.
حملت هذه الجداريات الضخمة، مضامين تعبوية، لشحن الرأي العام ضد الأنظمة المتسلطة مثل أميركا والكيان الصهيوني، وأيضاً للتذكير ببصمات هذه الأنظمة وغيرها على فترة حكم الشاه والظلم الذي رافقه.
كذلك قامت تلك اللوحات بدور تعبوي لمصلحة الثورة والتعريف بأهدافها، وأيضاً شهدائها وقادتها، فكانت اللوحات التي تمثل الإمام الخميني أكثر من أن تحصى، فهذا هو القائد التاريخي الذي حوّل الحلم إلى حقيقة.
حملت تلك الجداريات رموزاً سهلة الفهم وواضحة الدلالة، كأن نشاهد في العمل الفني قطرة من دم الشهيد وهي تحطم السلاسل المكبّلة لقبضات الشعب، أو فوهة بندقية وهي تمزق جدار الأمبريالية، أو سنبلة قمح وهي تنمو بوجه الغربان.
وحدة الرموز
ان هذا النوع من الفنون ليس بالجديد على مستوى العالم، فقد ظهر في كل الدول الاشتراكية مثل الاتحاد السوفياتي وكوبا والصين وتشيكوسلوفاكيا، كذلك حضرت ذات المضامين في النصب التذكارية في معظم دول العالم، فأي لوحة أو منحوتة تتكلم عن الحرية مثلاً لا بد أن تحمل مرادفات تلك الحالة من سلاسل ومشاعل وشمس وعصفور..
أيضاً حضرت ذات الرموز في فن مستقل يدعى الملصق (البوستر) وهو شكل من أشكال الفن الذي يقدم رسالة مباشرة، محمّلة بعناصر الجذب كالألوان القومية والفكرة الذكية.
مع ذلك ثمة خصوصية لكل مكان، فمع اختلاف العقائد، تختلف بعض الرموز وتحضر أدوات دلالية أخرى تحمل خصوصية المكان وتراثه المعرفي.
صفحات جديدة
حالياً اذا أردنا قراءة اللوحة الإيرانية وتقصّي مسارها، نجد أن الجداريات ذات الدلالة الموجهة، ما زالت حاضرة في الأماكن العامة كما في الوجدان الإيراني، لكن وعلى خطّ موازٍ عرف الفن الإيراني كيف يعود إلى الواقع التشكيلي العالمي، إنما ببصمات خاصة وأساليب مزج بعضها بين الحداثة والتراث بما يحتويه من رسوم وزخارف وخطوط.
حتى المنمنمات التي عرفها التاريخ الإيراني عادت لتظهر وتغرف من الأساليب الحديثة والمعالجات اللونية المبتكرة.
اللوحة الإيرانية اليوم لها مكانتها ضمن السوق العالمية للفنون، وهناك من التشكيليين الايرانيين من بلغ الشهرة العالمية ولوحاته تعرض في أكبر المتاحف، كذلك هو الحال على مستوى اللوحات الخطية، حيث أولت الدولة هذا النوع من الفنون العناية الكاملة فأنشأت المعاهد وشيدت المتاحف ونظمت المسابقات.
أيضاً إذا عرّجنا على أنواع أخرى من المدارس التشكيلية وجدنا أن فن الكاريكاتور يحتل مواقع متقدمة من الصدارة العالمية، والحال نفسه مع التصاميم الطباعية (الغرافيكس) ويندرج الملصق ضمن ذات الإطار، أما الرسوم الموجهة للطفل فهي منتشرة في إيران بكثرة، وتتنوع مضامينها بين أقصى الكلاسيكية وأقصى الحداثة.
إنها الثورة التي تغلق صفحة مع الماضي وتفتح آلاف الصفحات مع المستقبل.
عبد الحليم حمود
الانتقاد/ العدد 1253 ـ 8 شباط/ فبراير 2008