ارشيف من : 2005-2008
عامل الأمة بين نهضة الإمام الحسين (ع) ونهضة الإمام الخميني (قده)
يطل الفجر التاسع والعشرون للثورة الاسلامية المباركة في ايران التي أطلقها الإمام الخميني (قده)، ويصادف ذلك ايام محرم الحرام ذكرى ملحمة الاسلام الخالدة التي توهجت شعلتها وتوسع مدى الحرارة التي بعثتها في قلوب المؤمنين لتنتج على مدى من الزمن المتواصل النهضات والحركات والثورات بعد ثلاثة عشر قرنا ونيف بنهضة خمينية حسينية اسلامية رائدة، قال عن فعلها وانفعالها وعن مصدرها واتصالها الإمام الخميني (قده): "إن كل ما عندنا من عاشوراء".
وإن قراءة متأنية في الحدثين والنهضتين توصلنا الى استنباط الاهداف الواحدة والمقومات الواحدة والمآل الواحد، وإن حاول البعض تظهير التفاوت في المصير والنتائج. فمن جهة الاهداف فلقد كانت واضحة محددة مرسومة مبدئية تتحدر من القيم الاسلامية ومبادئ الحق السامية، انها في كلتا النهضتين الاصلاح في الامة بإعادتها الى الالتزام الفعلي بدينها وصولا الى اقامة الدين في الأمة وتحكيم شرع الله فيها.
ومن اجل هذا الهدف الاسمى وُفّرت المقومات والعناصر والعوامل والمقتضيات، ومنها وعلى رأسها:
1. القيادة الحكيمة التي تعي الاهداف وتلتزم المبادئ وتمثل الحق في السلوك والالتزام، والثابتة على المبادئ المستعدة للتضحية في سبيلها مهما كانت التحديات والصعوبات.
2. الاهداف الواضحة الصريحة ذات الاشتقاق المعياري من المبادئ والقيم التي يتضمنها الحق.
3. النخبة الصالحة من أهل الحق الذين يمثلون دعائم المسيرة والطليعة المجاهدة المتمحضة بالحق الثابتة في الدفاع عنه.
لكن المائز هنا في المقومات بين النهضتين ان الإمام الحسين (ع) لم تتوافر له الامة التي تحمل الاهداف وتضحي من اجلها، لذا فإنه لم يتخلَّ عن هذا المقوّم لضرورته، وتحول الى الأمة النموذجية المتشكلة من رموز وطلائع ونماذج متقدمة في الفئات العمرية والطبقات الاجتماعية والخصائص النفسية من كلا الجنسين. وبسبب فقدان مقوم الامة ولأن الحسين (ع) وأصحابه كانوا صادقين في دفاعهم عن الحق وفي نصرتهم لله تعالى، فقد نالوا احدى الحسنيين وهي الشهادة.
أما الإمام الخميني (قده) فقد توافرت له الأمة بكل تشكلاتها بالعدد والعدة اللازمة، بالصدق في الانتماء وبالوفاء في العهود وبالنزول الى الساحات والاستشهاد والتضحية والفداء، وبالطاعة وعدم الخذلان، والثبات والصبر وعدم الهروب وترك الإمام وحده في الساحة.. من هنا ومع صدق الإمام والأمة والطليعة المؤمنة، ولتوافر كل الاسباب اللازمة للانتصار، فقد تحقق هذا الانتصار وكانت الثورة وحصل الانقلاب وتهشم عرش الشاه وطُعن الاستكبار في قلبه وضُرب على رأسه وصُدم في مشروعه واستراتيجيته. والذي يتأمل المآل في كلا النهضتين يجد ان الشهادة هي مصير النهضة الحسينية، وأن النصر والفتح هو مصير النهضة الخمينية، فهذا صحيح من جهة لأن السنة الإلهية الثابتة انه مع توافر العدد الكافي من الانصار المؤمنين الصابرين فإن النصر سيكون حليف المؤمنين، وإلا فالذي ينتظره المؤمنون هو الشهادة، وهذه سنة قائمة جارية في الامم والاجيال.. لكن الزاوية الاخرى من المشهد ان الشهادة التي تحققت في كربلاء وكانت نتيجة الخذلان في الامة، هذه الشهادة كانت لإنسان إلهي معصوم، دماؤه تغطي مساحة السماوات والأرضين، وآثاره تمتد في طول الزمان وعرض المكان لتبعث الحياة في الآدميين والكائنات، ولتبعث في خصوص المؤمنين حرارة تحركهم وتحفزهم وتستنهضهم على الدوام لتحقيق الاهداف التي نزفت من أجلها تلك الدماء، للوقوف مع المظلوم ورفض الظلم وإباء الضيم وتحقيق العدالة ونصرة الحق.. وهذه الحرارة هي نفسها التي تضاعفت مع الزمن وتراكمت آثارها حتى أنتجت ذلك القيام المدوي للإمام الخميني (قده) الذي كان صادقا في نسبة القيام الى أصله ومصدره وعلته، أي الى عاشوراء الإمام الحسين (ع).
فالإمام الحسين (ع) استشهد من أجل ان يحيا الاسلام وتحيا الامة بهذا الاسلام، وصولا الى إحداث النصر القريب علي يدي الإمام الخميني (قده)، بلوغا الى احداث الفتح المبين والنهائي علي يدي الإمام المهدي (عج).. وعندها ايضا ستكون الاهداف واحدة والمآل واحدا، وعندها يتحقق تمام الاهداف التي نهض الإمام الحسين (ع) من اجلها، وهي الاصلاح في امة الرسول (ص)، حيث يتحقق الاصلاح التام والشامل. عندها يتحقق ايضا المصير الذي تحدث عنه الإمام الحسين (ع) من ذلك الزمن الغابر (سنة 61هـ): "من لحق بنا استشهد ومن تخلف عنا لم يبلغ الفتح".. أي ان الإمام الحسين (ع) يكون قد انتصر بالفعل، ويظهر عندها ذلك الانتصار بتحقق الاهداف (أي الإصلاح) وتحقق المآل، وهو (الفتح).
د. بلال نعيم
الانتقاد/ العدد 1253 ـ 8 شباط/ فبراير 2008