ارشيف من : 2005-2008

«المعتدلون العرب» يتهيأون لـ«سنة صعبة» مع بشار الأسد دمشق: من يغِب عن القمة يخسر... ولا تنازلات سياسية

«المعتدلون العرب» يتهيأون لـ«سنة صعبة» مع بشار الأسد دمشق: من يغِب عن القمة يخسر... ولا تنازلات سياسية

يدور على محاور الازمة اللبنانية المفتوحة.‏

والمفارقة هذه المرة، انه بعدما كان الوضع في لبنان يتأثر تاريخيا بما يجري في القمم العربية اتفاقا او خلافا، أصبح الشأن اللبناني هو الذي يؤثر على القمة العربية واحتمالات نجاحها او فشلها، كما يتضح من خلال مجريات الامور حاليا.‏

وقد بات واضحا ان دول الاعتدال العربي ـ وتحديدا السعودية ومصر ـ تحاول إمساك دمشق من اليد التي تؤلمها ـ كما يقال في المثل الشعبي ـ عبر ربط مستوى مشاركتها في القمة، وبالتالي ربط فرص نجاحها بحجم التجاوب الذي يمكن ان تبديه القيادة السورية مع مطلب انتخاب رئيس جديد للجمهورية في أسرع وقت ممكن.‏

في المقابل، تتصرف دمشق على قاعدة الفصل بين ملف القمة والملف اللبناني، وإن تكن تتمنى ان يتم التوافق على رئيس جديد قبل انعقاد القمة، وفق ما صرحت به مصادر سورية. الاكيد في هذا المجال، ان القيادة السورية لن تقدم تنازلات سياسية في لبنان من أجل إنجاح القمة في دمشق، وهي إذا خُيرت بين الأمرين فلن تتردد في اختيار الاول.‏

ولعل ما هو أهم من انعقاد القمة بحد ذاتها، أن الرئيس بشار الاسد سيتسلم من المملكة العربية السعودية لواء رئاستها حتى نهاية آذار العام ,2009 ما يعني ان الزعماء العرب، ولا سيما المعتدلين منهم، يجب ان يدربوا أنفسهم منذ الآن على التعايش لمدة عام كامل مع الواقع الذي سيستجد بعد أسابيع قليلة، وخصوصا إذا كان الرئيس السوري بصدد ان يضع بصماته الخاصة على «الرئاسة»، بحيث لا تكون بالنسبة اليه مجرد موقع برتوكولي.‏

وحتى ذلك الحين، فإن القيادة السورية تواصل التحضيرات للقمة من خلال توجيه الدعوات الى الرؤساء والملوك العرب واستكمال الاستعدادات اللوجستية المطلوبة، ويُستنتج من الانطباعات السائدة في دمشق هذه الايام ان الشروط الضرورية لتأمين الحد الادنى من النجاح قد باتت ناجزة، قياسا الى الردود التي تأتي من العواصم العربية.‏

ويؤكد عائدون من دمشق مؤخرا انه من الخطأ بمكان ان يقارب بعض العرب مسألة القمة من زاوية الافتراض أن مقياس نجاحها يكمن في ان يحضرها الرئيس المصري حسني مبارك والملك السعودي عبد الله، ومن ثم البناء على ذلك لابتزاز سوريا وتحصيل أثمان سياسية منها مقابل ضمان مشاركة الزعيمين.‏

وبحسب هؤلاء، فإن القيادة السورية تبدي من حيث المبدأ حرصا شديدا على حضور الرئيس المصري والملك السعودي، لما يمثلانه من ثقل عربي يسمح الى جانب مساهمات الدول الاخرى ببلورة موقف فاعل واتخاذ قرارات تعبر عن الاجماع العربي الضروري، لكن في حال قررت القاهرة والرياض مقاطعة القمة او تخفيض مستوى التمثيل فيها، فهذا لا يعني فشلها، بل ان من يقرر تهميش حضوره هو الذي سيضعف موقعه وتأثيره في عملية صناعة القرارات التي ستتخذها القمة، وأكثر من ذلك، هناك في دمشق من يفترض أيضا ان انكفاء مصر والسعودية سيتيح الفرصة أمام صدور قرارات تكون أكثر انسجاما مع التوجهات الاستراتيجية السورية حيال القضايا الساخنة في المنطقة.‏

وتستغرب القيادة السورية ـ بحسب المطلعين على أجوائها ـ الموقف السعودي والمصري الحاد، برغم ان المشكلات الراهنة بين دمشق من جهة والرياض والقاهرة من جهة أخرى، تبقى، على أهميتها وحساسيتها، دون حجم الخلاف العميق الذي كان سائدا في الثمانينيات حين وقفت السعودية الى جانب صدام حسين في حربه على إيران المتحالفة في تلك الايام مع سوريا، وحين أعلن ولي العهد السعودي في تلك المرحلة فهد بن عبد العزيز عن مبادرة للسلام رفضها آنذاك الرئيس حافظ الاسد مهددا بمقاطعة قمة الرباط التي انعقدت عام .1982‏

أما اليوم، فإن ما يجدر التوقف عنده ـ بحسب العائدين من دمشق ـ هو ان سوريا تؤيد المبادرة العربية للسلام التي أطلقها الملك عبدالله شخصيا، حتى انها تبدو أحيانا أكثر حرصا على مضمونها من أصحابها الاصلييين. وفي ما خص إيران فإن قادة الخليج هم الذين فتحوا الابواب امام مشاركة الرئيس أحمدي نجاد في قمة مجلس التعاون الخليجي الاخيرة، والرياض هي التي وجهت اليه الدعوة لاداء مناسك العمرة.‏

ومؤدى ذلك ـ وفق أجواء القيادة السورية ـ ان عوامل الخلاف الحالي هي أقل عمقا وحدة من تلك التي كانت موجودة في السابق، ومع ذلك فإن حرارة التوتر تبدو أكثر أرتفاعا، متخذة أشكالا مختلفة، من بينها لجوء السعودية على سبيل المثال الى احتضان مناوئي النظام السوري واستضافتهم في وسائل الاعلام التي تتبع لها، إضافة الى ان الموالاة المدعومة من الرياض تواصل حملتها على دمشق ولا تتردد في جعل منطقة الشمال منصة للتخريب ضدها.‏

وفي الحصيلة، تعتقد أوساط في القيادة السورية ان هناك قرارا أميركيا باستهداف القمة العربية في دمشق، والمشكلة تكمن في ان بعض العرب يقبل ان يتورط في توفير التغطية لمثل هذا الاستهداف الذي يرمي بالدرجة الاولى الى تسهيل المشروع الاميركي في المنطقة ومنع إعادة الاعتبار للطبعة الاصلية من المبادرة العربية للسلام بعدما نعى الرئيس جورج بوش رسميا حق العودة للاجئين الفلسطينيين. أما المبادرة العربية الهادفة الى تسوية الازمة اللبنانية فقد أطلق الاميركيون النار عليها مباشرة وعلنا بواسطة ديفيد ساترفيلد.‏

ومن هنا، يظن السوريون ان من واجب السعودية ومصر المشاركة في القمة العربية للدفاع عن مبادرتين تحملان بصماتهما في مواجهة العمل الاميركي الدؤوب على إجهاضهما، بدلا من الاستمرار في اختراع الذرائع للتهرب من تحمل المسؤولية، مستغربين كيف ان هناك أنظمة عربية لا تزال تراهن على إدارة أميركية سترحل بعد أشهر قليلة، ومتسائلين عما إذا كان بوش الذي يستعد لتوضيب حقائبه يستأهل ان يُعبث بالقمة من أجله.‏

ويؤكد العائدون من دمشق ان القيادة السورية ليست بوارد ممارسة أي ضغوط على المعارضة اللبنانية من أجل دفعها الى التراجع عن قناعاتها السياسية، بغية تسهيل مشاركة الرياض والقاهرة في القمة المرتقبة، والسقف السوري في هذا المجال لن يتجاوز حدود التشديد على وجوب ان يصب الجهد العربي المشترك في اتجاه تأمين توافق لبناني حول انتخاب رئيس الجمهورية، استنادا الى المبادرة العربية التي تستطيع بشموليتها ان تحقق الوفاق المنشود إذا توقف الاميركيون عن العرقلة، كما يقولون في سوريا.‏

المصدر: صحيفة السفير اللبنانية، 26/2/2008‏

2008-02-26