ارشيف من : 2005-2008
الحوار العربي لاحتضان التسوية الداخلية
المسألة على أهميتها قد صارت مستهلكة جراء ما اقترح حولها. لعل من الأنسب والأجدى والأسلم، حفاظاً على الدستور والنظام الديموقراطي من التأسيس لأعراف جديدة، لو تشكلت حكومة انتقالية وظيفتها الأساسية أن تجري انتخابات نيابية عامة تجدد شرعية المؤسسة الأم، المجلس النيابي، وتطلق العمل في المؤسسات الدستورية وفقاً للمبدأ الديموقراطي. إن توزيع الحصص في الحكومة وفق ما صار متداولاً مع تخصيص رئيس الجمهورية بحصة وزارية لا ينسجم مع الدستور ومع الدور المناط بالرئيس الذي لا يقترع في الحكومة لكي يستطيع القيام بدوره الرقابي. هذه السابقة لمن يعرف كيف تصرف في السياسة اللبنانية هي الخطوة الأولى نحو المثالثة الطائفية. عملياً هي التجسيد المباشر لنظام متعدد الأقطاب الطائفية وهو نموذج جديد من الترويكا مدمّر للنظام البرلماني كما نص عليه الدستور وحدّد أحكامه. ومن الغريب أن الذين يرفضون فكرة الفيتو الطائفي لفريق معيّن يطرحون صيغاً للحلول تعزز هذه الفكرة وهذا المسار. فإذا هم نجحوا في تجاوز الأزمة الراهنة على صعيد الحكم والحكومة فإنهم يؤسسون لأزمة أعمق عندما تسير عجلة الحكم ونحتاج إلى قرارات وطنية كبرى.
في الواقع لا نعتقد أن التفاوض الحالي سينتج حلاً سياسياً حتى لأزمة الحكم وللعلاقات بين أطراف السلطة، ولو كان اللبنانيون يرتجون الآن أية تسوية تنقل الصراع من الشارع إلى المؤسسات. غير أن الحقيقة التي يجب المصارحة فيها هي أن النظام السياسي لم يعد يشتغل أمام قوى باتت كلها تملك أشكالاً من الدويلات وتأخذ لنفسها ملفات وقضايا مركزية في مشروع الدولة لتنفرد في معالجتها. ولكي تعود هذه القوى إلى الدولة لا تصح أشكال «الفدرلة» المختلفة بما في ذلك التقاسم الجديد للسلطة. ما هو مطروح الآن في جميع الحلول المتداولة هو نكوص عن مشروع الدولة وعن أحكام الدستور والطائف.
إن الشراكة والمشاركة في السلطة لا يمكن أن تحجب الانقسام العميق في الخيارات السياسية والاقتصادية. والمهادنة التي تسعى إليها المبادرة العربية لن تصمد أمام أي تطورات لم يعد مستبعداً منها احتمال الحرب الإقليمية. لقد كانت المؤسسات الدستورية قائمة من قبل ولم تنجح في احتواء المشكلات المطروحة على البلاد، لا سيما في التعامل مع العدوان الإسرائيلي أو العلاقات المتوترة مع سوريا، فضلاً عن ملفات منفصلة ومتصلة كالمحكمة والقرارات الدولية. لهذه الأسباب ينظر الكثير من اللبنانيين على أن الوفاق العربي شرط ضروري لاحتضان التسوية الداخلية. فهو يستطيع أن يرسم مظلة فوق لبنان تساعده على توحيد نظرته لسياسته الخارجية التي هي العنوان الأبرز للصراع. وهذا الوفاق العربي يساعد على أن لا تطمئن إسرائيل لاستهداف لبنان واستفراده.
لقد حققت المبادرة العربية تقدماً مهماً في اعتبار البيان الوزاري للحكومة منطلقاً للتفاهم السياسي. لكن الأهم هو أن تتبنى القمة العربية القادمة في آذار المقبل موقفاً يحمي لبنان ويدعم سيادته واستقلاله. لكن من أسف لم تتبدل أوضاع جامعة الدول العربية منذ صارت لقاءات القمة دورية وسنوية. فهذا الإصرار على الاجتماع من حيث الشكل لم يعوّض في المضمون حال التباعد والخلافات السياسية. فإذا كانت القضايا هي التي استدعت في الماضي انعقاد القمم فإنها اليوم أكثر بكثير، لكن ما بات ينقص أكثر هو التوجه المشترك والإرادة المشتركة.
من الواضح أن جامعة الدول العربية فقدت منذ ثلاثة عقود فاعليتها كإطار لتبلور نظام إقليمي، لأن العرب لم يعززوا علاقاتهم البينية أصلاً وهم يختلفون الآن في تحديد الأمن القومي بصورة أساسية.
إن أزمة لبنان صارت جزءاً من هذا الاختلاف وهي لن تنحل بينهم إلا في ضوء تفاهمات تتعلق بسياسات المنطقة. ونكاد نصدق أن التفاهم في لبنان سيعزز من فرص انعقاد القمة ونجاحها، لكن الحقيقة هي أن التسوية في لبنان تتقدم بالتوازي مع وقف التوتر في العلاقات العربية والاستعداد لعقد قمة تعالج مشكلات البيت العربي قبل أن تعالج علاقته بمحيطه القريب والبعيد. بانتظار ذلك لا بأس باستئناف التفاوض بين اللبنانيين وإطالة أمد السلم الداخلي والخارجي.
المصدر: صحيفة السفير اللبنانية، 26/2/2008