ارشيف من : 2005-2008
لا تنتظروا الحرب ... مانعوها!
كتب سليمان تقي الدين
لم تتوقف الحرب الأميركية على المنطقة ولن تتوقف في المدى المنظور. إنها حرب مصيرية بالنسبة لجميع أطرافها. مستقبل النظام العالمي سيتقرّر هنا. إما أن تتحكّم أميركا بالنفط ومحيطه السياسي والأمني وتسيطر على الاقتصاد العالمي، أو هي مضطرة لقبول الشراكة والتعددية القطبية واحتمالات المنافسة.
يواجه المشروع الأميركي اعتراضاً متصاعداً من روسيا والصين ومقاومة من إيران. كما يواجه حلفاء أميركا في المنطقة صعوبات سياسية وأمنية من إسرائيل حتى باكستان، ومن أفغانستان حتى لبنان. لن تستقر السيطرة الأميركية بالقواعد العسكرية وحدها، ولا من خلال دول وأنظمة تتناقص شرعيتها السياسية يومياً إزاء ممارسات الاحتلال الصهيوني في فلسطين والأميركي في العراق. ولن يتقدم المشروع الأميركي ما لم ينجح في إزالة المقاومة من فلسطين والعراق ولبنان، وتوفير الأمن الثابت لإسرائيل وإدماجها في المنطقة وضمان تفوقها وقدراتها الرادعة. خسرت إسرائيل في حرب تموز 2006 هيبتها، وخسرت أميركا إحدى ركائزها على هذا الصعيد وهي تحتاج إلى استعادتها بصورة عاجلة.
لا يجد الأميركيون والإسرائيليون مخرجاً من التوازن الجديد ومن حال المراوحة التي تستنزفهم سياسياً إلا بواسطة حرب تغيّر المعادلات. لا يمكن الآن وفق التوازن الحالي إنجاز تسوية على المسار الفلسطيني وفق التصور الإسرائيلي. ولا يمكن إيجاد حل في لبنان بمعزل عن رصيد المقاومة، إلا بإسقاط هذا الرصيد بكافة الوسائل.
كل الدلائل والمعطيات تشير إلى سعي أميركي لوضع المقاومة بين المطرقة الإسرائيلية وسندان المناخ السياسي الداخلي. قد لا ينجح المشروع الأميركي بجعل المقاومة بين نارين، نار الحرب الأهلية ونار العدوان الخارجي، لكنه أنجز حتى الآن خطته في تعميق الانقسام الداخلي وشحنه بالعدائية، وأنجز الاستعداد التقني في إسرائيل وفتح أمامها أبواب المبادرة. لقد جاء اغتيال قائد المقاومة العسكري خطوة في هذا الاتجاه، مقدمة للحرب وتحضيراً لمسرحها.
يظلّل هذا المسرح موقف رسمي عربي مريب، يفاقم صراعاته في لبنان، ويغذي الانقسام ويسهم في تعطيل الحلول والتسويات، ويذهب أبعد من موقفه في حرب تموز، تاركاً لبنان يواجه احتمالات الحرب الإسرائيلية الجديدة في حال من تصدّع وحدته الوطنية وشلل وفراغ مؤسساته وانكشاف سياسي بذريعة صراع المحاور الإقليمية. وفيما يحذر وزير خارجية دولة عربية فاعلة من احتمالات الحرب الأهلية، يؤكد سفير تلك الدولة أن الوقت داهم وأن أحداثاً جساماً ستقع ويجب انتخاب رئيس للجمهورية. ولا ندري ما يستطيعه الرئيس بغياب وفاق وطني شامل، وهل وجوده يمنع وقوع الأحداث الجسام أم عليه أن يستقبلها ويتعامل معها!؟
وبالفعل لم نعد نفهم إصرار النظام الرسمي العربي على حل يكرّس إمساك فريق معيّن بمقاليد السلطة وأرجحية القرار فيها إلا في سياق واحد. إما التسليم بالمشروع السياسي لهذا الفريق وإما فإن الحرب ستحدث التغيير المطلوب للتسليم بذلك. إن إحجام العرب عن دعم حل توافقي شامل مطمئن للجميع يأخذ بمصالح كافة الفرقاء ويراعي أوضاعهم التمثيلية، والتمادي في استهلاك الوقت مع ما يترتب على ذلك من مشكلات وأزمات واهتراء على كافة المستويات، يدل كأن هذا الانتظار سيؤدي إلى تغييرات جذرية تخمد تشدد «المتشددين»، كما أسماهم وزير الخارجية العربي.
علينا إذاً أن نبسط أمام المجتمع العربي كله حقيقة أن الحرب على لبنان هذه المرة سوف لن تكون مأساوية وحسب، بل ستكون لها مضاعفات لن تقف أبداً عند حدود لبنان مهما كانت نتائجها. وأخطر ما تحمله الحرب إذا ما نجحت في كسر شوكة المقاومة، على فرض احتمال ذلك، أنها ستفجر حروباً أهلية يمتد حريقها في طول المنقطة وعرضها وتطلق ديناميات للنزاعات الدينية والمذهبية وللأصولية ولسيادة لغة العنف. فهي لن تجلب الاستقرار ولن تحمي النظام الرسمي العربي، ولن تساعد على حل القضية الفلسطينية ولن ترفع شأن «العروبة» على ما عدا العرب. ولن تنشر الديموقراطية أو تساعد عليها ولن تنهي الصراعات الإقليمية، ولن تثبت خيارات سياسية لا تتفق وطموحات شعوب المنطقة وأمانيها. وهي طبعاً بدرجة أولى سوف تقضي على لبنان وتتلاعب بمكوّناته وبعيشه المشترك وحرياته وبدوره الاقتصادي وبوحدته. وإذا فشلت هذه الحرب بتحقيق أهدافها فسوف تحمل معها متغيّرات هي أيضاً لا تؤدي إلى الاستقرار في المنطقة.
على العرب أن يفكروا في المشهد اللبناني خارج أنانياتهم وحساباتهم السياسية الصغيرة. عليهم أن يمنعوا الحرب في لبنان والحرب عليه إن لم يكن لأجله فلأجلهم. هم آخر من يجب أن يغادروا لبنان لا أول من يمتنع عنه حتى لأسباب أمنية. عليهم أن يتعاطوا مع أمن لبنان كأمنهم، إذا نفذت إسرائيل منه فالكثير الكثير سوف يتبدل في المنطقة.
المصدر: صحيفة السفير اللبنانية، 23/2/2008