ارشيف من : 2005-2008
الاستسلام يحتاج إلى قرار .. لا الدفاع!
كتب امين حطيط
في كل مرة تعتدي اسرائيل على لبنان ويحاول فريق لبناني، بالاضافة الى الجيش، مواجهة الاعتداء، تعلو أصــوات وتتردد أصــداؤها هنا وهناك مطالبة بتحديد اتخاذ القرار بالحـرب والسلم وحصره بيد الدولة، معيبة على الفريق الذي يتصدى للمواجهة الدفاعـية قــراره في الدفاع عن نفسه، متهمة إياه بامتلاك قرار الحرب متجاوزا الدولة... قول قد يغري الجاهل بشأن الحرب والسلم وينساق في الوجهة التي يراد أن يروج لها بعيداً عن طبيعة الامور. ولا بد هنا من مقاربة الموضوع من طبيعة الحرب ذاتها ووصفها بالاستناد الى القواعد والأعراف العسكرية للوصول الى كيفيفة اتخاذ القرار بالحرب او بالسـلم وتحديد من يمتلكه حاليا في لبنان ومن يمارسه فعليا فيه.
الحرب كما هو معلوم نزاع مسلح تتواجه فيها قوتان أو أكثر في ميدان محدد أو جغرافيا مفتوحة يدور فيها قتال يبادر اليه فريق ضد آخر، لفرض إرادته عليه بالقوة العسكرية، ويجد الاخير نفسه في وضع من اثنين:
ـ إما تجنب المواجهة والامتناع عن الرد، ما يمكّن المهاجم من تحقيق ما أراد وفــرض قراره بالاحـتلال والسيطرة والهيمنة على الممتنع عن المواجهة الذي يستسلم وينصاع لتـلك الإرادة، ويكون الاستسلام إما في بداية الحرب حيث لا يحصل قتال أصلاً بسبب تهيب الطــرف من المواجهة أصلا بدافع مادي او معنوي، أو يكون في معرض المواجهة بنتيجة الوصول الى الانهيار اللا دركي، أي تلمس العجز عن المتابعة وعقم الاستمرار بالقتال.
ـ وبالمقابل قد يتخذ المستهدف قراراً بالمواجهة للدفاع عن نفسه ويستمر بالقــتال حتى يكسر إرادة المهاجم ويمنعه من تحقيق أهدافه فينتصر عليه.
والحرب تكون نتيجة قرار يتخذه من أراد فرض مشيئته على الآخرين، وتوسل القوة العسكرية في سبيل ذلك، ويملك قرارها من عبر عن هذه المشيئة ودخل الميدان وفرض على الغير المواجهة أو الاستسلام. أي ان قرار الحرب هو قرار من بيده القدرة على الهجوم وأراده، اذ يقرر الحرب من أدخل نفسه والآخرين في قتال. وبالمقــابل فإن الذي يتخذ قرارا بالمواجهة للدفاع عن نفــسه، لا يـكون في معرض القرار والاختـيار بين حالات متــكافئة في النتائج، بل انه يكون في وضع من اثنين، إما ممارسة حق الدفاع عن النفــس و المــواجهة، أو التنازل عن الحق والاستسلام. وقد ضمنت كل القواعد والمبادئ الدينية والقانونية والأخلاقية ممارسة حق الدفاع المشــروع عن النفــس وحضت على ممارسته الى المســتوى الذي اعتـبر فيه أن من يقتل دون حقه فهو شهيد (الحديث الشريف).
إسقاطاً لهذه المبادئ على الحــالة اللبــنانية، نجد المشهد التالي: اسرائيل تعتدي على لبــنان منذ أن وجدت، ودخلته محــتلة العــديد من المرات، وتنتهك سيادته وأمنه وثرواته، وتــشن ذلك بقرار منها متى شاءت. بالمقــابل كانت تصرفات لبنان حيال السلوك الاسرائيـلي متفــاوتة بين مواجــهة محدودة جداً ضمن الامكانات المتوافرة دون أن تصل الى منع العدو من تحقيق أهدافه كما حصل في ايلول من العـام ,1972 حيث وصل الجيش الاسرائيلي الى مشـارف صور، أو من غير مواجهة كما حصل في العامين 1978 و1982 حيث وصــلت اسرائـيل الى بيروت حتى تجاوزتها، أو مواجـهة جـدية فعلية شجاعة كما حصل في العام ,2006 حيث كسرت الارادة الاسرائيلية واعــترفت لجنة فينوغراد بالهزيمة الاسرائيلية الاولى في تاريخ اسرائيل.
في المرات التي انتصرت فيها اســرائيل كان لبنان الرسمي عاجزاً عن المواجــهة الفــعالة، فمكن اسرائيل التي قررت الحرب عليه من أن تنتصر، أما في الحالة الاخــيرة فإن لبـنان بمقاومته اختار الدفاع عن نفسه ومنع احتلال أرضه، فحقق ما أراد وهزمت اسرائيل، وفي الحالين كان قرار الحرب قرارا اسرائيليا، ليس للبنان فيه شأن.
والآن وفي حال الانقسام القائم في لبنان حيث تستأثر فئة بالسـلطة الرســمية دون أن تبــلغ من القوة المستوى الذي تستطيع فيه أن تواجه اسرائيل اذا اعتدت، بينما تمتلك الفـئة الاخرى المستبعدة عن القرار الرسمي القوة التي هزمت اسرائيل ومنعتها من تحقــيق أهــداف حربها التي امتلكت قرارها ونفذتــه، في هذا المشــهد تطالب الفئة الاولى بالاشــتراك بقرار الحــرب وهنا يطرح السؤال عن صوابية الطلب وجدّيته وأهدافه.
فمن حيث الصوابية والمشــروعية نجد أن الطلب في غير محــله لان الفئة الاخــرى، وهي المقــاومة، لا تمتلك القرار هذا ولا تمــارس القــرار هذا، انما هي تمارس حصرا حق الدفاع المشــروع عن النفس وهو أمر طبــيعي ليس بحــاجة الى قرار لأنه ردة فعل طبيعية، بل الذي يحـتاج الى قرار هنا هو التنازل عن هذا الحق والاتجـاه الى الاستسلام وعدم المواجهة. فالمــدافع عــن نــفسه لا يقرر، بل يمارس حقاً قائـماً ليس بحاجة الى قرار. وفي النقطة هذه بالذات بــيت القصيد، حيث ان البــاحث يستـنتج من الطلب المنـادي بالمشاركة بالقرار، مشاركة بقرار الاستسلام لا بقرار الحرب.
واذا عطفنا هذا الاستنــتاج على ما يثار حول سلوك المطالبين ممن بعضهم في السلـطة اليوم، أثناء حرب تموز ,2006 لتوصلنا الى الخلاصة البسيطة التالية: ان المطالبة بالمشاركة بقرار الحرب، مع علم أكيد لدى المطــالب ان هذا القــرار لا تمتلكه إلا اسرائيل، يعني حقـيقة مطــالبة للفريق المدافع بالامتــناع عن ممارسة حقه المشروع في الدفاع عن النفس، أي مطالبة له بالتسليم والانصياع لإرادة العــدو، خاصة اذا تذكرنا أن لبعض المطالبين تاريخا حافلا بعلاقات التبعية للعدو ولبعضهم الآخر سلوكا يثير الريبة والشك حول جديتهم في مخاصـمة العدو ومواجهته.
وعليه نقول ان لا أحد في لبنان يمــلك قرار الحرب، فإسرائيل وحدها تمتــلكه، انما هناك وضع زج فيه اللبنانيون بين الدفاع عن النفس بمواجهة اسرائيل أو الاستســلام لها، والدفاع لا يتطــلب قرارا، أما الاستســلام فنــعم، فــهل يريد المطالبون أن يكونوا شركاء في قرار الاستسلام؟ إن أرادوا فلن يجدوا في صفوف المقاومة شركاء في ذلك.
إنهم بمطالبتــهم بالشــراكة في القــرار، يخفون الحقيقة التي هي السعي الى تكبيل الشرفاء ومنعهم من مواجــهة اســرائيل، مطالبة لا تعدو كونها سعـياً الى التســليم، أولــيس هذا ما تريـده أمـيركا التي تدعمــهم؟ أولــيست مفارقة ايضا أن يشتد الطــلب ويعـلو الصوت في كل مرة تعتدي فيها اســرائيل وتكــون المقـاومة في معرض التحضير للرد المنــاسب، كـما هي الحال الآن بعد اغتيال الشهـيد عماد مغــنية؟... انه طــلب في جوهــره يعبر عن حــاجة اسرائيلية ولذلك انه طلب لن يستجاب له وسعي لن يوفق.
(*) عميد ركن متقاعد
المصدر: صحيفة السفير اللبنانية، 23/2/2008