ارشيف من : 2005-2008
«أمل» و«حزب الله» و«المستقبل»: لا قرار بالمواجهة ولكن! هكذا تمارس الفتنة «الإغواء» المذهبي والسياسي...
كتب عماد مرمل
يستمر القفز البهلواني على حافة هاوية الفتنة المذهبية، وبات كل فريق يملك قدما في الهواء وأخرى على الحافة، ما يجعل اللعبة تنطوي على مخاطرة كبرى لان أي دعسة ناقصة من شأنها ان تؤدي الى فقدان كامل للتوازن وبالتالي الانزلاق نحو تلك الهاوية السحيقة التي تمارس كل أنواع الإغواء، لاستدراج اطراف الازمة الى قعرها.
تترنح بيروت حتى الآن من دون ان تقع. يمسك بها النافذون فيها كلما تكاد تنزلق تحت وطأة التدافع بينهم فوق الحافة الرفيعة. ويمكن القول ان العاصمة نجت خلال الايام القليلة الماضية من قطوع حقيقي أوشك ان يشعل النار في هشيم الاحتقان المذهبي والسياسي، لولا تدارك الموقف في اللحظات الحرجة.
ولكن الخوف هو الا تسلم الجرة في كل مرة، وخصوصا إذا استمر غياب شبكة الامان السياسية التي تستطيع وحدها ضمان الاستقرار الداخلي والسلم الاهلي. وفي الانتظار، كان لا بد من ملء الفراغ بـ«عادات قديمة» تعود الى زمن الحرب الاهلية عندما كانت اللجان الامنية المشتركة او لجان الارتباط تتولى تنظيم اتفاقات وقف إطلاق النار للجم حروب الزواريب .. ولو مؤقتا.
هكذا، وجدت المؤسسة العسكرية ذاتها مجبرة على تجرع واحد من أكثر الكؤوس مرارة، حين اضطرت الى ممارسة الامن بالتراضي او «بالتي هي أحسن» في شوارع بيروت من خلال جمع ممثلين عن تيار المستقبل وحركة أمل وحزب الله للبحث، برعاية الجيش، عن السبل الآيلة الى احتواء التوتر المتنامي في مناطق العاصمة، الامر الذي أعاد إحياء «طقوس» الماضي.
وكان واضحا ان وهج الحرائق المذهبية الني أشعلتها قنابل المولوتوف قد لفح القوى الفاعلة في العاصمة، حيث بدا ان زمام الامور يمكن ان يفلت في غفلة من الزمن، ما جعلها تلقي بثقلها في لحظة الحقيقة لمنع التمادي في تعديل قواعد اللعبة ووقف اندفاع مناصريها الذين أنجزوا مهمتهم في اي حال وأوصلوا الرسائل المتبادلة الى عناوينها البريدية في الاتجاهين.
وتؤكد مصادر مطلعة في حركة أمل ان هناك قرارا كبيرا لدى الحركة بعدم الانجرار الى متاهات المواجهة الداخلية المفتوحة، مهما كلف الثمن وأيا تكن الخسائر التي ستترتب على عدم التورط في مثل هذه المتاهات، مشيرة الى ان القيادة حريصة على تنفيس الاحتقان المذهبي الذي تمدد ليس فقط الى الاحياء المختلطة وإنما ايضا الى الابنية المختلطة.
وتلفت المصادر الانتباه الى ان الاجتماع الامني الذي عقد برعاية مخابرات الجيش اللبناني أظهر ان هناك رغبة لدى جميع الاطراف في احتواء الاحتقان وعدم تجاوز الخطوط الحمر، مشددة على أهمية التواصل بين مسؤولي القوى السياسية في الاحياء لان هؤلاء هم الذين يملكون التأثير المباشر على الارض، وبالتالي فان تحسن العلاقة بينهم يساهم تلقائيا في إشاعة مناخ من الاسترخاء الميداني.
أما حزب الله، فهو لا يبدو في وارد ان يتراجع في المدى المنظور عن قراره الاستراتيجي القاضي بعدم الاستدارة العسكرية نحو الداخل، بل ان هذا التوجه تعزز بعد اغتيال القائد عماد مغنية والذي جعل الاولوية القصوى للحزب في هذه المرحلة هي لكيفية الرد على جريمة الاغتيال والإجابة على رسائلها، من دون ان يعني ذلك ان الحزب لن يخوض المواجهة الداخلية إذا فرضت عليه واصبحت قدرا لا مفر منه.
وأكثر من ذلك، بات حزب الله مستعدا على الارجح ليس فقط للتعامل مع حرب إسرائيلية جديدة، وإنما مع حرب إسرائيلية ـ داخلية قد تشن دفعة واحدة بغطاء أميركي ـ عربي، حسب المقربين منه، وهو أعد الخطط المناسبة لمواجهة مثل هذا الفرضية، على قاعدة الاستعداد لأسوأ الاحتمالات.
في هذه الاثناء، ترى أوساط فاعلة في المعارضة ان أحداث الايام الماضية في العاصمة بيّنت بان تيار المستقبل تحول من قوة سياسية الى تنظيم مسلح، وهو استغل مناسبات عدة، كتشييع الرائد وسام عيد في دير عمار والاطلالات الاعلامية للنائب سعد الحريري والاشكالات الاخيرة مع مناصري حركة أمل وحزب الله من أجل تعمد إطلاق النار وإبلاغ من يهمه الامر بانه أصبح تيارا مسلحا، يجب التصرف معه على هذا الاساس.
وتقول الاوساط انها تملك تفاصيل وافية حول طريقة عمل الجناح المسلح في «المستقبل» والجهات التي تتولى تدريبه وتجهيزه وتنظيمه، معربة عن اعتقادها بان دول الاعتدال العربي تؤدي دورا مركزيا في «عسكرة» تيار المستقبل ومحذرة من ان هذا التحول في شخصيته يؤشر الى انسلاخه عن فكرة الدولة التي كان مؤسس التيار رفيق الحريري من أشد المتحمسين لها.
وتضع الاوساط الفاعلة في المعارضة تفسيرات عدة لسبب لجوء تيار المستقبل الى «تغيير جلده»، تشمل المروحة الآتية من الاحتمالات:
ـ السعي الى إيجاد توازن داخلي، ولو نظري، مع حزب الله لتحسين شروط التفاوض.
ـ محاولة استدراج حزب الله الى صراع داخلي، يكون توطئة للمطالبة لاحقا بفتح ملف السلاح لدى الجميع ونزعه من أيدي الجميع.
ـ الملاقاة الميدانية لأي عدوان عسكري خارجي ضد المقاومة، وهو الامر الذي كان مطلوبا في حرب تموز ولم يتحقق في حينه.
وتنبه الاوساط الى ان أي حرب أهلية ستكون في نهاية المطاف بلا أفق، ولن تعدو كونها مستنقعا وسخا سيخرج منه الكل ملوثا وخاسرا، محذرة من مخاطر التمادي في اللعب بالنار.
يقارب تيار «المستقبل» ما يجري من زاوية مختلفة كليا، وتعتبر شخصية بارزة فيه ان تحصين الساحة الداخلية إزاء رياح الفتنة يتطلب بالدرجة الاولى نزع عدد من الالغام والفتائل، أولها اعتصام المعارضة في وسط بيروت والذي يجب العمل على إنهائه سريعا بعدما ولّد مناخا من الاحتقان المتصاعد في أوساط ابناء العاصمة وأصبح شبيها بالاحتلال الحاصل في مزارع شبعا، والمطلوب ثانيا الامتناع عن استخدام لغة التخوين كالقول ان حكومة السنيورة هي حكومة اولمرت، «وإلا فليعطونا الدليل على صحة هذا الاتهام حتى نقطع رأس المرتكب».
وتحمّل هذه الشخصية حزب الله المسؤولية عن اندلاع شرارة المواجهات الاخيرة في العاصمة والتي بدأت من رأس النبع، مشيرة الى انه جرى تسليم المعنيين في الجيش والحزب شريط فيديو يصور الاعتداءات التي تعرض لها أحد المساجد في رأس النبع.
وتنفي الشخصية البارزة في «المستقبل» ان يكون هناك قرار سياسي لدى تيار المستقبل بالتسلح، مؤكدة ان ذلك يتم بمبادرات فردية من المواطنين الذين يثير فيهم الخطاب التحريضي للمعارضة القلق الشديد ويدفعهم تلقائيا الى اقتناء أسلحة فردية للدفاع عن النفس عند الضرورة، ولو كان يوجد قرار مركزي بالتسلح لما كانت أسعار قطع السلاح قد ارتفعت نتيجة الطلب المتزايد عليها، لانه كان سيتم توزيعها مجانا.
وإذ تشدد تلك الشخصية على ان خيار «المستقبل» ما زال خيار الدولة، تنبه الى ان الامور يمكن ان تفلت في أي وقت، من تلقاء ذاتها، إذا لم يتم تداركها بأقصى سرعة ممكنة وبالتحديد من قبل حزب الله، معترفة بان الوضع خطير ويستحق مبادرة إيجابية من الحزب، وإلا فان الحرب الاهلية ستكون انتحارا جماعيا ولن يخرج منها أحد رابحا.
المصدر: صحيفة السفير اللبنانية 19/2/2008