ارشيف من : 2005-2008
استهداف زوار الامام الحسين.. تكرار المشهد وثبات الموقف
بغداد ـ "الانتقاد"
تذكّر العملية الارهابية التي وقعت في ناحية الاسكندرية (60 كلم) جنوب العاصمة بغداد، ظهر يوم الاحد الماضي، الرابع والعشرين من شهر شباط/ فبراير الجاري، وادت الى استشهاد اكثر من ستين شخصا من زوار الامام الحسين عليه السلام الذين كانوا متوجهين الى كربلاء سيرا على الاقدام، بالعملية التي وقعت العام الماضي، في مدينة بابل، قبل يومين من ذكرى اربعينية الامام الحسين عليه السلام.
عملية العام الماضي تمت بأحزمة ناسفة وسيارة مفخخة استهدفت سرادقا مخصصا لتقديم الطعام والشراب والاسعافات الاولية للزائرين، وتسببت باستشهاد وجرح اكثر من مئة شخص.
وعملية هذا العام في الاسكندرية التي تعد من المناطق التابعة اداريا لمحافظة بابل، استهدفت هي الاخرى سرادقا مخصصا لنفس الغرض، حيث انه كان يغص في وقت الظهيرة بالزائرين القادمين من مدن مختلفة، لاداء الصلاة وتناول الطعام واخذ قسط من الراحة قبل استئناف المسير نحو كربلاء، وقطع مسافة الخمسة والاربعين كيلومترا المتبقية للوصول الى مرقدي الامام الحسين والعباس عليهما السلام. حيث انسل ارهابي كان يرتدي حزاما ناسفا وسط حشود الزائرين ليفجر نفسه بينهم.
لم تكن عملية الاسكندرية هي الوحيدة التي استهدفت الزائرين، لكنها كانت الاقوى والاكثر دموية، ففي منطقة الدورة جنوب العاصمة بغداد، ادى انفجار عبوات ناسفة الى استشهاد ثلاثة زوار وجرح اكثر من اربعين اخرين، وفي منطقة الزعفرانية جنوب شرقي بغداد، حدث نفس الشيء تقريبا. وقبل ذلك استشهد عدد من الزوار وجرح اخرون بنيران قناصين خلال سيرهم على الطريق السريع بين منطقتي بغداد الجديدة والدورة. ولعل حوادث مماثلة وقعت في مناطق ومدن اخرى غير العاصمة بغداد ومحيطها، ادت الى سقوط ضحايا في صفوف حشود الزائرين.
وبحسب مصادر رسمية حكومية فإن مجمل الحوادث التي وقعت خلال مراسم الزيارة حتى الآن هي اقل من حيث اعدادها والخسائر البشرية والمادية الناتجة عنها مقارنة بالعام الماضي والاعوام التي سبقته.
وتعزو هذه المصادر اسباب ذلك الى تنامي قدرات الاجهزة الامنية والعسكرية من حيث عددها وخبرتها وامكانياتها الفنية والتسليحية، ومستوى التنسيق والتنظيم في ادائها، الى جانب انحسار الجماعات الارهابية المسلحة، وخصوصا تلك المنضوية تحت مظلة تنظيم القاعدة، اذ ان الخطط الامنية والعمليات العسكرية المتواصلة خلال العام الماضي ساهمت الى حد كبير في اضعاف تلك الجماعات وتفكيكها، والقضاء على قسم كبير منها بشكل نهائي وحاسم.
ولعل وضع اليد على كميات كبيرة من الاسلحة والاعتدة والمتفجرات من قبل الاجهزة الامنية والعسكرية العراقية في اماكن مختلفة، عكس في جانب منه مستوى التنسيق والتنظيم وتنامي القدرات الفنية. فعلى سبيل المثال اعلن قائد شرطة مدينة كربلاء المقدسة اللواء رائد شاكر جودت قبل ايام قلائل من حلول ذكرى اربعينية الامام الحسين عليه السلام "ان الطيران العراقي اكتشف مخبأ للاسلحة غربي كربلاء يحتوي على 650 قذيفة مدفعية وصواريخ متنوعة، اضافة الى ضبط سيارة كانت تحمل خمسا وسبعين بندقية واحدى عشرة قنبلة يدوية وسط شحنة من المواد الغذائية في احدى نقاط التفتيش شمال المدينة". اضف الى ذلك فإن الاجهزة الاستخبارية التابعة لوزارة الداخلية ألقت القبض على ارهابيين اختلطوا مع الزوار كانوا يحملون اسلحة ومتفجرات ويرومون ادخالها الى كربلاء لاحداث فوضى وبلبلة هناك، وبالتالي افشال مراسم زيارة الاربعينية كما حصل في الزيارة الشعبانية العام الماضي. وتشير بعض التقارير الخاصة الى ان الاجهزة المسؤولة عثرت على مخططات لبعض الجماعات شبيهه بمخطط ما عرف بـ"الزركة" لجماعة جند السماء التي كانت تسعى الى قتل مراجع الدين والسيطرة على مدينة النجف الاشرف ومرقد امير المؤمنين عليه السلام، وشبيهة بمخطط الزيارة الشعبانية الماضية الذي تم احباطه، وبأحداث البصرة والناصرية قبل بضعة اسابيع الذي دبرته ما يسمى بجماعة احمد الحسن اليماني. ويرى مسؤولون سياسيون وامنيون ان العمليات الارهابية التي استهدفت الزائرين كانت تقف وراءها واحدة من ثلاث جهات، هي جماعات تنظيم القاعدة، التي ما زالت ناشطة، اذ ان استهداف وتصفية اتباع اهل البيت عليهم السلام تمثل احد ابرز اهدافها واولوياتها، والجهة الثانية، الجماعات الدينية المتطرفة التي تعمل على توظيف الجانب العقائدي الشيعي لتمرير مخططاتها، لا سيما الامام المهدي (عج) المنتظر وقضية ظهوره، والجهة الثالثة بعض تنظيمات مجالس الصحوة التي يتبنى بعض افرادها منهجا متشددا ومتطرفا ضد اتباع اهل البيت، الى جانب ان عناصر من تنظيم القاعدة وحزب البعث المنحل نجحت في اختراق مجالس الصحوة، وراحت تبحث عن الظروف المناسبة لتنفيذ جزء من اجنداتها التخريبية والتدميرية، وتلك العناصر غالبا ما تجد في المناسبات الدينية فرصة ترى انه يجب استغلالها الى اقصى الحدود.
وواضح ان العمليات الارهابية السابقة والاوضاع الامنية السيئة في الاعوام الماضية لم تثن الملايين من محبي وانصار الامام الحسين عن التوجه نحو مرقده الشريف في العاشر من محرم وفي العشرين من صفر، وفي الخامس عشر من شعبان، ومختلف المناسبات الدينية الاخرى، لذلك فإنه من غير المعقول ولا المنطقي تصور او افتراض ان ما وقع من عمليات ارهابية لا تقارن من حيث حجمها وتأثيرها بسابقاتها ان تدفع الملايين الزاحفة باتجاه كربلاء الى التراجع والانكفاء، بل على العكس من ذلك تماما، اذ ان مختلف المصادر تؤكد ان اعداد الزائرين هذا العام فاقت اعدادهم العام الماضي، فضلا عن ذلك فإن اكثر من ستين الف زائر من دول اسلامية مختلفة كالمملكة العربية السعودية والكويت والبحرين وعمان وايران والهند وباكستان ولبنان وسوريا قد شاركوا في زيارة الاربعين، وهذه نقطة تحول واشارة مهمة تمنح زيارة الاربعين بُعداً اخر وهوية اسلامية تتجاوز حدود العراق، وتتجاوز العنوان المذهبي والطائفي والقومي لتتخذ من الاسلام عنوانا عاما وشاملا لها.
الانتقاد/ العدد1256 ـ 29 شباط/ فبراير 2008