ارشيف من : 2005-2008
طهران بين تقرير الوكالة الذرية والتهديدات الأميركية: ليس لدينا خطوط حمر سوى حقنا
لا يشكل التقرير الاخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن البرنامج النووي الايراني تحولاً في السجال بين طهران من جهة وواشنطن ومن يقف وراءها من جهة اخرى، بقدر ما يعد جزءا من عملية تقطيع للوقت تتكئ عليها الادارة الاميركية بسبب عقم خياراتها لمعالجة هذا التهديد الوجودي على "اسرائيل"، وما يمثله بالنسبة الى المصالح الاميركية في الشرق الاوسط.
وإذا كان طبيعيا ان يعمد كل طرف الى تقديم تفسيره لنتائج التقرير، بحيث تعتبره الجمهورية الاسلامية انتصارا تاريخيا وإغلاقا لملفها النووي، وتعتبره الولايات المتحدة محفزا يبرر فرض عقوبات جديدة على ايران، فإن المعضلة الحقيقية تكمن في المرتكزات التالية:
أولاً: انعدام الثقة كلياً بين طرفي الصراع، اذ تتمسك طهران بالطابع السلمي والمدني لبرنامجها النووي، مقابل اصرار واشنطن على الطابع العسكري له ولو من دون دليل. وبالتالي لا مجال لجسر هذه الهوة بين القناعتين اللتين تشكلان مكونا اساسيا في مواقف البلدين من الازمة.
ثانياً: احالة الملف الى مجلس الامن الدولي بطريقة مخالفة للقوانين الدولية ومن دون اساس شرعي وفق ما تؤكده طهران، وبالتالي فتح الباب امام مزيد من محاولات الابتزاز والضغط على الجمهورية الاسلامية عبر سلسلة قرارات تفرض عليها عقوبات متعددة الجوانب تسهم في تأجيج النزاع وفتحه على مسارب تصعيدية بناءً على افتراضات وليس على حقائق.
ثالثاً: شل فعالية الوكالة الدولية بسبب عمليات التأثير الممنهج التي تمارس عليها، ومحاولة الدول الكبرى تجيير قراراتها باتجاه ما تريده هي، وليس باتجاه ما هو قائم فعلاً، بحيث يؤثر ذلك في مصداقيتها ويقلل من فرص تعاون طهران معها بعدما قدمت الاخيرة كل ما تستطيع وفقا للاتفاقيات المعمول بها.
رابعاً: اعتبار ايران تخصيب اليورانيوم وصنع ووضع المزيد من أجهزة الطرد المركزي في الخدمة جزءا رئيساً من حقوقها المشروعة للوصول ببرنامجها النووي الى مراحله التشغيلية في انتاج الطاقة والاستفادة منها في المجالات النووية، مقابل انكار دولي لهذا الحق المكفول قانوناً لمجرد وجود هواجس غير مقرونة بأدلة دامغة.
وإذا كان التقرير الاخير للوكالة اعترف بأن طهران قدمت معلومات جديدة بشأن برنامجها لكن بطريقة منقوصة وليست كاملة ومتماسكة، مع نقص في التعاون بسبب استمرار أنشطة تخصيب اليورانيوم وتطوير نماذج جديدة من أجهزة الطرد المركزي، بحيث تسمح هذه التقنيات في آن بإنتاج الوقود اللازم لتزويد محطات الكهرباء ومواد يمكن ان تساعد في صنع القنبلة الذرية، فإن الخلاصة التي انتهى اليها التقرير هي عدم قدرة الوكالة على تثبيت الطابع السلمي للبرنامج النووي الايراني، دون ان تصوغها بطريقة مختلفة موازية وهي عدم قدرتها على اثبات الاتجاهات العسكرية لهذا البرنامج.
ومع الاشارة الى ان نشر التقرير تأخر بضعة ايام لأن الغربيين وبعض الخبراء داخل الوكالة كانوا يخشون ان يكون لمصلحة ايران بشكل اكبر، فإن الكلام الذي أدلى به دبلوماسيون في فيينا مطلعون على مجريات الاوضاع، يعزز الشكوك الايرانية حول طريقة تصرف الوكالة، خصوصاً ما أعلنه دبلوماسي بريطاني من ان وثائق قُدمت الى مجلس حكام الوكالة تظهر ان ايران قد تكون سعت الى تطوير سلاح نووي بعد العام 2003. والعام 2003 ذو دلالة كبيرة، لأن تقريرا لأجهزة الاستخبارات الاميركية صدر في كانون الاول/ ديسمبر الفائت، أورد ان ايران أوقفت العام 2003 برنامجها النووي العسكري.
وذكر الدبلوماسي البريطاني ان هذه المعلومات تتحدث عن "أنشطة مفصلة حول تصنيع رأس نووي وكيفية اطلاقه بواسطة صاروخ".. لكن السفير الايراني لدى الوكالة علي أصغر سلطانية أعلن ان الاخيرة لم تمنح ايران مزيدا من الوقت لشرح النقاط المثيرة للجدل ولتقدم ايضاحات عن هذه الوثائق المزورة التي لا اساس لها. كاشفا انه جرى تقديمها من قبل الاستخبارات الاميركية قبل اسبوع من نشر التقرير في الثاني والعشرين من الجاري.
كما ان التقييم العام لمدير عام الوكالة محمد البرادعي هو ان منظمته حققت تقدما جيدا في تحقيقها الذي استمر خمس سنوات، حيث سمحت ايران بعدد من الزيارات أتاحت الحصول على صورة اوضح عن برنامجها، لكن ذلك برأيه غير كافٍ، طالبا من طهران تطبيق البروتوكول الاضافي لمعاهدة الحد من الانتشار النووي الذي يسمح بزيارات معمقة اكثر ومباغتة في غالب الاحيان، وهو ما توافق عليه الجمهورية الاسلامية شرط ان يسحب الملف من مجلس الامن الدولي، لعدم اختصاصه ولعدم جواز ان يقوم جهازان بالامر نفسه في آن معاً.
لكن هذا الكلام المهني لا يجد صداه في عواصم بعض الاطراف، حيث تصر واشنطن على اقرار دفعة جديدة من العقوبات قدمتها فرنسا وبريطانيا باسم المجموعة الاوروبية، وتتضمن مجموعة اضافية من العقوبات الاقتصادية والتجارية تشمل خصوصا منع سفر المسؤولين المعنيين بالبرنامج النووي الايراني وتفتيش السفن وطائرات الشحن المتوجهة من والى ايران، والتي يمكن ان تنقل بضائع محظورة.
كما يناشد الدول مراقبة المبادلات التي يمكن ان تقوم بها المؤسسات المالية القائمة على أراضيها مع اي "بنك" مقره في ايران، ولا سيما مصرفي "ملي" و"صادرات".
وبانتظار التصويت على مشروع القرار الذي كان مقرراً اليوم الجمعة 29/2 وتاجل الى الاسبوع المقبل لتذليل بعض الاعتراضات في ظل تحفظات من دول اعضاء في مجلس الامن مثل جنوب أفريقيا وأندونيسيا وليبيا وفيتنام، فإن فعالية اي قرار جديد يضاف الى القرارين 1737 و1747، لا تعدو مدار تهكم من قبل طهران من جهة، ومحل تحذير من جهة اخرى، عبّر عنهما الرئيس محمود أحمدي نجاد بقوله: "ليصدروا قرارات طوال مئة عام، فهذا لن يغير شيئا، خطنا الاحمر ليس القرارات، بل حقنا. وليبقوا الملف في مجلس الامن الى ان يملوا.. وإذا كانوا يشعرون بالغضب فليس عليهم سوى تناول كوب من الماء المنعش".
والى السخرية استخدم نجاد لغة متوعدة حيال الدول التي ستأخذ المبادرة لفرض عقوبات قائلا: "اذا استمروا في ذلك فقد وضعنا لهم خططاً، وأي دولة سواء كانت أوروبية او غير أوروبية، عليها ان تعلم اننا سنتخذ اجراءات رد حاسمة".. مؤكدا "ان ايران لا تمزح".
وإذا كانت الجمهورية الاسلامية تعتقد انه لا يمكن معاقبة بلد لديه هذا القدر من الثروات الطبيعية و15 جاراً، فإن تقييمات لخبراء مثل افرائيم كام نائب مدير معهد يافا للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب تشكك في ان تنجح عقوبات دولية في منع ايران من مواصلة برنامجها النووي، محذرا من انها اذا حصلت على القنبلة الذرية فإن ذلك سيبدل خارطة الشرق الاوسط الاستراتيجية. فضلاً عن ان التجربة أثبتت حتى الآن عقم خيار العقوبات، وهو ما تعززه مؤشرات اضافية مثل سعي رئيس وزراء العدو ايهودا اولمرت شخصيا لدى اليابان لإقناعها بوقف استيراد النفط من ايران دون جدوى، وكشف صحيفة "وول ستريت جورنال" احتمال فرض وزارة الخزانة الاميركية عقوبات على البنك المركزي الايراني للاشتباه بأنه يساعد مؤسسات ايرانية اخرى على التهرب من عقوبات اقتصادية أميركية مفروضة عليها، واشتراط فعالية اجراء كهذا على مدى دعم حلفاء الولايات المتحدة له.. كل ذلك يؤكد ان اعداء الجمهورية الاسلامية يتخبطون في محاولتهم للنيل منها بسبب متانة وضعها المحلي والخارجي، وامتلاكها عناصر قوة ليس من السهل تجاوزها.
عبد الحسين شبيب
الانتقاد/ العدد1256 ـ 29 شباط/ فبراير 2008