ارشيف من :ترجمات ودراسات
ردود الفعل الإسرائيلية على اتفاق تبادل اليورانيوم: خيبة أمل وإرباك... وصفعة للأميركيين وانتصار للدبلوماسية الإيرانية
حسان ابراهيم
كان واضحا الإرباك الاسرائيلي عقب الاعلان عن توقيع اتفاق تبادل اليورانيوم الإيراني عبر الاراضي التركية، والذي وقعته ايران وتركيا والبرازيل قبل أيام بما خص برنامج إيران النووي.. فسارع منتدى السباعية الوزارية في الحكومة الاسرائيلية ـ أعلى سلطة قرار إسرائيلية ـ الى عقد جلسة خاصة للمداولة واتخاذ الموقف، الا أن القرار صدر وقضى بالصمت، والطلب بان يمتنع الوزراء الاسرائيليون عن اطلاق التصريحات والمواقف.
برغم هذا المنع، كما اعلن عنه مكتب رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، الا ان عددا من الوزراء سارع الى الادلاء بما لديه، كما أن وسائل الاعلام الإسرائيلية غصت بالتعليقات والتحليلات، ومعظمها جاء مشككاً بالاتفاق وجدواه في منع إيران من مواصلة مساعيها النووية، ومعتبرا اياه محاولة ايرانية جديدة لكسب مزيد من الوقت في محاولة لتجنب العقوبات.
وبحسب مصادر سياسية اسرائيلية، كما نقلت الاذاعة العبرية، "لا يعدو الاتفاق كونه مناورة ايرانية تهدف الى خداع الاسرة الدولية، ومحاولة من جانب طهران لتأخير فرض عقوبات دولية جديدة عليها"..
هذا هو الموقف الرسمي الاسرائيلي الذي قيل انه لن يعلن رسميا. لكن كيف قرأت "اسرائيل" هذا التطور المفاجئ، وما يحمله من معان وابعاد؟
يمكن في هذا الاطار رصد ثلاثة اتجاهات إسرائيلية حيال الاتفاق، عرضتها التصريحات والتحليلات الاسرائيلية: محاولة تحليلية مجبولة بجهد تحريضي؛ وإعراب عن يأس متجدد؛ وإقرار بمهارة طهران التي من شأنها ان تصد المقاربة الاميركية والغربية ضدها.
ركزت المقاربة الاسرائيلية على وجود مناورة ايرانية، ناجحة، استطاعت استغلال تركيا والبرازيل تحديدا، لاهمية الدولتين وموقعهما الحالي في مجلس الامن، فالاتفاق معهما يتيح لايران ان تصد او تعرقل، امكان فرض عقوبات عليها، كان من المقرر نظريا ان تصدر عن المجلس في شهر حزيران/ يونيو المقبل. واعتبرت المقاربة الاسرائيلية ان النجاح الايراني لهذه الجهة كان كبيرا، بل وتوقعت بناء على "معلومات وصلت الى إسرائيل"، بحسب ما نقلت القناة الاولى في تلفزيون العدو، ان يضطر الغرب الى قبول الاتفاق ومحاولة تحسين شروطه، خاصة ان اصل العقوبات التي كان يحكى عنها لم تكن عقوبات فاعلة وغير قادرة بذاتها على صد ايران ومنعها من مواصلة مساعيها النووية.
وفي هذه الناحية، لم تفلح المقاربة الاسرائيلية في تفسير الآتي: كيف ان ايران تسعى الى صد العقوبات عليها، الامر الذي دفعها الى القبول بالاتفاق، وفي نفس الوقت عدم توقّع "اسرائيل" ان تكون العقوبات فاعلة ومؤثرة!.
ومنذ الاعلان عن الاتفاق، وبرغم طلب رئيس الحكومة الاسرائيلية عدم التعليق واطلاق المواقف من قبل الوزراء الاسرائيليين، كان لعدد من الوزراء تصريحات اظهرت مدى الضيق الاسرائيلي، وتأكيدهم على انه يهدف فقط الى كسب مزيد من الوقت، وبحسب وزير المالية الاسرائيلي والرئيس السابق للجنة الخارجية والامن في الكنيست، " يوفال شتاينتس"، في مقابلة مع التلفزيون الاسرائيلي، "من الافضل الانتظار ومعرفة ما يمكن ان يحصل، لكن في نفس الوقت يجب التشديد على ان ايران تعاود اللعب والتسويف وكسب الوقت، وهي تسير بشكل مباشر نحو القنبلة النووية". اما وزير شؤون الاستخبارات "دان مريدور" فقال انها "محاولة ايرانية للالتفاف على امكان فرض عقوبات عليها، وعلى المجتمع الدولي ان يعي ذلك تماما"، وبرغم تصريحه هذا، طالب بعدم اطلاق التصريحات وترك المعالجة للاميركيين، معربا عن "الامل بان يزداد الضغط الدولي وان تفرض العقوبات وان تكون ضاغطة وفاعلة ومتواصلة".. في حين شن وزير الصناعة والتجارة بنيامين بن اليعزر حملة على تركيا، وقال "من المؤكد أن تركيا قوة اقليمية عظمى، ويعيش فيها 72 مليون نسمة، فهل سيكونون سعداء بأن تصبح جارتهم نووية.. بالطبع لا"، وشدد بدوره على أن "إيران تواصل اللعب بالعالم بأسره".
ونقلت الاذاعة الاسرائيلية عن مصدر سياسي في تل ابيب قوله ان "الاتفاق الذي وقعته ايران وتركيا والبرازيل لا يعدو كونه مناورة ايرانية تهدف الى خداع الاسرة الدولية ومحاولة من جانب طهران لتأخير فرض عقوبات دولية جديدة عليها"، مشيرة إلى انه "سيتم فعلا تأخير فرض العقوبات على ايران لأن الولايات المتحدة ستضطر الى الاطلاع على موقفي تركيا والبرازيل من الملف النووي الايراني"، لكن المصادر شددت في المقابل، وفي محاولة لتعزية النفس على ان "واشنطن تعي هي الاخرى ان الاتفاق الايراني ـ التركي البرازيلي، ليس الا عملية مخادعة وان العقوبات ستفرض على ايران لا محالة".
عدد من الخبراء والمحللين الاسرائيليين نعى المقاربة الاميركية التي اثبتت فشلها في وجه إيران، وقال مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية السابق، الون ليئيل، في مقابلة اجرتها معه الفضائية الإسرائيلية، ان "الاتفاق ضربة للدبلوماسية الأميركية"، لكنه رصد في المقابل أهمية كبيرة جدا للاتفاق، بما يتعلق بمحاولات صد إيران، مشيرا إلى أنه "اخرج كل من تركيا والبرازيل وروسيا والصين من ساحة العقوبات، التي أصبحت أكثر صعوبة لجهة اقرارها من ذي قبل".
مراسل القناة الثانية الاسرائيلية قال ان التقدير السائد في الغرب، "وهذا خبر غير سار"، يشير إلى ان الجميع بما يشمل ادارة الرئيس باراك اوباما، يتجهون نحو التمسك بالاتفاق، وبالتالي فان العقوبات لن تفرض على ايران في حزيران/ يونيو المقبل كما كان قد خطط الاميركيون.. وبحسب المعلومات الواردة إلى "إسرائيل" سيتمسك الغرب بالاتفاق على ان يكون اساسا لاتفاقات مقبلة، "فكلما تجمع لدى ايران 1200 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.5 بالمئة، يتم اخراجها من ايران على ان تخصب بنسبة 20 بالمئة في الغرب.. ومعنى ذلك بحسب المراسل الاسرائيلي، مزيد من كسب الوقت لايران، مشددا على وجوب ان تقف "إسرائيل" جانبا، وتدع الولايات المتحدة تدير العملية ضد ايران.
الخبير في الشؤون الايرانية من جامعة بار ايلان، "يوحنان تسوريف"، أشار في حديث للاذاعة الاسرائيلية إلى ان "الموضوع واضح، فهم (الايرانيون) لا يخفون استمرارهم بالمشروع النووي، ويراوغون اليوم مع البرازيل كما فعلوا مع تركيا في السابق، حيث لم يصلوا إلى أي نتيجة، لكن الامور متعلقة بالطرف الاميركي، فهل أميركا مصممة على فرض العقوبات، إذا كانت كذلك فان العقوبات ستقر في نهاية المطاف، لكن إذا استمرت واشنطن بسياسة الوجهين، أي تتكلم من جهة وتفسح المجال امام الايرانيين من جهة ثانية للمراوغة، فان الامور ستبقى في النهاية على حالها".
وبحسب تسوريف، فان الامل القائم حاليا لصد ايران هو من الداخل الايراني نفسه، لكنه استدرك قائلا "للاسف الشديد فان السلطة الايرانية الحالية تغلبت على المعارضة الشعبية، التي ضعفت إلى درجة انها اصبحت عاجزة عن فعل أي شيء، فالحرس الثوري استخدم كل قوته لقمع هذه الاحتجاجات، والاعتقاد السائد هو اننا لن نشهد تجددا للتظاهرات على غرار العام الماضي".
الخبير بالشؤون الاستخبارية والأمن، ومعلق صحيفة هآرتس للشؤون الأمنية، يوسي ميلمان، اشار في مقالة نشرتها الصحيفة إلى ان "الاتفاق نصر مهم للدبلوماسية الايرانية، وهزيمة للسياسة الاسرائيلية، إذ يقلص هذا الاتفاق من احتمالات هي في الاصل منخفضة لفرض عقوبات على ايران، كما انه يبعد امكان شن هجوم عسكري عليها".
واضاف الكاتب أن "الاتفاق يتيح لإيران أن تواصل برنامجها النووي كما كانت تخطط بالضبط، وسيصعب على الإدارة الأميركية بموجب الاتفاق أن تقنع روسيا والصين بالانضمام الى اقتراح قرار فرض عقوبات على ايران، خاصة انه لا توجد اكثرية في مجلس الامن، في هذه المرحلة لدعم هذا الاقتراح".
وفي لهجة تساؤلية، اشار ميلمان إلى إمكان أن تكون الولايات المتحدة في صورة الاتفاق مسبقا، بل وقال ان "هناك من يعتقد بأن واشنطن كانت شريكة في بلورة الاتفاق"، وشدد في هذا المنحى على أن "واشنطن لن تكون آسفة حياله، فرئيس الولايات المتحدة باراك اوباما قادر إن اراد ذلك، بأن يستخدم الاتفاق كأداة ضغط على إيران كي تبدأ المفاوضات معها حيال سياقات إستراتيجية اوسع في العراق وافغانستان والخليج".
صحيفة "يديعوت احرونوت" شددت من جهتها على أن اهم ما في الاتفاق أن "لا صلة بين ما جرى الاتفاق عليه وبين استمرار تطوير القدرة النووية العسكرية لإيران، والمسألة تتعلق بطرف ثالث يقوم بتخصيب اليورانيوم لمصلحة إيران، دون ارتباط ذلك بالنشاط العسكري النووي الإيراني"، مشيرة الى أن كل ما يمكن احرازه في هذا المجال هو "تأخير تخصيب اليورانيوم للاغراض العسكرية لان جزءا من اليورانيوم سيكون تحت الرقابة.. وهذه قصة كلاسيكية من الخداع الإيراني.. وفقا لحسابات اسرائيل، فان الاتفاق سيؤجل السباق الايراني نحو السلاح النووي بثلاثة اشهر، ليس أكثر".
وتقول الصحيفة ان "النتيجة السياسية – الدبلوماسية هي: دفع الايرانيون الرئيس البرازيلي الى خطوة سياسية في مجال مركزي يحتل مركزا أساسيا في صلب السياسة الخارجية الأميركية، ومن دون ان ينسق او يطلع الولايات المتحدة عليها، وحاليا سيجد الأميركيون صعوبة في السير نحو العقوبات، في الوقت الذي جلب الرئيس البرازيلي اتفاقا للعالم"، وقالت "اذا كانت ادارة اوباما نجحت حتى الان في تجنيد ائتلاف لعقوبات خفيفة على ايران، سيتعين عليها الان ان تتصبب عرقا شديدا لصعوبة فرض عقوبات شديدة.. لقد تلقى الأميركيون صفعة.