ارشيف من : 2005-2008
بقلم الرصاص: مبارزة الحبر والدم
كتب نصري الصايغ
"الشرعية الدولية"، "المجتمع الدولي"، "القوانين الدولية"، "المواثيق الدولية"، "المعاهدات الدولية"، "محكمة العدل الدولية"، إلى آخر منظومة الأقوال الدالة على "الدولية"، وصولاً إلى الضمير العالمي وشرعة حقوق الإنسان الدولية.
ظنت الشعوب الأوروبية، بعد جحيم الحربين العالميتين، أنها وصلت الى سلامها عبر منظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها الدولية، وبالفعل أمّنت هذه "الشرعيات الدولية" شبكة علاقات بينية، تسير عبرها العلاقات وتُحل عبرها الخلافات، وتنتظم فيها دول في أحلاف ومعاهدات يصار إلى احترامها بنسبة عالية.
وعملت الشعوب الأوروبية، على صيانة أمنها، من خلال التدرج في وحدة بين دول تقاتلت بشراسة، وخلفت دماراً غير مسبوق على مستوى الكرة الأرضية، وبالفعل، أنشأت مؤسسات أوروبية متعددة، انتظمت عبر شبكتها، العلاقات الثنائية والمتعددة، وبلغت درجة من السلم بحيث أن معظم أوروبا الغربية وبعض أوروبا الشرقية ينعم بسلام تحت المظلة الدولية والسقف الأوروبي الواحد، باستثناءات تداعيات سقوط الاتحاد السوفياتي في يوغوسلافيا وحروبها التفتيتية.
ولكن اعتبار الميزان الدولي منتصباً ومنصفاً، في ما خص هذه الدول فقط لا غير.
وعلى هذا الأساس تنهض مجموعة من اللبنانيين، المتفرجين على النصاب الدولي المفقود عندنا، لتطالبنا باحترام الشرعية الدولية، والقوانين الدولية والمنظمات الدولية، إلى آخر المعزوفة.
فلنسأل: هل الشرعية الدولية منصفة؟ في غزة مثلاً، وقبلها فلسطين الـ48 وبعدها في فلسطين التاريخية.
الجواب: الشرعية الدولية يخونها الذين يتمتعون بثمارها في غير مكان.
فلنسأل: هل القوانين الدولية والقرارات الدولية منصفة؟ في العراق مثلاً.
الجواب: لسنا بحاجة إلى دليل، ان جريمة العصر العظمى، ترتكب في فلسطين وفي العراق، ان الذبح اليومي متوّج بغياب الضمير العالمي، والأخلاق البشرية البدائية. بلدان يُسفحان من الوريد إلى الوريد.
انهم يموتون فقط، حياتهم معلقة، أحزانهم غذاؤهم دموعهم واجبهم اليومي، المقابر مكان اقامتهم، الشهداء مطر غزير، ماذا بعد؟
والعالم يتفرج، مجلس الأمن لا ينعقد، المنظمات الدولية والانسانية غسلت أيديها، إنا نشبه شعوباً، تعتدي عليها الشرعية الدولية، وتعاقبها، لأنها فقط ليست أوروبية، ليست من الجنس البشري.
كنا نتمنى أن نكون ضمن العائلة الدولية، نعامل معاملة بشرية، لهم الدسم الدولي، ولنا الفتات المسموم، لهم المكافآت والتطويب، ولنا التدنيس والتقتيل.
ثم يحدثونك عن المجتمع الدولي!!! كأننا لسنا منه، أو كأننا نجيئه من خارجه وعلينا أن نمتثل لأوامره.
ثم يحدثونك عن الشرعية الدولية وقراراتها وضرورة الامتثال لما فيها من افتئات وعدوانية، ولعدم عصيانها وطاعتها حرفياً.
ان الضمير العربي، مصاب بالغيبوبة الذاتية، لقد أطلق النار على قدميه ومنع نفسه من السير على السراط المستقيم، وعليه فإن بعضاً من اللبنانيين يتبارى في استكمال عدوان الشرعية الدولية على لبنان، ويعفي اسرائيل من العقوبات التي تستحقها، منذ نشوئها.
لنا في الشرعية الدولية، دماؤنا المسفوكة.
ولاسرائيل من هذه الشرعية، حبر على ورق.
ان الضمير العالمي لن يستيقظ إلا إذا كنا الأقوى.
أما اذا كنا الأضعف فإنه لن يهتم أبداً، بإرسال الأكفان إلى أهالينا في غزة. سيدعهم يموتون عراة في هذه القارة الدولية، وفي هذه القارات العربية القاحلة من الضمير.
لن نكون الدم بعد اليوم.
الانتقاد/ العدد1256 ـ 29 شباط/ فبراير 2008