ارشيف من : 2005-2008
حدث في مقالة: خيبات جديدة لرهانات فاشلة: أية حسابات تمنع فريق السلطة من إبرام عقد الشراكة؟
كتب مصطفى الحاج علي
تتموضع الأزمة اللبنانية ضمن شبكة متداخلة من الصراعات والاشتباكات الاقليمية والدولية، ما يجعل من المستحيل إجراء مقاربة محض محلية لها، من دون أن يعني ذلك التقليل من أهمية السياق والاعتبارات الداخلية لهذه الأزمة.
ولفهم أعمق لما يجري اليوم، ولايجاد تفسير موضوعي للاخفاقات المتتالية التي تصيب المساعي المتنوعة من دولية وعربية لايجاد حل للأزمة اللبنانية، ولإدراك واضح للدور والوظيفة التي يراد أن تلعبها هذه الأزمة في إطار النزاعات الأعمق والأشمل في المنطقة، لا بد من استذكار النقاط المفصلية التالية:
أولاً: إن واشنطن وحلفاءها في المنطقة من صهاينة وعرب وقوى سياسية ناشطة، حسمت عدوها المركزي متمثلاً بهلال المقاومة والممانعة الممتد من افغانستان، والذي يمر بإيران، والعراق وسوريا، وصولاً إلى لبنان وفلسطين. وهي ـ أي واشنطن ـ أعطت وصفاً واحداً لهذا الخط هو الإرهاب من دون أي تمييز.
لكن ـ وهذا الأهم ـ ترى واشنطن ومعها كل حلفائها أن القاعدة المركزية لهذا القوس المقاوم تتمثل بالجمهورية الاسلامية الإيرانية أولاً، وبسوريا ثانياً، وبحزب الله وحركة حماس ثالثاً، وكل من موقعه الخاص.
ثانياً: ترى واشنطن وحلفاؤها أن المدى الاستراتيجي لقوس المقاومة يرتكز بشكل رئيسي على التحالف الاستراتيجي القائم بين ايران وسوريا، حيث يشكل هذا التحالف بدوره العمق الاستراتيجي لمجمل حركات المقاومة في المنطقة.
ولذا تحولت مساعي واشنطن المباشرة وغير المباشرة لفك عرى هذا التحالف إلى هدف استراتيجي ثابت تعمل له بوسائل مختلفة أبرزها الضغوط المتنوعة.
ثالثاً: لقد وضعت إدارة بوش في آخر سنيّ ولايتها الملف الفلسطيني على طاولة اهتماماتها كبند رئيسي، وذلك بعد قناعة طويلة بضرورة إهماله لمصلحة حسابات أخرى، وهذا الاهتمام انعكس بزيارات متتالية لوزيرة الخارجية الاميركية، وبجولة خاصة لبوش، وبعقد لقاء دولي في أنابوليس لإحياء المفاوضات على المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
وقد عكس بوش بوضوح الرؤية الاميركية للحل، والتي ترتكز على قيام دولة يهودية صافية أي عنصرية، والتي تعني فيما تعني تبشيراً بترانسفير جديد من أراضي 1948، ومنعاً لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم، أي توطينهم حيث هم، أو تشتيتهم حيث أمكن.
وهذا بدوره يتطلب من العرب تراجعاً عن مبادرة الملك عبد الله التي أقرّت في قمة بيروت الشهيرة، ومن ثم جرى التأكيد عليها في قمة الرياض الأخيرة بفضل الرئيس السوري بشار الأسد، والرئيس اللبناني السابق إميل لحود، حيث جرت محاولات قامت بها دول عربية أساسية لإدخال تعديل على مبادرة بيروت.
رابعاً: إن الرياض وواشنطن يعتبران أن كلاً من دمشق وطهران يشكلان خط الصدام من العراق إلى فلسطين عبر حلفائهما الداخليين، الأمر الذي يحول حتى الآن دون تحقيق أهدافهما الاستراتيجية.
خلاصة القول، ما تريده واشنطن والرياض من دمشق تحديداً هو:
ـ فك تحالفها مع ايران في مقابل توفير ما تسميه مظلة الحماية العربية ـ السنية للنظام في سوريا، وعدم كشفه بالتالي من هذه الجهة.
ـ تسهيل عملية الإجهاز على القضية الفلسطينية من خلال عدم ممانعة إصدار أي قرارات تساهم في عملية الإجهاز هذه، ومن خلال وقف الدعم لحركات المقاومة الفلسطينية.
ـ المساعدة في محاصرة المقاومة في لبنان من خلال تسهيل حل سياسي يكون لمصلحة فريق السلطة.
وثمة جهد اعلامي وسياسي اميركي وصهيوني وعربي يبذل لإحداث فك في علاقة ايران بالقضية الفلسطينية من خلال نزع البعد الايديولوجي والديني الذي يربط ايران بهذه القضية، والتركيز على البعد المصلحي تارة، والمذهبي تارة أخرى، وجعل الاهتمام الايراني بالقضية الفلسطينية يبدو كحصان طروادة لمد النفوذ الايراني مرة والشيعي مرة أخرى في المنطقة.
من الواضح، أن مجمل هذه الجهود تستهدف إراحة الكيان الصهيوني، وفتح الطريق واسعاً أمام عملية تطبيع وجوده في المنطقة.
اذا أخذنا بعين الاعتبار كل ما تقدم، نستطيع أن نفهم مصدر التشدد الاميركي والسعودي في الأزمة اللبنانية، والذي يمارسه فريقهما في لبنان بامتياز، فهذا التشدد يقع ـ اضافة إلى ما تقدم ـ في الطريق إلى عقد القمة العربية في دمشق أواخر شهر آذار المقبل، والذي بموجبها ستصبح دمشق هي رئيسة القمة لمدة عام من الزمن. كما انه يأتي من ضمن حملة مبرمجة من الضغوط والرسائل المكثفة باتجاه طهران ودمشق والمعارضة في لبنان والمقاومة الفلسطينية في غزة، تمثلت عناوينها البارزة بالتالي:
أولاً: اعلان الرياض والكويت والبحرين دفع التمويل الواجب للمحكمة ذات الطابع الدولي، بعد اشارات التسييس البالغة الدلالة التي بعث بها الرئيس الفرنسي ساركوزي أثناء زيارته الأخيرة إلى مصر، والمواقف المتعددة لأركان فريق السلطة في لبنان من جعجع إلى جنبلاط.
ثانياً: رسائل التحذير إلى الرعايا العرب التي بعثت بها الرياض والكويت والبحرين، اضافة إلى اقفال باريس لمركزيها الثقافيين في طرابلس وصيدا، وهي رسائل واضحة المضمون والغرض.
ثالثاً: رسائل ذات مضمون اقتصادي ومالي تمثلت بالكشف عن سحب مستثمرين سعوديين أموالاً بمقدار 4،5 مليار دولار.
رابعاً: التلويح بالفتنة في وجه المقاومة والمعارضة.
خامساً: التهديد بإفشال القمة عبر عدم المشاركة فيها، أو من خلال التلويح بإمكان نقلها إلى مكان آخر.
سادساً: بذل الرياض جهداً استثنائياً لتدويل الأزمة اللبنانية، ولاستدراج المزيد من الضغوط الدولية على دمشق.
سابعاً: السعي لإيجاد تكتلات عربية تحاصر سوريا، وتضغط عليها.
ثامناً: العمل على تكثيف الحصار مجدداً على قطاع غزة من قبل النظام المصري، وكاستجابة واضحة للمطالب الاسرائيلية والاميركية.
تاسعاً: التلويح بخيار الحرب مجدداً سواء باتجاه لبنان وسوريا، أو لكليهما، مع ايران، عبر هجمات محددة.
عاشراً: محاولة واشنطن الاستفادة مجدداً من التقرير الأخير للبرادعي حول الملف النووي الايراني من أجل الدفع لاستصدار قرار جديد عن مجلس الأمن ينص على اتخاذ عقوبات اضافية بحق طهران.
مجمل هذه الأمور، هو الذي تفسر لماذا التقط فريق السلطة مجدداً انفاسه، وعادت اليه ثقته بنفسه، رهاناً منه ومن حلفائه بأن هذه الضغوط ستحمل طهران ودمشق والمعارضة على تقديم التنازلات المطلوبة، وإذا لم يكن ممكناً ذلك، فعلى الأقل، يتم الاستفادة من التصعيد في لبنان لأحد أمرين:
إما للتغطية على رفض المشاركة في قمة دمشق، وتبرير عقدها في مكان آخر بذريعة ضمان نجاحها، لأن الأميركي لا يريد قمة عربية تعيد تأكيد ثوابت الحد الأدنى من الموقف العربي كما تبلورت في قمة بيروت، وجرى تثبيتها في قمة الرياض بعد طول تجاذب، وبالتالي، فهو لا يمانع من عقدها اذا وجد إمكاناً لإمرار المواقف التي يريد.
وإما لفتح الطريق أمام مقايضة ما: لبنان في مقابل التنازل في القضية الفلسطينية، والقيام بانعطافة بعيداً عن ايران.
من الواضح، أن المعادلة هنا غير متكافئة، وينقصها الكثير لتتوازن، وهذا ما لا يبدو متاحاً حتى الآن، فهل يتم اللجوء إلى القوة لكسر التوازن الحالي، وفتح الطريق أمام المقايضات الخاسرة، هنا احتمالات الحرب تبقى قائمة، وإن كان دونها اليقين من النصر، فهل يجرّب المجرّب، لينقلب السحر على الساحر مجدداً.
الانتقاد/ العدد1256 ـ 29 شباط/ فبراير 2008