ارشيف من : 2005-2008

النظام الرسمي العربي والأزمة اللبنانية: عجز عن تسويق أي حل وطرف منحاز دائماً

النظام الرسمي العربي والأزمة اللبنانية: عجز عن تسويق أي حل وطرف منحاز دائماً

ليست المرة الأولى التي يعود فيها رسول النظام الرسمي العربي عمرو موسى إلى قصر الجامعة العربية في القاهرة وهو يكظم شعوراً من الغيظ، تأتى من عجزه عن تسويق تسوية للأزمة الداخلية اللبنانية المفتوحة منذ عام ونيف. فعدد محاولاته في هذا المضمار فاقت الأربع مرات منذ أن أخذت الأزمة طريقها إلى الشارع وانفجرت اعتصاماً للمعارضة وانقساماً سياسياً ومحاصرة للحكومة المشكوك في شرعيتها.
ولعل الذي زاد في حنق موسى وقوله كلاماً من قبيل أنه لن يعود ثانية، لأن الأطراف اللبنانيين لا يريدون الحل! هو أن الرجل كان يحمل في جعبته في المرة الأخيرة مشروع تسوية بآلية محددة مدعوماً بتوافق عربي قلّ نظيره.
الدور العربي في مقاربة الأزمة اللبنانية هو أولاً وأخيراً موضوع التباس وتأويل من قبل المعنيين.
فثمة من يرى ان الغموض الذي ساد المبادرة العربية الأخيرة التي عدها بعض العرب الفرصة الأخيرة، خصوصاً ما يتصل منها بالبند الثاني المتعلق بنقطة الخلاف الأساسية، وهي الحكومة المقبلة شكلاً ومضموناً وحصصاً، كان مقصوداً بحد ذاته، لأنه في طيات رغبات الأنظمة العربية رغبة بإبقاء ملف الأزمة اللبنانية مفتوحاً بلا حل وشيك، سعياً لتصفية حسابات عربية ـ عربية بعضها مستجد وبعضها الآخر تضرب جذوره إلى ما بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز عام 2006.
وبالتالي فإن الأمر ازداد، والرغبة إياها ظهرت على نحو أوضح، وترسخت مع اقتراب موعد انعقاد القمة العربية في دمشق، وقد تجسد ذلك في الربط بين الطلب سراً وعلانية من سوريا الضغط على حلفائها في لبنان للتخلي عن مطالبهم والتنازل عن اعتراضهم المشروع على أداء المجموعة الحاكمة، وبين إنجاح هذه  القمة، إلى درجة أن السعودية وبعض الدول الدائرة في فلكها لوحت صراحة بمقاطعة شاملة لهذه القمة التي صارت دورية، سعياً إلى إفشالها.
وبالطبع فقد ردت دمشق على هذا "الابتزاز" برفض الربط بين الأمرين، معلنة أنها ماضية إلى التحضير لعقد هذه القمة بمن حضر. ومعلنة أنها ليست في وارد الضغط على جزء من اللبنانيين لكي يسقطوا راية مطالبهم، فضلاً عن أن ثمة أفرقاء في المعارضة نفسها لا يأتمرون بأوامرها.. اضافة إلى أن مثل هذا الطرح "الابتزاز"، هو في جوهره تجاهل متعمد لمشكلة لبنانية ـ لبنانية لا تُحل الا بتسوية تأخذ بعين الاعتبار مطالب المعارضة بالمشاركة في الحكم على نحو يحاكي قوتها في الشارع وحضورها في المجلس النيابي.
وفي مقابل هذا الطرح ثمة من يقول إن موسى جاء في المرة الأخيرة إلى بيروت حاملا معه "تنويعة" من الأفكار والرؤى الجديدة، ليزبل التباين الواسع حول البند الثاني من المبادرة المتعلق بتأليف الحكومة، ومن هذه الأفكار فكرة حكومة الـ(13) وزيراً للموالاة و(10) وزراء للموالاة و(7) وزراء لرئيس الجمهورية العتيد، شرط أن لا يزكي الفريق الأول وزيراً ويعينه في حق الرئيس، وكذلك المعارضة، وهو طرح اتضح لاحقاً أن ممثلَي الموالاة في الاجتماع الرباعي قد رفضاه بشكل قاطع انطلاقاً من فكرة أنه يعطي "الثلث الضامن" للمعارضة.
وعليه فإنه في أوساط رئيس مجلس النواب نبيه بري من يقول ان هذه الفكرة الجديدة انما هي جزء من معلومات وردت فحواها أن المصريين حاولوا جادين هذه المرة ممارسة ضغوط ولعب دور الوسيط، وهم يقفون وراء هذا التطوير المستجد لآلية المبادرة العربية، ولا سيما البند الثاني منها.
ويعطي هؤلاء تأكيداً لما يذهبون اليه مفاده أن موسى كان اتصل بالرئيس بري في ضوء نتائج مهمة مساعده هشام يوسف في بيروت ولقائه كل الأطراف، انه (موسى) ليس في وارد العودة، لأن ما من مستجد يحمله، ولأن نتائج جولة مساعده لا توحي بأن ثمة رغبة عند الطرفين بالحل.. وبعد ساعات قليلة عاد موسى ليتصل ببري مبلغاً اليه رغبته بالعودة لأنه يحمل جديداً، خصوصاً بعد زيارة الرئيس المصري حسني مبارك للرياض ولقائه الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز.
وبصرف النظر عن دقة هذه المعلومات التي توحي ضمناً برغبة مصرية في تهدئة "التوتر" السعودي مع سوريا والمقرون برغبة الضغط عليها من الساحة اللبنانية، فإن في أوساط بيروت السياسية من يدرج اعلان الدول العربية الخليجية الثلاث (أي السعودية والكويت والبحرين) تحذير رعاياها من التوجه إلى لبنان في خانة الضغط على المعارضة من جهة وعلى سوريا من جهة أخرى، خصوصاً مع وجود معطيات جديدة أو مؤشرات توحي بأن هناك تطورات أمنية أو سياسية دراماتيكية تدفع بالقيادة السياسية لهذه الدول تنصح رعاياها بعدم زيارة لبنان. وهو النصح المقرون بكلام ملتبس عن سحب استثمارات عربية، وتحديدا سعودية، من لبنان.
وفي مقابل كل الكلام المتواتر عن أن إخفاق المبادرة العربية عن أخذ طريقها نحو التنفيذ ناجم أساساً عن صراعات عربية ـ عربية وتصفية حسابات طويلة عريضة تتخذ من الجرح اللبناني النازف مكاناً أساسياً لها، فهناك من يذهب بالأمر كله إلى أبعد من ذلك عندما يتحدث عن أن العلة التي تحول دون نجاح المبادرة ليست فقط عربية، بل هي بالأصل أميركية.
إذاً ثمة فيتو أميركي واضح على أي مبادرة ترمي إلى حل للأزمة اللبنانية يعطي المعارضة دورها في القرار ويبيح لها حقها بالمشاركة الفاعلة في الحكم.
وهذا الفتيو هو نفسه الذي بدد الآمال التي عقدت على مسرى المبادرة الفرنسية التي سرت معلومات أكيدة عن أن نسختها الأخيرة كانت موضع رضا المعارضة وقبول الموالاة ومباركة سوريا وقسم كبير من العواصم العربية. ان أمر الإعلان عن الاتفاق عليها كان وشيكاً جداً قبل أن يبرز إلى الضوء كلام وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس المعرقل لهذه المبادرة.
وقد تكرر أمر الفيتو الأميركي نفسه مع المبادرة العربية في كلام المسؤول في الخارجية الأميركية ديفيد ساترفيلد الذي حمل في طياته وثناياه نعياً مكشوفاً للمبادرة التي كانت في طور التعديل الذي من شأنه ان يمهد السبل أمام إنضاج تسوية من شأنها أن ترضي المعارضة ولا تلقى رفضاً من الموالاة.
وإذا كان العجز العربي عن تخطي التوجهات والرغبات الأميركية في الأوضاع والملفات في المنطقة قد بات بيناً ومعروفاً، وقد تجلى بالعجز عن إغلاق أي ملف من الملفات العربية النازفة والحامية، فإن السؤال المطروح بإلحاح الآن هو: هل انتهت المبادرة العربية على غرار سالفتها المبادرة الفرنسية؟ واستطراداً هل أتى حين من الدهر لينفض فيها العرب أيديهم من الملف اللبناني إنفاذاً لتهديدات أطلقها عمرو موسى وعدد من الزعماء والمسؤولين العرب؟
الواضح حتى الآن أن العرب يبذلون جهوداً كبرى للحيلولة دون إعلان نعي المبادرة، ولإبقائها محتفظة برمق ولو ضئيلا من الحياة، لكي لا يفسحوا المجال أمام فراغ سياسي في الساحة اللبنانية من الممكن أن يمهد أمام حصول اشكالات أمنية أو توترات في الشارع على نحو يفضي إلى انفجار لا يمكن ضبطه.
ولم يعد خافياً في هذا المجال أن بعض العواصم العربية المعنية سرّبت عمداً معلومات فحواها أن البديل عن المبادرة العربية هو تدويل الأزمة اللبنانية، وتحديدا الملف الرئاسي اللبناني.
وفي كل الأحوال لا يبدو أن العرب في وارد الانسحاب من الملف اللبناني وإن لوحوا بذلك. وهم وإن كانوا عجزوا عن تسويق المبادرة العربية، وإن كانوا عجزوا بالأصل في "اغراء" المعارضة بالكثير من العروض والخطوات لثنيها عن مطالبها، ومن هذه الخطوات التبني المفاجئ لترشيح قائد الجيش العماد ميشال سليمان، فإنهم يؤمنون بشكل يومي للتركيبة السياسية الغاصبة للقرار اللبناني الغطاء والدعم، مع الادراك العميق بأن هذا الأمر لن يفضي بطبيعة الحال إلا إلى اطالة  أمد الأزمة اللبنانية، فهم باتوا على يقين أن هذه المجموعة الحاكمة عاجزة عن إنقاذ نفسها وعن الإمساك وحدها بزمام الأمور.
وبالطبع فإن العرب "حلفاء" فريق السلطة ورعاته يعون قبل سواهم أن هذا الفريق بات يقتات من لعبة "الهوبرة" والدجل السياسي الذي تجلت أوضح صوره في تضخيم مرضي لأعداد المشاركين في مهرجان 14 شباط، وفي التلويح بخيارات يدرك الجميع عقمها، ومنها خيار العودة لانتخاب الرئيس بنصاب النصف زائد واحد، وخيار تعويم الحكومة الفاقدة للشرعية والمحاصرة والعاجزة عن الفعل.
وعملياً، وحتى الآن، ومنذ بداية الأزمة اللبنانية، بدا عرب الاعتدال في تعاطيهم مع ملف هذه الأزمة على النحو الآتي:
1 ـ منحازين تماماً إلى جانب فريق لبناني.
2 ـ عاجزين عن تسويق أي مبادرة لإنضاج تسوية.
3 ـ يعتبرون الساحة اللبنانية مكاناً لتصفية حساباتهم مع دمشق.
4 ـ لا يخرجون اطلاقاً عن التوجهات الاميركية في المنطقة، بدليل عجزهم عن تسويق أي اتفاقات تنال رضاهم.
وعليه فقد بات واضحاً أن هؤلاء باتوا جزءاً من الأزمة اللبنانية وطرفاً من أطرافها.
ابراهيم صالح
الانتقاد/ العدد1256 ـ 29 شباط/ فبراير 2008

2008-02-29