ارشيف من : 2005-2008
فرنسا تتحرك مجدداً على وقع الموت السريري للمبادرة العربية: فريق السلطة يراهن على متغيرات تحفظ له الاستئثار
ظهر واضحاً من خلال النتيجة الفاشلة للقاءين الرباعيين اللذين عقدا في مقر المجلس النيابي الأحد والاثنين الماضيين بين ممثل المعارضة رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون وممثل فريق السلطة النائب سعد الدين الحريري يرافقه رئيس حزب الكتائب أمين الجميل، برعاية الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، أن المبادرة العربية دخلت مرحلة "الموت السريري"، وأن مبادرة أخرى هي في طور التشكل انطلاقاً من الدور الفرنسي المتجدد تجاه الساحة اللبنانية حيث يقال ان باريس تسعى خلال المرحلة المقبلة لدور متمايز عن المشروع الأميركي الهادف إلى إدخال لبنان في حرب أهلية وفتنة مذهبية، وأن سياسة فرنسا لا تزال ترتكز على تحقيق الاستقرار في لبنان، لكن الأسئلة تتركز عن أفق التحرك الفرنسي المتجدد الذي أخذ بالظهور خجولاً إلى العلن بانتظار النعي النهائي للمبادرة العربية بعدما كان قد انطلق قبل مدة في الكواليس على أكثر من مستوى، وهو ما كشفت عنه "الانتقاد" الأسبوع الماضي.
المصادر المتابعة تشير إلى أن باريس تتلمس من جديد امكانية اعادة اطلاق مبادرة جديدة تجاه لبنان، وهي وإن كانت تحضّر لهذا الأمر منذ مدة في الكواليس محاولة تخطي أخطاء وثغرات مبادرتها السابقة، فإنها بدأت تظهر حراكها الجديد إلى العلن بعد الاخفاق الأخير للمبادرة العربية، وإن كانت باريس لا تزال تحرص في تصريحات مسؤوليها على إعلان دعم المبادرة العربية، وأنها لن تطلق مبادرة بانتظار انجلاء المصير النهائي لها، فإنها بدأت تحضيرات عملية لإعادة اطلاق هذه المبادرة، وترى المصادر أن ما يشير إلى هذا التوجه، هو معطيات عديدة بينها:
أولاً: زيارة مدير دائرة الشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية إلى بيروت وعقده سلسلة من اللقاءات خلف الكواليس مع مسؤولين في السلطة والمعارضة، وان كانت المصادر الفرنسية تحرص على القول ان هذه اللقاءات تركز على موضوع قوات اليونيفل في الجنوب وأمنها، فإن هذه اللقاءات تتطرق بالتأكيد إلى ملف الأزمة السياسية في لبنان وسبل الحل.
ثانياً: تلمس موقف فرنسي يرى عدم الذهاب إلى النهاية مع المشروع الأميركي الذي يهدف إلى إدخال لبنان في دائرة الفوضى. وترى المصادر أن فرنسا كانت تاريخياً تحرص على الاستقرار في لبنان، وأن ذلك من ركائز سياستها الخارجية تجاه المنطقة.
ثالثاً: بروز إجماع أوروبي على اعادة التواصل مع سوريا عبر خافيير سولانا المنسق العام للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي وهو قد يشرع في اتصالات قريبة مع دمشق عنوانها الملف اللبناني.
"احتضار المبادرة العربية"
في هذه الأثناء كانت الأسئلة تنصبّ في المرحلة الراهنة على موعد "الدفن النهائي" للمبادرة العربية التي أثخنها الطعن الأميركي عبر فريق السلطة الذي ذهب بعيداً في التعطيل خلال اللقاءين الرباعيين الأخيرين.
المصادر المتابعة لاحظت من النتيجة التي انتهى اليها اللقاء الرباعي الأخير في مجلس النواب أن المبادرة العربية باتت على عتبة النعي وظهر ذلك من عدة مؤشرات منها:
1 ـ عدم تحديد الأمين العام للجامعة العربية موعداً جديداً للقاء خلافاً للمرات السابقة التي كان يعلن فيها موعداً جديداً للعودة لاستئناف الوساطة، وهو ما عبّر عنه في التصريح الذي أدلى به بعد الاجتماع أن لديه مشاغل أخرى وفي مقدمتها التحضير للقمة العربية التي ستنعقد نهاية شهر آذار في دمشق، ما يعني استبعاد عودة موسى إلى بيروت قبل هذه القمة، وإن كان هذا الخيار ما زال في دائرة الاحتمال الضعيف قبل الموعد الجديد الذي حدده الرئيس نبيه بري للجلسة الرئاسية في الحادي عشر من الشهر المقبل.
2 ـ الالتزام الكامل من فريق السلطة بالاملاءات الأميركية بالتعطيل، وقد ظهر ذلك جلياً في مواقف النائب سعد الحريري ورئيس حزب الكتائب أمين الجميل في الجلستين الرباعيتين بحسب المحاضر التي نشرت.
فالنائب الحريري قال "لن نقبل بالمثالثة في الصيغة الحكومية"، نرفض اعطاء المعارضة الثلث+1" و"لن نوافق على قانون الانتخاب على أساس قانون العام ستين "كما يجب ان يتضمن البيان الوزاري التزاماً واضحاً بتطبيق القرارات الدولية"، وبالتأكيد فإن من بين هذه القرارات لقرار 1559 الداعي إلى نزع سلاح المقاومة، ويختم الحريري مخاطباً عمرو موسى بالقول "على مسؤوليتي أكتب في المحضر أنني أنا الذي يرفض".
وتتوقف المصادر عند هذه الجملة من اللاءات والرفض لأي صيغة للحل من قبل ممثل فريق السلطة، فهل من يطرح هذه اللاءات يكون ساعياً إلى حل؟ أم أنه طبق بامتياز التعليمة الأميركية بتعطيل المبادرة العربية وينتظر حصول تطورات معينة كان قد أبلغه بحصولها رعاته الأميركيون، وأنها ستغير معادلات داخلية لمصلحة فريق السلطة وتكرس استئثاره! وتلفت المصادر إلى أن الموقف الكلامي للنائب الحريري الذي كان أعلن بموجبه عن موافقته على قانون القضاء قد انكشف زيفه في اللقاء الرباعي الأخير حيث ظهر رفضه لقانون القضاء الانتخابي على أساس قانون الستين من خلال رفضه لإعادة تقسيم بيروت على هذا الأساس. وإذا كان موقف الحريري الرافض للقضاء على خلفية ترتبط بهدف مواصلة الاستئثار والهيمنة وتهميش المسيحيين، فإن ما أثار دهشة المصادر هو معارضة رئيس حزب الكتائب أمين الجميل لقانون العام ستين، والعذر الأقبح من الذنب الذي ساقه في تبرير هذا الرفض أن هذا القانون يعطي الأرمن حيثية انتخابية في بيروت والمتن الشمالي وكأن الرئيس الجميل لم ينس خسارته في الانتخابات الفرعية في المتن الشمالي، والتي حمّل حينها المسؤولية الأكبر عنها للأرمن وجرّد حملة كبيرة عليهم بنفسٍ عنصري، وبدا أنه يريد الآن الانتقام من هذه الطائفة، من خلال رفضه ان تستعيد حقها في القانون الانتخابي الجديد.
السبب الثالث لوصول المبادرة العربية إلى الحائط المسدود كان تصاعد الحملة التي تشنها الدول العربية المنضوية في المحور الأميركي على سوريا وفي مقدمتها السعودية ومحاولة ابتزاز دمشق بشأن مصير القمة العربية المقررة نهاية آذار المقبل، إلا أن دمشق عبّرت عبر أكثر من مصدر رسمي رفضها لهذا الابتزاز وأكدت أنها لن تلجأ لأي تدخل لدى المعارضة لدفعها إلى التخلي عن مطالب تؤمن لها شراكة حقيقية في الحكم، وهي بالتالي ليست معنية بإنجاح المشروع الأميركي في لبنان عبر تكريس غلبة الفريق الذي ترعاه واشنطن، والذي يشن حملة عليها ـ أي سوريا ـ منذ أكثر من سنتين، وانطلاقاً من هذا الموقف فإن دمشق تواجه هذا الابتزاز بالتأكيد أنها معنية بتأمين عقد قمة بمن حضر ومن يستبعد نفسه عنها فهو الذي يخسر وليست سوريا. وفي هذا السياق فإن اجتماع وزراء الخارجية العرب في السادس والسابع من الشهر المقبل سيكون حاسماً في تحديد مصير المبادرة العربية نحو "الدفن" أو "الانعاش".
هلال السلمان
الانتقاد/ العدد1256 ـ 29 شباط/ فبراير 2008