ارشيف من : 2005-2008
حاضر الثورة وأسئلة المرحلة
كثيرة هي الأسئلة التي رافقت انتصار الثورة الاسلامية في إيران، أبرزها تمحور حول إمكانية استمرار هذه الثورة كنظام سياسي فضاؤه الدين، وبالتالي قابليتها للبقاء في ظل معادلة دولية كانت عشية الانتصار قائمة على الثنائية القطبية.
وإذ استمرت الثورة ورسّخت نظامها السياسي، برزت أسئلة من نوع آخر، أسئلة تتعلق بقدرة إيران على إعادة الاعمار والبناء، ذلك ان مرحلة ما بعد الحرب العراقية المفروضة على إيران فتحت شهية المتربصين بالثورة، فراحوا يراهنون على سقوطها من الداخل.. وبدأت وفقاً لذلك دعائية القول المتمثل بالصراع بين منطق الدولة ومنطق الثورة، إلا ان هذا الرهان لم يفعل أكثر من الارتداد على المراهنين أنفسهم. وفي حين استقر الرهان في بطون الكلام لا غير، جاءت مرحلة الحظر والحصار الأميركية على إيران على المستويات السياسية والاقتصادية، لتعيد طرح الاسئلة كبداية متجددة لرهانات سابقة، ومرة أخرى سقط الحصار وسقط الحظر وبقيت الثورة.
وعلى أعتاب الألفية الثالثة، وتحديداً بعد المنعطفات الاستراتيجية التي خلفتها وقائع ما بعد تفجيرات 11 أيلول/ سبتمبر في نيويورك وواشنطن، خرج من يقول: إيران الى أين؟
صحيح أن إيران تتموضع في صلب الاستهداف الاميركي، وصحيح أن مرحلة ما بعد 11 أيلول/ سبتمبر تنطوي على صعوبات ومخاطر، غير أن الثورة الاسلامية في إيران التي غدت مكوّناً للشخصية الايرانية المعاصرة، تمتلك من الأرصدة والتجارب الدفاعية ما يجعلها عصية على القبض.. فالنجاحات التي أنجزتها الثورة على المستوى الداخلي بتشعباته كافة، ومناخات التواصل والتفاعل الايجابي مع الخارج، تجعل الولايات المتحدة في موقع الخاسر سلفاً اذا ما ذهبت الى ارتجال المواقف لمواجهة ثورة تختزن طموحات الأمة وآمالها..
على صعيد الأمة، أصبح الإسلام محط اهتمام كل الشرائح على اختلاف مشاربها، وأصبح التعامل معه يحظى باحترام خاص لم يبلغه يوماً، منذ إسقاط الكيان السياسي الذي كان قائماً باسم الإسلام.
تراجعت كل الدعوات والمشارب الفكرية التي كان يزخر بها المشهد الثقافي في بلاد المسلمين، ليتقدم الإسلام طليعة العناية والاهتمام والإصغاء، وها نحن نشهد عودة شاملة ولو متفاوتة إلى الاستقلال الثقافي، واليقين بأن في الإسلام الغاية التي بحث عنها مخلصون كثر من هذه الأمة ممن كانوا يطلبون الحق فأخطأوه.
وعلى الصعيد العالمي، - وبالرغم من الكثير جداً الذي لا بد من العمل الجاد لتحقيقه - إلا أن ما أنجز هو التالي:
1- تشهد الساحة العالمية بداية واعدة في مجال التطلع إلى الإسلام باعتباره قادراً على ملأ الفراغ لعالم أيقن بالخواء الفكري للرأسمالية والاشتراكية.
2- تشكل المحاور الفكرية الرئيسة للإسلام، الشغل الشاغل لعلماء الاجتماع والحقل التربوي، و"الإنسانيات" عموماً، وأقصد بالتحديد: قيمة المعرفة. القانون. حقوق الإنسان. الأخلاق.
وعلى صعيد آخر كان المفكرون ومؤسسو الحركات والانتفاضات الإسلامية يبحثون عن نموذج للثورة بين طيات التاريخ، ويسعى كل منهم إلى الاستنارة بالأحداث البارزة في تاريخ الإسلامية لتلمس مسارهم وإظهار المنهج الذي يسيرون عليه وكأنه امتداد لتلك الأحداث التي وقعت في تاريخ الإسلام، بيد أن انبلاج فجر الثورة الإسلامية ـ التي تعتبر أهم وأبهى حادثة وقعت في تاريخ الإسلام بعد عصره الأول وأكثرها أصالة ـ جعلها تشتمل بين ثناياها على أبرز تلك الأحداث المجيدة التي شعت في تاريخ الإسلام، وحلت محل جميع تلك النماذج فيه.
اسماعيل زلغوط
الانتقاد/ العدد1256 ـ 29 شباط/ فبراير 2008