ارشيف من : 2005-2008
الشاعر جوزيف حرب: الإمام الحسين نبع للإغراء المعرفي والقيمي والإنساني
بكائية رأس الحسين جملة سماوية بين هلالين من جناحي ملاك:
كربلاء...
ذرذري من فتيت الرياحين
وانسجي من حبير البجع، وكنّار الحمام
مكاسر الكفن الأبيض، واحفري الجفن، عميقاً عميقاً حتى مغارق الدمع
فلقد أقبل الليل وحنّ جسد الحسين الى النوم، جملة سماوية بين هلالين من جناحي ملاك.
جملة كلمات من "بكائية رأس الحسين" للشاعر جوزيف حرب، الذي اكتشف في الحسين القيم والمبادئ الإنسانية التي يحتاجها البشر.
الانتقاد التقت الشاعر جوزيف حرب، تعرفت الى شخصيته وظروف كتابته "لبكائية رأس الحسين".
* الشاعر جوزيف حرب، شاعر مسيحي تعرف الى الإمام الحسين، قبل أن نتعرف الى هذه الرحلة الطويلة من المعرفة دعنا نتحدث عن جوزيف حرب الانسان والهوية؟
جوزيف حرب اليوم هو شاعر وكاتب وناقد، ولد في الجنوب اللبناني في بلدة المعمارية بالقرب من بلدة الغازية، وطفولته كانت طفولة موزعة بين المدرسة والمنزل وحياته في اللعب، كانت حياتي كطفل مزيج من الحنان وطفولة غنية بمناظر الطبيعة وحنان الأهل وعاطفة المحيط.
* حياة الشاعر جوزيف حرب العلمية كيف كانت بدايتها؟
الجو الطبيعي والعاطفي الذي ولدتُ فيه ساهم إلى حد كبير في بناء شخصيتي العلمية، فالوالد لم يكن ذاك المثقف الكبير، انما مستواه العلمي كان "على أدّو" وكانت الوظيفة التي يشغلها تعطيه تصوراً أن العلم يساعد على تقديم أولاده بشكل أرقى وأهم إلى المجتمع.
* جوزيف حرب الكاتب المسيحي الذي تربطه بالإسلام علاقة متينة وهذا ما نلاحظه من خلال تأثره بشخصية الإمام الحسين (ع)، كيف ولدت هذه العلاقة مع الدين الإسلامي أو المعرفة الإسلامية؟
علاقة مسيحيتي بالأفق الإسلامي تعود لعدّة اسباب، أولها أننا نعيش في وطن فيه مسلمون ومسيحيون، كان يختلج في داخلي نوع من الشعور بأن الانفتاح على الآخر يولّد المعرفة والثقافة، الأمر الذي شجّعني على الإطّلاع على الإسلام، وزيادة معرفتي بهذا الدين شجعتني أكثر فأكثر على التعمق في هذا الدين، فالإسلام بحد ذاته يحمل إغراء للمثقف بالتعرف اليه من الداخل، هذا الدين الواسع بروحه، بشخصياته، باعتباره حالة متكاملة، دفعني إلى التفقه به. فالإعجاز القرآني وخصوصيته، والتراث الإسلامي وتوسّعه، أخذ حيّزاً في معرفتي، وليس فقط في ثقافتي التي اغتنت بهذه المعرفة إنما أيضاً مسيحيتي اغتنت من هذا الدين حتى اصبحت مقتنعاً بأن مسيحيتي ناقصة من دون الدين الإسلامي.
* أستاذ جوزيف هل يمكن أن نقول إن تعرّفك الى الإمام الحسين ولد منذ الطفولة؟
نعم، تعرّفي الى الإمام الحسين (ع) بدأ منذ هذه الطفولة التي تحدثت عنها، فبحكم عمل والدي في مناطق مختلفة، ساهم الى حد كبير في التقرب من هذه الشخصية، ولا زلت أذكر مرافقتي لوالدتي، وهي ايضاً مسيحية، إلى المشاركة في مجالس العزاء، عندها كنت ولداً صغيراً وكانت هذه البدايات في تعرّفي الى الإمام الحسين "بدايات غامضة، بدايات طفل تكوّنت معه هذه المعرفة ضمن إطار المعرفة الطفولية، المعرفة الحسيّة، وكانت هذه الصور الشفافة وفيها اصوات وكأنها أصوات هجيع، فيها الدموع التي تركت في داخلي أثرا جميلا، ومع الوقت بدأت تختلط هذه الصور بصور الجمعة العظيمة، فأصبح في مخيلتي تداخل بين ما حدث في كربلاء للإمام الحسين وما حصل للمسيح أيضاً في مواقف متشابهة.
* أستاذ جوزيف، هذا النوع من التداخل بين الشخصيّتين كيف عبّرت عنه في نص البكائية؟
هذا التداخل بين الشخصيتين أدى إلى تذاوب بين الشخصيتين سواء بالنسبة للتمثيل الإنساني العالي من مفاهيم التقديس والعدالة والرحمة والرسالة السماوية، من مفهوم دعوة الناس للمحبة والتسامح والسلام، فلم يعد من إمكانية للفصل بين هاتين الشخصيتين، وأصبح التمازج بين الحسين والمسيح واضحاً جدا.
* تتحدث عن شخصيتين، شخصية الإمام الحسين (ع) وشخصية المسيح (ع)، بماذا تشعر وأنت تتحدث عن هذين الرمزين؟
وأنا أتحدث عن هاتين الشخصيتين أشعر أنني أمام رمزين يدعوان الى كل ما يسمى بالعدل والحق والتسامح، وحياتهما فيها نوع من طمأنينة الروح على الأرض، وأود أن أشير الى أن هذا التقارب بين الرمزين اللذين يمثلان طائفتين، الاسلام والمسيحية، غير أنني على الصعيد الشخصي قدّمت في هذه البكائية التداخل بين الشخصيتين المنطلقتين من ينبوع واحد تجاه نهر واحد.
* الإمام الحسين في مسيرته وفي معركته ارتبط اسمه بمفهوم الشهادة، اين تبرز الشهادة في شخصية الإمام الحسين من خلال البكائية التي خصصت بها الإمام الحسين (ع)؟
حقيقة الموقف الذي يذهب فيه الإمام الحسين بالدفاع عن العدل استوقفني كثيراً، فالشهادة أمر رائع، والإمام الحسين هو الرمز الأول لمعنى ومفهوم الشهادة العظيم، وفي رأيي إذا لم اتمسك بقيم هذا الرجل كإنسان، وإذا لم تهزّني شخصية قيّمة كهذه، لا أظن أن موقفا ما أو شخصية ما يمكن أن تهزّني.
* أستاذ جوزيف ما هي المصادر التي ساهمت إلى حد ما في ولادة بكائية الإمام الحسين (ع)؟
اطلاعي على شخصية الإمام علي (ع) والإمام الحسين (ع) وسير الصحابة والتابعين، هذا الإطلاع استوقفني الى حد نتج في داخلي موقف تمسّكت به في سبيل قضايا كبيرة، في سبيل الحسّ الروحي العميق، في سبيل بناء إنسان أقل خطايا وأكثر رحمة.
* ما هي الظروف التي ساعدتك على الكتابة وشكّلت مصدر ارتياح معرفي مهم عندك ككاتب أو كشاعر؟
خارج إطار الإحساس بالكتابة، جاءت كتابة هذا النص بطريقة تلقائية، دخلت في الكتابة وبدأت أكتشف أن هناك مخزوناً مخبّأ منذ زمن، سواء من ناحية العبارات أو الصور أو المفردات، هذا المخزون ظهر وكأنه حاضر منذ عمر طويل، ولا تنسي أنني كتبت هذا النص منذ ما يزيد عن 35 سنة، قرأته في مناسبات عديدة، وكنت أستمع الى مواقف الإعجاب به، بهذه الطريقة التعبيرية العفوية في تجسيد الواقعة العاشورائية، وكلّما مرّ الزمن اشعر بأن هذا النص وليد اليوم والمستقبل ايضاً، وهذا ما يدل على قيمة جمالية خاصة به.
* الإمام الحسين (ع) كإنسان رفض الظلم ودافع عن الحق واستشهد من أجل رفع راية الحق، ماذا يعني لك هذا؟
الإمام الحسين رمز لقائد روحي، تختلط فيه الأحاسيس الدينية والفكرية، وبرغم المأساة التي عاشها مع آل بيته تحوّل هذا الرجل إلى موقف عميق في الإنسانية، سعى من اجل تحقيق هدف أسمى لذا أراه رمز روحي وأرضي، والشهادة التي قدمها للبشرية من أرقى تضحيات الشعوب، إنها التضحية في سبيل الحق.
* تحدثت عن الإمام الحسين الإنسان، القائد العظيم، القائد الروحي والديني، لكن أين تضع القيم التي أوجدها الإمام الحسين للبشرية؟
انه رمز عام، رمز يتخطى الدين ليصل الى المواقف الإنسانية النبيلة، ما يمثله الإمام الحسين من أبعاد روحية وفكرية وإنسانية وجهادية واستشهادية تنطبق على الثورات وكل الحركات الإصلاحية التي حصلت في التاريخ من أجل إصلاح الإنسان وتخليصه من الظلم، وهذا ما نلاحظه نحن الذين نعيش اليوم في زمن الظلم. ينبغي لنا كمسيحيين ومسلمين أن ننظر إلى الحسين لأننا بأمسّ الحاجة الى رجل عظيم مثل هذا الرجل، خصوصاً عندما نجد انفسنا امام أعاصير الظلم التي تعصف بنا وتباغتنا من كل حدب وصوب.
أجرت اللقاء: أمل شبيب
الانتقاد/ العدد1256 ـ 29 شباط/ فبراير 2008