ارشيف من : 2005-2008
السلسلة البشرية في ظل تواصل أعمال القتل: إبداع فلسطيني لمواجهة الحصار
غزة ـ عماد عيد
برز على الساحة الفلسطينية اتجاه لمواجهة الحصار والإغلاق المفروضين على قطاع غزة منذ أكثر من تسعة أشهر بالفعاليات الشعبية السلمية، وذلك على نحو لافت. وتوج هذا التوجه بفكرة السلسلة البشرية على امتداد قطاع غزة الذي يصل إلى خمسة وأربعين كيلومتر تقريبا. وقد شارك في السلسلة قطاعات الطلاب بمختلف مراحلهم التعليمية، وشارك أيضا مواطنون من مختلف المراحل العمرية، وفعاليات وشخصيات، خصوصا من حركة حماس، الذين وجدوا بكثرة خصوصا في شمال قطاع غزة. وهذه السلسلة وإن لم تمتد على كل متر من هذه المسافة، إلا أنها كانت حاضرة في محافظات القطاع الخمس، وموجودة بدلالتها ورمزيتها ابتداء من معبر رفح الحدودي جنوبي القطاع الذي يطالب الفلسطينيون بفتحه لكسر الحصار، مرورا بمحافظة خانيونس ثم محافظة الوسطى ومحافظة غزة، وصولا إلى محافظة الشمال، وبشكل أوضح قرب معبر بيت حانون المؤدي إلى دولة الكيان الصهيوني.
السلسلة نُظمت من قبل اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة ووزارة التعليم العالي وحركة حماس. وقد جاءت نتاج سلسلة من الفعاليات الشعبية ابتدأت بمسيرات واعتصامات في مختلف مناطق قطاع غزة، وتوجيه رسائل وكتب أو استخدام هوايات الأطفال ومهاراتهم للتعبير عن المأساة التي تحل بالقطاع، مع الاستمرار في فرض الحصار في مختلف نواحي الحياة، أو رسم أعداد الضحايا الذين سقطوا جراء الحصار ومنعهم من الخروج للعلاج خارج قطاع غزة من خلال أرقام ترسمها أجساد المواطنين. والغريب واللافت في الوقت ذاته أن الكيان الصهيوني تفاعل مع هذه السلسلة على وجه التحديد بشكل كبير وغير متوقع من قبل الكثيرين، الأمر الذي دفع البعض إلى الإمعان في التحليل ودراسة رد الفعل الصهيوني المبالغ فيه.
فقد اعتبر البعض، وهو اتجاه كبير، أن الكيان الصهيوني يرتعد من هذه الفعاليات الشعبية السلمية، ذلك أنها تحدث إحراجا كبيرا له في العالم، على اعتبار أن جيشا مدججا بالسلاح في مقابل جماهير عزل تحاول أن تحتج للمطالبة بقضايا إنسانية بحتة نص عليها القانون الدولي وكفلتها كل الشرائع والقوانين، وهو ما تخشاه "إسرائيل" في ظل الصراع على كسب المواقف الدولية وتجنيد الدول لدعم الكيان الصهيوني. وبنظر هؤلاء فإن تسييس مثل هذه الفعاليات يمكن أن يضر بها ويجهضها، وخصوصا في ما يتعلق بفعاليات الحصار والمعابر والكهرباء والوقود، وهي أمور تعتبر حقوقا إنسانية، وبالتالي فإن أصحاب هذه الرؤية يطالبون بدعم هذه الفعاليات شعبيا وجماهيريا، وليس تنظيميا، حتى يُكتب لها النجاح.
وفي هذا السياق فإن الدكتور جمال الخضري يقول ان لجنته الشعبية حققت حضورا كبيرا ليس فقط على المستوى المحلي، وإنما على الصعيد العربي والدولي. وإن اتصالات يتلقاها بالدعم والتأييد من مختلف الدول، والأهم من ذلك تلك الاتصالات التي يتلقاها من الفريقين الفلسطينيين المنقسمين في الساحة: فتح وحماس في غزة ورام الله، وهو ما دفعه إلى المطالبة بأن تبقى هذه الفعاليات شعبية وجماهيرية وسلمية. على أن وجهات نظر أخرى قالت ان الكيان الصهيوني تعمد تضخيم السلسلة وأمر بالاستعداد والاستنفار في صفوف جنوده حتى يظهر كأن هجوما وشيكا عليه سيقع، وأن حماس ستستغل هذه الفعاليات من اجل اختراق الحدود أسوة بما فعلت على الحدود المصرية الفلسطينية، وبالتالي تتمكن "إسرائيل" تحت هذه المبررات من إحباط حتى الفعاليات الجماهيرية، سلمية كانت أو غاضبة. كما أن الكيان الصهيوني له تجربة واضحة وسابقة في هذا المجال عندما قصف مسيرة شعبية خرجت في رفح إبان العملية الصهيونية الشهيرة "قوس قزح"، التي أدت إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى. وعليه فالعدو الصهيوني لن يتورع عن قصف هذه المسيرات، وهو الذي قصف منازل للمواطنين.
وبكل الأحوال فإن المهم في هذا السياق أن استمرار الحصار والإغلاق على القطاع يفاقم من سوء الحياة ويدفع المواطنين الفلسطينيين إلى حافة الانفجار، والى المزيد من التصميم على المضي قدما في المقاومة ضد العدو الصهيوني، وعدم القناعة بالحلول السلمية التي يجري الحديث عنها.
وعلى هذا الصعيد فإن المفاوضات مع الكيان الصهيوني لم تحقق تقدما حتى الآن على أي صعيد.. وحتى الأوضاع الميدانية والحياتية التي جرى الحديث عنها من قبيل إزالة الحواجز والتسهيل على المواطنين لم يحصل أي منها بفعل التعنت. وبما أن الملفات الفلسطينية مرتبطة بعضها ببعض، فإن الحراك أيضا كان في ملف الحوار الفلسطيني الفلسطيني الذي تجسد في محاولات إحداث اختراق لحال الانقسام المستمرة والتي تتعمق يوما بعد يوم. وآخر هذه الجهود كانت المبادرة اليمنية التي وافق عليها عباس، فيما تحفظت حركة حماس وطلبت إيضاحات حول بعض البنود، لا سيما عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الحسم العسكري من قبل حركة حماس، وما يتعلق بإجراء انتخابات فلسطينية مبكرة، وهو الأمر الذي ظلت حركة حماس ترفضه باعتباره يعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه، ويضع حماس أمام الوضع الصعب والتجاذب من جديد.
وبانتظار تحقيق نتائج ايجابية في هذا السياق، فإن الكيان الصهيوني استمر في عدوانه في الأراضي الفلسطينية. ففي الضفة الغربية استمرت حالة استباحة القرى والبلدات والمدن الفلسطينية واعتقال العشرات على مدار الأسبوع من مختلف الفصائل، في وقت استمرت فيه عمليات تضييق الخناق على السكان. أما في قطاع غزة فقد استمرت القوات الصهيونية في تنفيذ غاراتها ضد المقاومين الفلسطينيين، الأمر الذي أدى سقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى، إلى جانب التوغلات في القطاع، وخصوصا تلك التي استهدفت منطقة شرق رفح، والتي اعتقلت خلالها القوات الصهيونية العشرات من المواطنين، فضلا عن سقوط شهيد واحد وعدد من الجرحى، إلى جانب عمليات تجريف الأراضي الزراعية بحثا عن أنفاق قال العدو إنه اكتشف خمسة منها، لكن المواطنين نفوا هذه المعلومات جملة وتفصيلا.
الانتقاد/ العدد1256 ـ 29 شباط/ فبراير 2008