ارشيف من : 2005-2008
ميشيل: التحقيق في اغتيال الحريري ينبغي أن يأخذ وقته الكافي ولا نعلم متى ينتهي
نيويورك ـ «السفير»
بينما تتسارع الإجراءات التي تتخذها الأمم المتحدة لتشكيل الأجهزة الأساسية للمحكمة الخاصة بملاحقة المتورطين المحتملين في اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق الشهيد رفيق الحريري، يبقى التساؤل الأكثر صعوبة هو متى تبدأ هذه المحكمة فعليا، خاصة في ضوء شح المعلومات المتوافرة عن حجم التقدم الذي حققه ثلاثة محققين دوليين حتى الآن: الألماني ديتليف ميليس والبلجيكي سيرج براميرتز وأخيرا الكندي دانييل بيلمار والذي سيقدم أول تقاريره لمجلس الأمن بحلول نهاية الشهر الحالي.
وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية نيكولا ميشيل هو أحد أكثر المطلعين على ملف تشكيل المحكمة بحكم منصبه. كما أنه كان عضوا في اللجنة التي شكلها بان كي مون لاختيار القضاة الدوليين والمحليين الأحد عشر الذين سيشكلون الهيئة القضائية للمحكمة، والذين تبقى أسماؤهم سرية في ضوء الظروف الأمنية الحالية في لبنان.
وبينما يصر ميشيل على أن إجراءات تشكيل المحكمة تتم وفقا لأعلى المعايير المهنية الدولية، فإنه يرفض بشكل قاطع تحديد متى تبدأ المحكمة ، بداعي أنه شخصيا لا يعرف حجم التقدم الذي تحقق في التحقيق حتى الآن. ولكن من الناحية العملية، وفي ضوء المتطلبات المتبقية من ناحية تولي بيلمار رسميا منصب المدعي العام، وكذلك إصداره لقرارات الإتهام التي يجب أن يقرها قاضي التحقيق، والأهم توصله بشكل قاطع ويقيني للمتورطين المحتملين في عملية الاغتيال، فإنه يمكن القول أن الرأي العام لن يشهد محكمة حقيقية من ناحية تواجد قضاة ومتهمين في قاعة واحدة قبل العام المقبل على أفضل تقدير. وكان هذا هو أيضا تقييم المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة زلماي خليل زاد الذي قال في وقت سابق أنه يتابع شخصيا إجراءات إنشاء المحكمة عبر لقاءاته مع ميشيل.
وبينما يقول ميشيل أن الهدف من الإعلان بشكل متواصل عن التقدم في إجراءات تشكيل المحكمة، هو التأكيد أن المحكمة أصبحت واقعا لا يمكن التراجع عنه، فإنّ مراقبين للشأن اللبناني في أروقة الأمم المتحدة لا يستبعدون ان تكون لتلك الإعلانات أبعاد سياسية تتعلق بتوجيه رسائل للأطراف المتنازعة الآن في لبنان، وخاصة ممن أبدوا تحفظات على عمل المحكمة وطريقة تشكيلها من دون المرور عبر المؤسسات الدستورية اللبنانية.
في ما يأتي نص حوار أجرته «السفير» مع ميشيل، والذي ينفي تماما أية أبعاد سياسية للمحكمة ويصرّ على أن غرضها الأساسي إنهاء عمليات الاغتيال السياسي في لبنان وطمأنة اللبنانيين الى أنه لا مجال للهروب من تحقيق العدالة!.
ـ «السفير»: قلت في تصريحات سابقة أنك تتوقع تعيين مقرّر المحكمة في نهاية شهر شباط .2008 هل تم التوصل لقرار في هذا الشأن؟.
ميشيل: لقد تم الانتهاء تقريبا من عملية الاختيار وذلك من ناحية اتخاذ القرارات اللازمة في هذا الشأن. ويمكنني القول أن عملية الاختيار تمت بطريقة مرضية. وإنني على ثقة أنه سيتم الإعلان عن ذلك بشكل رسمي خلال وقت قريب. والمسألة الآن تتعلق بالأمين العام بعد أن قدمت لجنة الاختيار توصياتها له بشأن المرشح لشغل منصب المقرّر.
التدخل في المسار القضائي
ـ أود أن أسأل عن لجنة إدارة المحكمة والتي أعلن الأمين العام عن تشكيلها في منتصف شهر شباط والمكونة من المتبرعين الأساسيين لتمويل المحكمة. قلت أن هذه اللجنة ستقرر كيفية التصرف في هذه الأموال ولكن من دون التدخل في العملية القضائية نفسها. هل من الممكن أن تشرح لنا معنى ذلك؟ ألا توجد خشية من أنه إذا كانت اللجنة تتحكّم في الأموال أن تتدخل أيضا في المسار القضائي لعمل المحكمة؟.
ميشيل: هنا يجب علي الإشارة إلى ان النموذج الذي نحاول اتباعه في محكمة لبنان، هو النموذج المتعلق بالمحكمة الخاصة بسيراليون. هذا النموذج مختلف عن المحاكم الخاصة بيوغسلافيا ورواندا وكذلك محكمة الخمير الحمر في كمبوديا. في المحكمة الخاصة بسيراليون، القرارات المتعلقة بالإدارة والتمويل تتخذها لجنة الإدارة، ولكن مع وجود فهم واضح أن لجنة الإدارة ستحترم إحدى مواد قانون المحكمة والتي تنص على أنه لا يحق للجنة التدخل في المسار القضائي. هذا يعني أنه لا دخل لها بمن سيتم توجيه الاتهامات لهم، أو متى سيتم توجيه الاتهام، أو متى تبدأ المحكمة ومدتها...الخ. هذه كلها مسائل قضائية لا تقررها لجنة الإدارة.
ـ ولكن في النهاية، لجنة الإدارة مكوّنة من أطراف لها مصلحة في تشغيل المحكمة بشكل فوري. فالممولون الأساسيون هم أطراف مثل الولايات المتحدة والمملكة السعودية وآخرين. ألا يشكل هذا في حد ذاته، نوعاً من التأثير على سير المحاكمة؟
ميشيل: بداية أنت اشرت إلى أسماء دول معينة، ولكن لن أقوم بتأكيد ذلك.
ـ ولكنّ وزيرة الخارجية الأميركية نفسها أصدرت بياناً وأعلنت فيه مضاعفة تمويل الولايات المتحدة للمحكمة من سبعة إلى أربعة عشر مليون دولار. إذن لا يوجد سرّ في هذا الشأن.
ميشيل: نعم. نعم. انظر. تجربة محاكم رواندا ويوغسلافيا دفعتنا إلى تعلم الدروس بشأن كيفية إدارة المحاكم الدولية بطريقة فعالة، وكيف يمكن تنظيم الإجراءات الإدارية بطريقة أكثر فعالية. وبالتأكيد محكمتا رواندا ويوغسلافيا أصبحتا أكثر كفاءة مع الوقت. والمتبرعون الأساسيون للمحكمة الخاصة بسيراليون أرادوا الاستفادة من هذه الدروس والتيقن من إدارة المحكمة بطريقة فعالة. على سبيل المثال، لم يكن هناك سبب لدفع مرتبات القضاة كاملة إذا لم يكونوا قد بدأوا أداء مهامهم بالفعل. هذا مثال. وبالتأكيد سيكون هذا قرار مبرر تماماً أن القضاة الذين لم يمارسوا مهامهم بعد، لا يتمّ دفع مرتباتهم. إذن هذا مرتبط بعمل القضاة، ولكنّه غير مرتبط بمضمون قرارات القضاة. وهذا أحد الأمثلة.
ـ ولكن هل من الممكن أن تقدّم لنا أمثلة أخرى بشأن تخصصات هذه اللجنة الخاصة بإدارة محكمة لبنان؟.
ميشيل: مثلا، في ما يتعلق بالمبنى الذي ستجري فيه المحكمة. هم سيتخذون قراراً بشأن حجم التجديدات الذي يحتاجه ذلك المبنى، أو بشأن شروط عمل وظروف القضاة والموظفين، وإذا ما كانوا سيتقاضون راتباً أم لا، وما هو نوع الحوافز التي سيحصلون عليها. إذن هم يتعاملون بشكل أساسي مع الجوانب الإدارية والمالية فقط.
ـ أدلى زلماي خليل زاد بتصريحات قال فيها أنه يتوقع أن يتم الإعلان عن إنشاء المحكمة في شباط، وذلك بناء على معلومات تلقاها منك بعد اجتماع عقد بينكما. وكان ردّك هو نفي أن تكون قد حددت ذلك الموعد. هل يمكن أن توضح لنا ما حدث؟.
ميشيل: أود أن أرى ما قاله على وجه التحديد. وأنا مندهش أن تكون هذه هي النتيجة التي خلص لها بعد النقاش الذي جرى بيننا. ولكن ربما يكون السؤال الذي وجهه لي: هل ستكون المحكمة جاهزة بحلول شباط؟ إذا كان هذا هو السؤال فربما يكون ردي كان نعم. وما أتذكره أن هذا كان سؤاله، وهذه كانت إجابتي. ولكن من المستحيل أن أكون قد قلت أن المحكمة ستبدأ في شباط.
ـ لقد قمت بالإطلاع على موقع بعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة على شبكة الانترنت، وكان هذا هو تحديداً ما قاله زلماي في 18 كانون الاول 2007: «لقد أخطرني وكيل الأمين العام للشؤون القانونية أنه يتوافر لدينا الآن كمية كبيرة من الموارد (المالية)، ونحن الآن على الطريق نحو إنشاء المحكمة في شباط كما نأمل». هذا هو ما قاله تحديداً.
ميشيل: ولكن هذا مختلف عن القول أنني قلت أن المحكمة ستبدأ في شباط. ولا بد من الإقرار بذلك. هو لم يقل ذلك، وأشكرك على أنك أتيت بنص ما قاله. فما قاله هو أن المحكمة ستكون جاهزة بحلول شباط، ولكن ليس أنها ستبدأ العمل في شباط. لا يوجد حاجة أو فائدة للتركيز على ذلك. المطلوب هو معرفة ما هو الواقع. والواقع هو أنه من الضروري النظر لأمرين:
أولاً: هو أن الامانة العامة ، وفقا للتكليف الصادر لها من مجلس الأمن، تقوم ببناء جهاز قضائي حقيقي، مستقل وغير منحاز. ونحن نعمل بطريقة مهنية.
ثانيا: إن الانطباع بأنه في يوم ما لن يكون لدينا محكمة، ثم نأتي في اليوم التالي ليكون لدينا محكمة كاملة هو غير واقعي. هذه ليست هي الطريقة التي يتم بها تشكيل المحكمة. وبالتالي فمن الأفضل أن أشرح لك كيف ستعمل المحكمة بدلا من العمل على تفسير تصريح لم يعكس تماما ما قلته. زلماي لم يقل، وأنا لم أقل أن المحكمة ستبدأ العمل في شباط. لكي تبدأ المحكمة في العمل عمليا، يجب أولا أن يكون هناك مقرر للمحكمة والذي سيشرف على إجراءات إدارة المحكمة. ثم في مرحلة ثانية، سيكون لدينا مدع عام والذي لن تكون لديه السلطة لإصدار قرارات الاتهام بنفسه. ولكنه يجب عليه تقديم ما لديه لقاضي التحقيق« pre trial judge» وهو الذي سيقرر ذلك. إذن ما زال أمامنا تعيين المدعي العام، وبعد ذلك بوقت قصير، قاضي التحقيق، ثمّ قضاة، ولكنهم لن يعملوا بالضرورة بشكل كامل منذ البداية. سيكون لدينا في البداية قضاة المحكمة الأولية ثم قضاة محكمة الاستئناف، وعندما يكون هناك حاجة لهم سيتم استدعاؤهم للعمل لفترات محدودة، وبعد ذلك يعودون لدولهم.
زلماي والتدخّل بمسار المحكمة
ـ ولكن مرة أخرى المندوب الأميركي زلماي خليل زاد التقى مع الصحافيين في مقر إقامته مطلع الأسبوع الماضي وقال إنه يتوقع أن يكون قد تم الانتهاء من إجراءات إنشاء المحكمة هذا العام، وأن تبدأ العمل فعليا العام المقبل. هل هذا التقييم صحيح؟.
ميشيل: أولاً إنّ قضية بدء المحكمة عملياً، هو أمر يقرّره الأمين العام وفقاً لثلاثة عناصر: توافر التمويل، والتشاور مع حكومة لبنان، والتقدّم في عمل لجنة التحقيق.
وبشأن التمويل، فقد تحقّق الكثير من التقدّم مؤخّراً، ولكن ما زال أمامنا بعض التقدّم المطلوب تحقيقه. وبشأن التشاور مع حكومة لبنان، فإنّ الوقت لم يحن بعد، وذلك لأنه يجب تقييم العنصر الثالث أولاً والمتعلق بالتقدم في عمل لجنة التحقيق. والعامل الثالث تحديداً يقع خارج سيطرتي تماما. ونحن نعلم أن التقرير المقبل الخاص بعمل لجنة التحقيق يحلّ موعده في 27 آذار. ونحن نعلم أيضا أن الفترة المحددة لعمل لجنة التحقيق تنتهي في 15 حزيران المقبل. وأنا لا أعرف ما الذي سيقرره المجلس بشأن تمديد عمل اللجنة من عدمه. ولكن من الواضح أنه سيكون هناك تقرير آخر من لجنة التحقيق بحلول فترة نهاية عملها في 15 حزيران. وهذا يعني أن المحقق (الكندي دانييل بيلمار) سيكون لديه فرصتان على الأقل لكي يعطي المزيد من الإشارات حول التقدم الذي تحقق في عمل اللجنة. ومن المؤكد أننا سنقرأ تقاريره بعناية. ولذلك فإنه في الوقت الذي يجب علي فيه احترام الافتراضات التي يدلي بها مندوبو الدول، فإنه لا يمكنني تأكيدها أو نفيها، ولا أعرف على أي أساس يقومون بهذه الافتراضات.
ـ عندما قامت وسائل الإعلام بنقل تصريحات زلماي بشأن موعد بدء المحكمة، تساءل بعض المعلقين في لبنان عن مدلول ذلك وإذا كان المندوب الأميركي له صلاحية إطلاق مثل هذه التصريحات. ألا يعتبر ذلك تدخلاً في شأن المحكمة ومنحها طابعاً سياسياً، خاصة وأن زلماي دائما ما يشير اليك على أنك مصدر معلوماته؟.
ميشيل: لدى زياراتي للبنان، وفي كل لقاءاتي مع الصحافيين هنا، وأعتقد أن كل من التقى بي سيشهد على ذلك، كنت واضحا للغاية في تأكيد أنه من الضروري من أجل مصداقية الأمم المتحدة والسكرتارية أن يتم إنشاء المحكمة وفقاً لأعلى مستويات العدالة الجنائية الدولية، وبطريقة مهنية، وأن تكون هيئة قضائية حقيقية غير منحازة ومستقلة. والكل في السكرتارية يعلم أن هذه المبادئ هي التي تشكل أساسا طريقة عملي.
ـ ولكن عندما يصرّح زلماي أنّه شخصياً يقوم بمتابعة المحكمة، وأنّه على دراية أن مبنى المحكمة في هولندا لا يوجد به قاعة للمحكمة ومكان لحجز المتهمين. ألا تعتبر هذه التصريحات تدخلاً في المسار القضائي، خاصة وأن الولايات المتحدة لا يتم النظر لها على أنها طرف موضوعي من قبل البعض في لبنان؟.
ميشيل: ألن يكون من العدل والصواب القول أن هناك عدداً من الدول المهتمة (بالمحكمة) تتابع التطورات، سواء أكانت تدعم المحكمة أم لا؟ وكلها تعبر عن آرائها بشأن مسار المحكمة. ولكن تبقى مسؤولية الامانة العامة العمل بشكل مستقل، وهذا هو ما نقوم به.
ـ هل تتوّقع أن ينتهي بيلمار من عمل اللجنة بحلول موعد تقديمه أول تقاريره في نهاية الشهر الجاري، ثمّ يتمّ تعيينه رسمياً كمدع عام، أم أنه سيتم تمديد عمل اللجنة؟.
ميشيل: إذا كان السؤال هل تعرف متى ينهي السيد بيلمار عمله؟ فالإجابة هي لا. لأن هذا سيعتمد على تقريره وتقييمه للعمل المتبقي أمامه.
ـ هل نتوقع ان يتبع بيلمار نفس أسلوب برامرتز في الكشف عن كمية ضئيلة من المعلومات في كل تقرير كان يقدمه لمجلس الأمن كل عدة شهور؟.
ميشيل: مرة أخرى، لا أعلم. ولكن ما أعلمه هو أن السيد بيلمار لديه سمعة أنه مهني رفيع المستوى، وهو محترم في مجال عمله. وأتوقع من مدع عام لديه خبرة أن يقوم بأداء مهمته باحترام كامل لمبدأ السرية. وهذا يعني أنه لن يكشف في تقاريره العامة ما هي نتائج التحقيق. ومن المؤكد أن ذلك لن يتم قبل أن يتقدم بقرارات الإتهام (إلى قاضي التحقيق). وسأكون مندهشاً لو تصرف السيد بيلمار بطريقة لا تتفق مع مبدأ سرية التحقيق.
ـ تذكر دائما أن أحد العوامل التي ستحدد بدء المحكمة هو التقدم في عمل لجنة التحقيق. إذن ما هو مبرر اتخاذ كل الإجراءات الحالية إذا كنت تقول أنك لست على دراية بحجم التقدم الذي حققه التحقيق؟ ألا تعتقد أنه من الأجدى انتظار نتائج التحقيق ثم البدء في كل تلك الإجراءات؟.
ميشيل: الامين العام، ومعه الامانة العامة، مكلفان من قبل مجلس الأمن «بإنشاء المحكمة في وقت قريب». هذه هي المهمة التي نحن مكلفون بها، ونحن ملتزمون بها.
ـ إنّ تعيين قضاة ومدع عام للمحكمة يعطي الانطباع بأن المحاكمة باتت قريبة، وتقول في نفس الوقت، أن التحقيق لم ينته بعد، فكيف ذلك؟.
ميشيل: اعتقد أنه من الواضح أنه في مصلحة الجميع أن نعلن بطريقة شفافة كل تقدم نحققه. أعتقد أيضا أنه في مصلحة الجميع أن لا يوجد شك بشأن إصرار الأمين العام على تنفيذ التكليف الذي تلقاه بطريقة لا تردد بها. وهذا هو ما يقوم به.
ـ ما هو المنطق وراء عدم انتظار انتهاء التحقيق أولاً؟ أليس المفترض أن التحقيق هو الأكثر أهمية، وليس المبنى، وتعيين الموظفين وبقية الأمور الإدارية؟.
ميشيل: المهمّة المكلّف بها الأمين العام هي أن يتيقن من أن كل الأمور المتعلقة بالمحكمة تكون جاهزة في الوقت المحدد لها. وهذا هو ما نقوم به، وذلك لأننا لا نعلم متى ينتهي المحقّق من عمله، ويعلن استعداده للعمل كمدع عام. لذلك لا يمكننا أن نقوم بالافتراضات الخاصة بنا بشأن توقيت إعلانه. هذا يعني أن نكون جاهزين في الوقت المناسب، وهذا هو ما نقوم به.
ـ ألا تتفق معي أن اتخاذ كل هذه الإجراءات المتسارعة يعطي الانطباع بأن بدء المحكمة أصبح قريباً؟.
ميشيل: أرجو أن تفرّق بين جهوزية المحكمة وبداية عملها. الجهوزية معناها أن تكون لدينا العناصر في مكانها، ويجب علينا إعلان ذلك لأنه لا يوجد سبب لعدم الإعلان. إذن من ناحية الجهوزية: نعم نحن قريبون للغاية. أما بشأن بداية المحكمة، فهناك عوامل لا تخضع لسيطرتنا. ولذلك لا نستطيع الإجابة بشأن هذا الجانب. إذن الأمر لا يتعلّق فقط باعطائي انطباعاً أننا جاهزون، ولكنني قدمت حقائق موضوعية تظهر أننا بالفعل قريبون للغاية من ناحية الجهوزية.
ـ ولكن ما هو ردك على من يقولون أن الإعلان عن هذه الأمور الخاصة بالجهوزية هي وسيلة لإبلاغ رسائل سياسية لأطراف ما في لبنان بأنّ المحكمة باتت قريبة؟.
ميشيل: على العكس تماما. إذا كنا لم نقدم على الإعلان، خاصة في ضوء الأزمة السياسية الحالية في البلد، فإن هذا قد يعطي الانطباع أن المحكمة هي بطريقة ما أو أخرى هي عنصر في العملية نحو حل الأزمة. لو لم نكن قد تحدثنا، لكنا أعطينا بوضوح، المجال لأي افتراضات جامحة. لذلك أعلنا ما لدينا والروح التي نعمل بها لكي نؤكد أننا لسنا متصلين بأي شكل بالأزمة السياسية الحالية في لبنان. الضروري كان توضيح أن مسار عملية إنشاء المحكمة لن يتم التراجع عنه. ومن مصلحة جميع الأطراف فهم ذلك.
ـ لماذا يستغرق التحقيق كل هذا الوقت، وبطريقة لا تلبي حاجة الرأي العام لمعرفة من قتل الحريري؟.
ميشيل: أسمح لي أن أقول أنك إذا قمت بمقارنة التحقيقات المهمة بشأن قضايا أخرى في دول عدة، بمثل هذه العواقب الهامة، فإنك لا شك ستجد أن ثلاثة أعوام ليست فترة طويلة. نعم، كل من لهم دور في إنشاء المحكمة، وكل من يريدون معرفة الحقيقة ونهاية للتكهنات والمزاعم والاتهامات، كل هؤلاء يريدون رؤية نتيجة التحقيق. ولكن يجب أن أقول لك أنني أشعر بارتياح أنه لا يوجد لدى محقّق يسرع للتوصل لنتائج فقط لكي يرضي فرضيات سياسية. ولكن لدينا شخص يقوم بعمله بطريقة مهنية. أنا أشعر براحة أنه يستغرق الوقت الكافي للتوصل لنتائج تتوافق مع أرفع مستويات العدالة الدولية.
تمويل المحكمة واختيار القضاة
ـ دعني أسألك عن تمويل المحكمة. قلت أن نحو 35 مليون دولار من تكاليف العام الأول جاهزة اضافة الى تكاليف إنشاء المحكمة. أين نقف في هذا الشأن الآن؟
ميشيل: الآن لدينا ودائع وتعهدات تجعلنا نتوقع أن تكاليف العام الأول وتكاليف إنشاء المحكمة قد تم تغطيتها. ولدينا كذلك بعض الأموال الإضافية.
ـ إذن أحد عناصر إنشاء المحكمة وهو الخاص بالتمويل تم الانتهاء منه الآن؟.
ميشيل: من المؤكد أن الامين العام يريد أن يكون هناك تغطية كاملة للعام الأول من العمل وتكاليف إقامة المحاكمة، ومن المؤكد أنه سيواصل جهوده لتوفير التمويل للعامين الثاني والثالث. إذن هو يواصل جهده في هذا الشأن. ولكن في ما يتعلق بالعام الأول وتكاليف الإنشاء، طالما سيتم احترام التعهّدات، فلقد تمّ تغطيتها.
نصر الله والقضاة!
ـ اطلعت على خطاب السيّد حسن نصر الله قبل أيام، ويبدو أنه على دراية بأسماء القضاة اللبنانيين الأربعة الذين سيكونون من ضمن طاقم المحكمة المكوّن من احد عشر قاضياً. بل انه انتقد بعضهم واتهمهم بالتحيّز المسبق.
ميشيل: في الواقع، لا أود للمحكمة أن تكون جزءاً من الجدل الداخلي الدائر في لبنان من أي طرف من الأطراف. والأمم المتحدة والأمانة العامة لا تريد أن تكون جزءاً من هذا الجدل. وما يمكنني قوله هو أن القضاة المحليين والدوليين تم اختيارهم بطريقة حذرة للغاية وفقاً للقواعد المنصوص عليها وبناء على متطلبات عالية المستوى من قبيل النزاهة والمهنية والكفاءة. ومن المبكر للغاية الإدلاء بتعليقات بشأن القضاة. ولعلك تتذكر أنه تم الاتفاق على تشكيل محكمة مشتركة (من لبنانيين ودوليين) تحديدا من أجل التأكيد على مصداقية العملية. ولذلك من بين احد عشر قاضيا، سيكون هناك سبعة دوليين وأربعة لبنانيين. ومن وجهة نظري، هذا يمنح ضمانات كافية أن المحكمة ستكون مستقلة وغير منحازة. وإلى جانب عملية اختيار القضاة، سيكون هناك المزيد من القواعد بشأن الإجراءات والأدلة ستضمن نزاهة العملية. كما أن المدعي العام سيكون دوليا، وقاضي التحقيق الذي سيصدر قرارات الاتهام والاعتقال سيكون دولياً، وفي محكمة الدرجة الأولى ستكون الغالبية دوليين، وفي محكمة الاستئناف الغالبية ستكون أيضا دوليين. وكذلك القرارات التي تتخذ من قبل قاضي التحقيق سيشرف عليها قضاة آخرون، وكذلك الحال بالنسبة لقرارات قضاة محكمة الدرجة الأولى. لذلك أنا أشعر بثقة أن لدينا ضمانات كافية لضمان نزاهة العملية!.
ـ متى تتوقّع إعلان أسماء القضاة؟.
ميشيل: السبب الوحيد لعدم إعلان الأسماء، هو أننا نعلم للأسف أن الموقف الأمني يجبرنا أن نكون حذرين للغاية. وفور أن يعقد القضاة اجتماعهم الرسمي الأول، فإننا سنقوم بإعلان الأسماء.
ـ وماذا عن إعلان قائمة أسماء الدول التي تقوم بتمويل المحكمة؟ أليست هذه أبسط قواعد الشفافية؟
ميشيل: الآن بعد تشكيل لجنة الإدارة، سيعود الأمر للجنة لاتخاذ قرارات بهذا الشأن. وأعتقد أنه فور توافر تصور عام عن المتبرعين الأساسيين، فإنه سيتم الإعلان عن أسماء هذه الدول.
ـ ألا تعتقد أن الإعلان عن أسماء هذه الدول الآن، سيساعد على خلق المزيد من الثقة في نزاهة المحكمة؟.
ميشيل: أعتقد أنه سيكون من مصلحة المحكمة والعملية بأكملها أن يرى الناس أن المال يأتي من مناطق مختلفة من العالم. وهذا سيكون مهما لإظهار أن هناك دعما واسعا ومتنوعا للمحاكمة.
ـ دائما ترددون أن المحكمة باتت أمرا واقعا لا يمكن التراجع عنه، وأن تشكيلها جاء بناء على تكليف من مجلس الأمن. ولكن ماذا لو تغيرت الظروف السياسية في لبنان وجاء رئيس جديد وحكومة جديدة وقالوا إنّهم يودون تأخير العملية أو تعديل بعض الأمور. ماذا سيكون رد فعل الأمم المتحدة؟.
ميشيل: دعني استرجع معنى المحكمة. أعتقد أن هناك دعماً واسعاً للغاية بين اللبنانيين، من دون تفرقة بين الطوائف، حول الحاجة لإنهاء التهرب من العدالة ولكشف الحقيقة. كما يوجد هناك شعور عام بين مختلف الطوائف في لبنان أنه في ضوء الموقف المتوتر الآن والموقف الأمني، فإنه من المستحيل للنظام القضائي اللبناني أن يتعامل مع مثل هذه القضية. لذلك كان هناك دعم واسع لإنشاء محكمة مشتركة. وهذا أمر قررته الحكومة اللبنانية في وقت كانت ما زالت فيه بكامل هيئتها من الوزراء، وكانت الحكومة يرأسها الرئيس. وإنشاء المحكمة أمر تم الاتفاق عليه في الحوار الوطني في أولى جولاته، وكانت هذه أولى القضايا التي وافقوا عليها بالإجماع. ولذلك نحن نعمل على أساس افتراض أن الحقيقة والعدالة هما في مصلحة البلد بأكمله، بشرط أن يتم إنشاء المحكمة وتدار المحاكمات وفقاً لتلك الروح القائمة على الاستجابة لتطلعات الشعب اللبناني الخاصة بوضع نهاية للاغتيالات السياسية باعتبارها أداة غير مقبولة.
لا اعتراضات لبري
ـ ولكنّ البرلمان اللبناني لم يقرّ الاتفاق الخاص بالمحكمة، ومع ذلك دعني أسألك عمّا قلته بأنّ قرار بدء عمل المحكمة يتخذه الأمين العام بالتشاور مع الحكومة اللبنانية. فهل أنّ كلمة التشاور تعني أن موقف الحكومة اللبنانية غير ملزم لكم؟.
ميشيل: التشاور مع، لا يعني الاتفاق مع، ولذلك سيكون المطلوب منا أن نضع في الاعتبار آراء الحكومة اللبنانية. أما في ما يتعلق بموقف البرلمان من قضية المحكمة، فلتسمح لي أن أشير أنني عقدت العديد من الاجتماعات الجيدة مع الرئيس نبيه بري، وهو أطلعني بوضوح أنه لا يوجد لديه شخصياً اعتراضات على إنشاء المحكمة. والسبب الوحيد الذي منعه من عقد البرلمان كان عدم حل الأزمة الخاصة بتشكيل الحكومة. إذن الأمر لم يكن متعلقاً بالمحكمة نفسها.
المصدر: صحيفة السفير اللبنانية