ارشيف من : 2005-2008
أين صارت نيّة حكومة السنيورة في مقاضاة "إسرائيل"؟
بعد الحرب الإسرائيلية الأميركية المشتركة على لبنان شعباً ومقاومة على مدى 33 يوماً بين شهري تموز/ يوليو وآب/ أغسطس من العام 2006، دبّت الحماسة والنخوة في حكومة فؤاد السنيورة لمقاضاة "إسرائيل" على جرائمها ومجازرها بحقّ البشر والحجر على حدّ سواء، وكلّفت وزير العدل شارل رزق والنيابة العامة التمييزية إعداد الملفّات والوثائق اللازمة، وكأنّ الدعوى مقامة غداً! فإذا الأمور متوقّفة مكانها بعد مرور عام ونصف العام تقريباً، على الرغم من وضع سلفة مالية على حساب المصاريف الأولية لهذه المقاضاة.
ويبدو أنّ حكومة السنيورة أرادت أن تكون هذه المقاضاة صورية وإعلامية أكثر مما هي واقعية وحقيقية، متخلّية بذلك عن واجباتها تجاه شعبها، كما في مسائل أخرى متعدّدة في الحياة والمجتمع.. فتناستها وألقتها في الأدراج، ولم تتذكّرها إلاّ بعد نجاح محكمة الضمير العالمي في إدانة "إسرائيل" على أفعالها الجرمية في الحرب المذكورة.
فقد استطاعت لجنة لبنانية أوروبية مؤلّفة من شخصيات سياسية وقانونية تعمل في مضمار المجتمع المدني، النيل من العدو الإسرائيلي بالقانون، وعلى مرأى ومسمع من العالم كلّه، فيما عجزت حكومة السنيورة عن إكمال دعواها لأسباب غامضة، الظاهر منها أنّ النيّة غير موجودة للاستمرار في هذه المقاضاة.. والنيّة هي أساس كلّ عمل ناجح.
وما دامت المقارنة بين خطوة حكومة السنيورة وخطوة اللجنة اللبنانية وردت في غير مجلس، فلا بدّ من التذكير بأنّ اللجنة قامت بعملها بدافع إيصال رسالة مدوّية إلى العالم كلّه، بأن "إسرائيل" أيضاً تحاكم في ظلّ مثابرتها على اقتراف الجرائم والمذابح، وهي ليست فوق القانون كما يتوهّم مريدوها ومناصروها من الدول الغربية والعربية.. ولم ترصد لهذه المقاضاة سوى القليل من المال الناتج عن مساهمات وتبرّعات، فضلاً عن أنّ المحامين والقانونيين اللبنانيين الذين شاركوا في جلسات الدعوى قاموا بواجبهم مجاناً، من دون الحصول على أيّ مردود مالي.
بينما الأمر مختلف في الدعوى التي قرّرت حكومة السنيورة رفعها، فالمحامون والقانونيون اللبنانيون الذين شاركوا في الاجتماعات التحضيرية في وزارة العدل، واستغلّها الوزير شارل رزق للظهور إعلامياً، تبرّعوا بجهودهم وبوقتهم، إلاّ أنّ حكومة السنيورة رصدت لهذه الدعوى ميزانية مالية كبيرة، وحصلت الوزارة على سلفة مالية أوّلية مقدارها مليون وستمئة ألف دولار أميركي بداعي "التمكّن من اتخاذ الخطوات العملية الرامية إلى مقاضاة إسرائيل"، كما ورد في الكتاب المرفوع من الوزير رزق إلى السنيورة بتاريخ 29 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2006.
وكان القاضي شكري صادر قد أعدّ ميزانية أوّلية عما يجب تأمينه من سلفة من أجل البدء باتخاذ الخطوات لتحقيق هذه المقاضاة بناءً على اتصالات جرت بين أعضاء لجنة المحامين اللبنانيين وبعض مكاتب المحاماة الدولية.
وجاءت هذه الميزانية الموقّعة من صادر بتاريخ 15 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2006 على الشكل التالي:
1 ـ مقدار السلفة الأولى عن أتعاب محاماة أربعة مكاتب دولية بمعدّل ألف دولار أميركي للساعة، لمدّة ثلاثمئة ساعة، أيّ 40 يوم عمل: 1000 × 300 = 300.000 دولار أميركي (ثلاثمئة ألف دولار) للمكتب الواحد، أي ما مجموعه للمكاتب الأربعة: 300.000 × 4 = 1.200.000 دولار أميركي (مليون ومئتا ألف دولار).
2 ـ مصاريف قرطاسية وترجمة مستندات، لا سيّما تلك المتعلّقة بالأدلّة ووسائل الإثبات: 200.000 دولار أميركي (مئتا ألف دولار).
3 ـ مصاريف سفر لدعوة ممثّلين عن المكاتب الأربعة للتشاور والتعاقد معهم، أو مصاريف سفر لمن يفوّضهم وزير العدل للذهاب إلى القيّمين على المكاتب الأربعة وإجراء المفاوضات معهم وتوقيع العقود: 10 سفرات بمعدل 10.000 (عشرة آلاف) دولار أميركي للسفرة الواحدة، أي ما مجموعه 100.000 (مئة ألف دولار أميركي).
4 ـ مصاريف الساعات الإضافية لفريق الموظّفين ولمن سوف يستعان بهم من أهل الخبرة الذين سيكلّفون تحضير وتجميع الأوراق من أجل مؤازرة هيئة القضايا في وزارة العدل (100.000) دولار أميركي. هذا مع العلم بأنّ فريق المحامين والقانونيين اللبنانيين هو فريق متبرّع.
إنّ مجموع المصاريف الأوّلية التي يقتضي أن يؤمن مجلس الوزراء سلفة لوزارة العدل بمقدارها قبل بدء الأعمال تبلغ:
1.200.000 + 200.000 + 100.000 + 100.000 = 1.600.000 دولار أميركي (مليون وستمئة ألف دولار أميركي).
وبعد هذه المقارنة وهذا العرض وهذه الميزانية وهذه الأموال التي يفترض أن تكون قد دُفعت، أليس من حقّ الشعب اللبناني أن يعرف أين صارت نيّة حكومة السنيورة في مقاضاة "إسرائيل" على أرض الواقع.. وليس إعلامياً؟!
علي الموسوي
الانتقاد/ العدد1257 ـ 7 آذار/مارس 2008