ارشيف من : 2005-2008
برغم مؤشراتها إلا أن كوابح الحرب قوية أيضاً؟
تتوالى التقديرات السياسية حول امكانية نشوب حرب اسرائيلية جديدة على لبنان، ويعيش الناس حالة ترقب لما تخبئه الاشهر المقبلة من تطورات على هذا الصعيد. فهل تستند هذه التقديرات الى اسس ام انها مجرد مخاوف واوهام؟ وما مدى ارجحيتها في هذا السياق؟
ان اي محاولة لاستشراف ما قد تُقدم عليه "اسرائيل" باتجاه لبنان خلال المرحلة المقبلة ينبغي ان ينطلق، بالضرورة، من نتائج عدوان تموز والتداعيات الداخلية الاسرائيلية والاقليمية والدولية.
في هذا المجال لا يمكن تجاهل حقيقة ان المخطط الاميركي الذي كان مرسوما للبنان والمنطقة قد وجهت له ضربة قاسية جدا من خلال فشل العدوان الذي شنته "اسرائيل" على لبنان في تموز 2006. وخاصة انه كان الورقة الاستراتيجية الاميركية الاخيرة التي يمكن من خلالها التعويض عما فشل الجيش الاميركي نفسه في تحقيقه من خلال احتلاله للعراق، وما عجزت عنه ايضا ادوات الادارة الاميركية في لبنان.
بموازاة ذلك اقرت "اسرائيل" بأشكال مختلفة، وتحديدا عبر لجنة فينوغراد، أن امنها القومي اصبح، بعد هزيمة لبنان، مهددا، جراء نظرتها الى نفسها ونظرة المحيط العربي والدولي اليها.
وبدا واضحا مع توالي التطورات في اعقاب حرب تموز ان الأميركيين والاسرائيليين اصبحوا يقدرون بأن الزمن يتحرك لمصلحة قوى المقاومة والممانعة في المنطقة، لأنه كلما مر الوقت تعمقت ازمة المخطط الاميركي وراكمت الجهات المعارضة قدراتها الكمية والنوعية. هذا الى جانب اقتراب موعد تنحي جورج بوش عن الرئاسة في الولايات المتحدة، وهو الذي تنظر اليه "اسرائيل" على ان وجوده في البيت الأبيض مثَّل ويمثل فرصة تاريخية نادرة...
كل ذلك دفع العديد من المراقبين الى التقدير بأن "اسرائيل" والولايات المتحدة قد تقدمان على خطوات عسكرية استراتيجية بهدف تغيير الواقع القائم الذي ظهرته وكرسته نتائج حرب تموز.
لكن ما تقدم ليس سوى نصف الحقيقة ومن اجل اكتمال المشهد ينبغي الالتفات ايضا الى حقائق اخرى:
ـ تدرك "اسرائيل" أنها لا تستطيع تحمل حرب خاسرة اخرى لما سيكون لها من تداعيات على الامن القومي الاسرائيلي فضلا عن ابعاد تأسيسية تتصل بوجود الكيان الاسرائيلي. وما اعلان قادة العدو وتحديدا رئيس اركان الجيش غابي اشكنازي، بأنه في المرة المقبلة سيكون هناك نصر واضح ينطوي ضمنيا ايضا على اقرار بأنه في حال لم يتحقق هذا النصر ستكون الهزيمة اكثر جلاء ووقعا وتأثيرا.
ـ ولا يخفى ان اي هزيمة مقبلة لـ"اسرائيل" ستشكل دليلا واعلانا نهائيا وقاطعا على انتهاء "اسرائيل" كدولة عظمى اقليمية تؤدي دور الاداة الفاعلة والشرطي الاقليمي القادر.
وعليه فإن الشرط الاساسي والضروري جدا لأي قرار اسرائيلي بشن حرب مقبلة على لبنان او سوريا يستوجب من قبل "اسرائيل" ضمان تحقيق النصر الحاسم، بدرجة مقبولة وبمعقولية مرتفعة.
قائد سلاح الجو الاسرائيلي: لا مثيل لترسانة حزب الله الصاروخية في العالم(*)
إنّ حزب الله يبني نفسه منذ سنوات بمساعدة إيران وسوريا... وأصبح أقرب إلى ما يشبه الجيش. ويمكن ملاحظة ذلك في أدواته وأسلحته وحتى أعدادها التي قد لا تكون لدى الكثير من الجيوش في العالم. مثلاً، ترسانة صواريخه الآخذة بالازدياد والتنوّع مع مرّ الأيّام حتى بعد الحرب. فليس صعباً إرسال شاحنات محمّلة بآلاف أو عشرات الصواريخ يصل مداها لـ10 كلم أو 50 أو 150 أو 300... لا أعتقد أنّه يوجد لهذه الترسانة مثيل في العالم، حتى ضمن الجيوش. اذ قلّما تجد جيشاً لديه هذه الأعداد أو الكمّيّة من الصواريخ والقذائف. وكما يمكنك ملاحظة ذلك في التحكّم والسيطرة، وفي صواريخ البر ـ بحر. حتى نحن ليس لدينا من تلك الصواريخ، وعدد الدول التي تمتلك مثل هذه الصواريخ ليس كبيراً.... وكذلك الامر بخصوص الاعداد الكبيرة للصواريخ المضادّة للدبّابات.
اللواء عيدو نوخشتان قائد سلاح الجو الإسرائيلي الجديد (لم يتول منصبه حتى الآن)
(*)مقتطف من محاضرة ألقاها بعنوان: "متغيرات البيئة الاستراتيجية لاسرائيل وكيفية مواجهتها"/ في مركز القدس للعلاقات العامة/ كانون الثاني 2008.
ومن هنا فإن المسألة الاساسية التي سيكون لها كلمة الحسم هي مدى قدرة العدو على ضمان تحقيق هذا النصر في ظل الاوضاع الحالية، وهي التي قالت على لسان وزير حربها ايهود باراك، إن حزب الله ضاعف صواريخه عما كانت عليه قبل تموز 2006، كماً ونوعاً، وان هذه الصواريخ اصبحت اطول مدى واكثر فتكا. يُضاف الى ذلك ما اعلنه رئيس وحدة الابحاث في الاستخبارات العسكرية، امان، العميد يوسي بايدتس، بأن حزب الله اصبح يمتلك صواريخ يزيد مداها على 300 كلم "قادرة على ضرب ديمونا انطلاقا من منطقة بيروت"، وبأن صواريخ حزب الله اصبحت اكثر دقة وقادرة على حمل رؤوس تفجيرية اكبر. ونقلت صحيفة هآرتس ايضا، ان اسرائيل تقدّر بأن حزب الله يمتلك ما يقرب من 10 الاف صاروخ بعيد المدى (مع التشديد على بعيد المدى).
كل ذلك من دون ان نتحدث عن امكانية نشوب حرب اقليمية تنضم اليها سوريا.. فهل ستستطيع "اسرائيل" ضمان تحقيق نصر في حرب بهذا المستوى، خاصة بعد ما شهدناه في تموز 2006.
هل يعني ما تقدم ان احتمالات الحرب غير واردة: بالتأكيد لا تعني هذه المقالة ذلك، وانما ما تريد قوله هو انه بالاضافة الى وجود اسباب ودوافع لدى كل من اميركا والكيان الصهيوني لشن حرب اضافية على لبنان، الا ان المؤكد ايضا بأن هناك كوابح لا يُستهان بها، بل هي قوية الى حد قد تمنع هذين الطرفين من المبادرة لشن حرب من هذا النوع في ظل الظروف والموازين القائمة حاليا.
جهاد حيدر
الانتقاد/ العدد1257 ـ 7 آذار/مارس 2008