ارشيف من : 2005-2008

الخطاب الجهادي عند الإمام الخميني: الإنسان هو محور النصر أو الهزيمة

الخطاب الجهادي عند الإمام الخميني: الإنسان هو محور النصر أو الهزيمة

في مجتمعات مثل مجتمعاتنا حيث تبدو فيها آفاق المستقبل بائسة وحيث الشباب يطحنه الاستبداد وينخر به اليأس الناشئ عن تغييب الكرامة وفرص العمل والرفاه المعقول واحتكار السلطة وتراكم الثروات بِيَد أقلّية إلى آخر ما تضمّه اللوحة الكئيبة لمشهد الحياة من حولنا!
في جوّ مُكفهر معتم مثل هذا، تعم روح اليأس والإحباط من جهة، وتنمو حالة التسليم بأحادية الخيار الغربي وبالذات الأميركي، وتزدهر ثقافة استحالة التغيير فضلاً عن المواجهة فالانتصار.
هذه الصورة هي أول ما واجهها الفكر الجهادي للإمام الخميني. وقد كانت بالفعل الشرارة الأولى في نهضته.
فحين أطلق الإمام حركته كان "اليأس والسواد يشاهدان فوق كلّ شيء. ولغة المستحيل كانت هي خطاب الأمة الهامس والجاهر". لذلك جاء التحدّي عنيفاً يجسّده إصرار الإمام وعزمه في قوله: "يجب أن نُخرج من عقول الشّعب كلمة "اللاممكن" ونحل محلّها كلمة "الممكن".
كان الإمام الخميني(رض) ومنذ البدايات الأولى لنهضته يرى إمكان المواجهة وجدواها وكذلك إمكان التغيير وتحقيق الانتصار.
 وبهذه الرؤية "حطّمت إيران مقولة أنه لا يمكن لأي دولة الخروج عن طاعة القوى الكبرى، وأثبتت أنّ إرادة الشعوب أقوى من الشيطانين الكبيرَيْن، أي الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، اللذين حاولا شقّ الخلاف بين السنّة والشيعة وبين الإثنيّات المختلفة من أكرادٍ وتركمان وغيرهما".
غير أنّه كان يرى في المقابل أنّ فاعليّة الإنسان المسلم، بل أي إنسان، مكبّلة بالشلل الروحي والمعنوي (احتقار الذات ـ فقدان الثقة بالنفس)، ومقموعة بعقدة الخوف المضخّم. لذا فإنه كان يعتبر أن المنطلق لعملية التغيير يكون في تحرير الإنسان روحيّاً ومعنوياً ثم تطهيره من عقدة الخوف هذه.
ينظر الإمام الخميني إلى أنّ المشكلة الأساسية للشعوب تكمن أولاً، في ركود طاقاتها الإنسانية والروحية. حيث كانت إرادتها مكبّلة بفعل قيود السلطات المحلية وثقافات الغرب المنحرفة (التغريب)، وأنّ حواجز الخوف والتهيّب من الأنظمة المحلية والقوى الكبرى تشلّها عن الحركة، بل وحتى مجرد التفكير بتغيير أوضاعها.
مقولات الفكر الجهادي الخمينيّ أكّدت كثيراً وطوال ثلاثة عقود متوالية على هاتين النقطتين تحليلاً وكشفاً لهما. وفي مقابل ذلك تحرّكت نهضة الإمام لمعالجة هاتين النقطتين من خلال حلّين يستهدف الأول: إعادة بناء الإنسان معنوياً وإنسانياً (استعادة الذات المستلبة). فيما يستهدف الثاني: بعث العزم في إرادة التغيير والحركة عبر كسر حاجز الخوف.
من هنا نرى أنّ نصوص النهضة تفيض في الكشف عن هذه المعاني. ففي أهمية الطاقة الإنسانية وقيمتها يقول سماحة الإمام: "إنهم كانوا يخشون الطاقة الإنسانية. لقد جرّبوا، في التجارب السابقة أنه ربما وقف إنسان واحد أمامهم ومنعهم من إهدار مصالح الشعب. ولذلك فإن تخطيط الأجانب الذين يريدون استغلالنا، هو أن لا يوجد إنسان".
في نص آخر يطالعنا سماحته بالقول: "من أعظم الخيانات أن يجعلوا طاقتنا الإنسانية متخلّفة، ويحولوا دون إصلاحها ونموّها". وفي المقابل يضيف الإمام، فإن: "من أعظم الخدمات أن يسمحوا لطاقتنا الإنسانية بالتكامل والنمو".
من هذه الزاوية بالذات تتمثّل مهمة الإسلام، كما يقول الإمام في أنه "يربّي الإنسان ليكون إنساناً في جميع الحالات". لذلك انصبّت جهود الأنظمة المحلية والثقافات الغربية على تدمير الإنسان وتفريغه من الداخل؛ لجعله مشلول الإرادة، مسكوناً بالقلق والخوف والعجز، وبالتالي مذعناً مستسلماً لإرادتهم ومناهجهم وسياستهم.
وعليه، يكون الإنسان في نصوص النهضة الخمينية، وكما يشير لذلك الإمام مكرراً، هو مركز الهزيمة أو النصر.
الإنسان الصالح العامر بالطاقة المعنوية والروحية قادر على تغيير العالم بأجمعه. هذه الحقيقة بقدر ما جسّدها الإمام في وجوده المبارك، تجسّدت في وجود الصالحين من الأسلاف، فإن سماحته عبّر عنها بقوله: "يمكن لإنسان صالح واحد أن يربّي عالَماً بأكمله. ويمكن أن يجرّ إنسان فاسد طالح، العالم إلى الفساد". 
في ضوء ما سلف يقرر الإمام أنّ "من الممكن القضاء على التبعية العسكرية خلال شهر أو بضعة أشهر. وهكذا فإن التبعية الاقتصادية يمكن تلافيها. إلا أنّ القضاء على التبعية الروحية والإنسانية صعب جداً". وأغلب الظن أننا لم نلتق أبداً في أي تحليل لمفكر أو مثقف أو رائد للنهضة والإصلاح بمصطلح "التبعية الروحية والإنسانية". وبذلك يدخل المصطلح في جملة الإبداعات التي يختصّ بها الفكر الجهادي للإمام الخميني.
أما بالنسبة إلى العقدة الثانية، أي عقدة الخوف المضخّم، التي تنتج بالنسبة إلى الشعوب من الإرهاب المنهجي المبرمج، فأمامنا النص الآتي المثقل بالدلالات والذي أدلى به الإمام للطلاب السائرين على نهجه بعد احتلالهم السفارة الأميركية في طهران، حيث قال سماحته: "من الخطط التي مارستها القوى الكبرى، وتابعتها الدول الصغيرة في ذلك، هي إخافة الشعوب للوصول إلى مآربها. فلقد شهدتم شائعات السافاك في عهد غصب السلطة من قِبَل محمد رضا المخلوع، حتى كانت كل عائلة تظن بأنها إذا تفوّهت بكلمة واحدة عن الشاه فستعاقب على ذلك. وأشاعوا أن السافاك موجود في كل مكان".
أما الطريق الأفضل لتجاوز عقدة الخوف المضخم وإلغاء مفعولها، فيتمثّل لدى الإمام الراحل، بإعادة بناء طاقة الشعب الروحية والمعنوية، ثم دفع الشعب في مواجهة شاملة ضد النظام لإسقاط هيبته، وتجاوز حالة "الصنمية أو الوثنية" التي ترمز إليها. يشير الإمام لذلك بقوله: "إذا أرادت الشعوب التصدّي لحكومة ظالمة أو قوة كبرى، فيجب عليها أن تحطّم الأوثان، تحطّم أولئك "الظُلاّم" الذين تصدّروا الزعامة".
بناءً على ذلك نجد الإمام يختزل القيم المتعددة في نهضة الشعب الإيراني، ويعود بها، على هذا الصعيد، إلى قيمة واحدة هي الأصل الذي تتفرّع منه القيم الأخرى. يقول سماحته في التعبير عن هذه القيمة: "المهم أننا نملك شعباً واعياً حطّم الخوف وأزاله. وإنه اليوم لا يخشى شيئاً، بينما كان يخشى في العهد البائد شرطياً.
إنّ هذا الشعب استطاع بصرخاته العالية أن يحطّم القوى ويطيح بالطاغوت الحاكم في إيران بعد أن أبعد الخوف عنه".
اسماعيل زلغوط
الانتقاد/ العدد1257 ـ 7 آذار/مارس 2008

2008-03-07