ارشيف من : 2005-2008
سترحل البارجة.. فهل يبقى السنيورة؟
ليلى نقولا الرحباني
البارجة كول على الشواطئ اللبنانية وفي مياهنا الاقليمية، واللبنانيون بين مرحب بها ومستهجن لاختراقها السيادة اللبنانية ورافض لهذا النوع من الاستفزازات والتحدي.
المدمرة كول على الشواطئ اللبنانية، والموالون يرحبون كالاطفال. واذا كان البعض منهم نسي او تناسى تجارب الدعم الاميركي والاسرائيلي له، وهي ليست من العصور الغابرة، بل موجودة في تاريخنا الحديث ومع أمراء الميليشيات هؤلاء أنفسهم، فنحن هنا لنذكرهم:
انها ليست المرة الاولى التي يأتي المارينز فيها الى شواطئنا، فالمرة الاولى كانت عام 1958 عندما أيد "فتى العروبة الأغر" الرئيس كميل شمعون مشروع أيزنهاور وحلف بغداد، ما أدى الى ثورة في لبنان عام 1958، فهب الاميركيون لمساعدة النظام اللبناني، كما أشيع، وتم انزال المارينز على شواطئ لبنان على اثر الانقلاب العسكري في العراق الذي اطاح بالمملكة الهاشمية. لكن المظاهر الاستعراضية هذه انتهت باتفاق اميركي مع رئيس الجمهورية العربية المتحدة آنذاك جمال عبد الناصر على انتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية، العدو السياسي اللدود للرئيس شمعون. فهل يذكر رئيس بلدية دير القمر هذه التجربة مع والده؟
وفي العام 1982 وبعد الاجتياح الاسرائيلي الثاني، وعلى أثر ترحيل الفلسطينيين عن لبنان قام الاميركيون بإنزال المارينز على شواطئ بيروت، متذرعين بأن السياسة الاميركية تهدف الى دعم لبنان وسيادته كما صرح الرئيس الاميركي رونالد ريغن. ومن ينسى كيف ان الرئيس الاميركي ريغن نظم أشعاراً وقصائد في الحفاظ على لبنان وسيادته واستقلاله، تماماً كما يفعل الرئيس الاميركي جورج بوش اليوم، حيث يطالعنا صباحاً وظهراً ومساء بالدعم للسنيورة وحكومته والتغني بثورة الارز المجيدة.
واستمر الدعم الكلامي الاميركي لامين الجميل بالرغم من انسحاب الجنود الاميركيين على أثر العملية التي استهدفتهم وادت الى مقتل حوالى 280 منهم، وكلنا يذكر كيف ان الجميل آنذاك شعر بنفس الاحاسيس التي يشعر بها السنيورة الآن، "انه رجل الاميركيين الاول"، فبات يهدد ويتوعد الدول الاقليمية المجاورة، والحمم تتساقط على رؤوس اللبنانيين.
لكن "رجل الاميركيين الاول" هذا لم تنفعه علاقته الجيدة معهم والكلام الداعم الذي أغدقوه عليه، فغضت الادارة الاميركية النظر عن ارغام ميليشيات "القوات اللبنانية" له على القبول بالنفي القسري فور انتهاء عهده، واحتلالهم لمراكز الكتائب اللبنانية في المتن الشمالي. فهل يذكر الجميل هذه التجربة، ام ان معركة المتن الانتخابية الاخيرة أفقدته الذاكرة؟
وعندما انتهى عهد الجميل وتشكلت حكومة انتقالية يرأسها العماد ميشال عون عام 1988، قام السفير الأميركي ادوارد ووكر والرئيس رفيق الحريري (ممثلاً السعودية) بإغداق الوعود على البطريرك الماروني بأن سوريا ستختار رئيساً للجمهورية من خمسة مرشحين موارنة "يختارهم غبطته". وانتهى الامر بوعود لم ينفذ منها الاميركيون شيئاً. فهل يذكر غبطته هذه التجربة، أم ان الذاكرة بدأت تخون البطريرك بعد الصدمة عندما اختار المسيحيون العماد ميشال عون زعيمهم الاقوى (كما اعترف غبطته)؟
ونأتي الى سمير جعجع، الذي اتكل على الاسرائيليين، فانسحبوا فجأة في ليلة ظلماء متخلين عنه وقواته في منطقة الجبل، ما أدى الى مجازر بين القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي ما زال المجتمع اللبناني يئن تحت فظاعتها لغاية الآن.
ومَن ينسى دعوة السفير الأميركي جون ماكارثي من إهدن الى سمير جعجع، للوفاء بوعده والتحرك ضد الحكومة الشرعية بقيادة الجنرال ميشال عون. وبسرعة اطاع جعجع الاوامر وأدى المهمة المطلوبة منه بالضبط، فدخل السوريون المناطق "الشرقية" بدعم أميركي واضح. لكن كل هذه "الخدمات" للأميركيين، لم تنفع جعجع وغضت الإدارة الأميركية النظر عندما سجن سمير جعجع وفتحت له ملفات الجرائم التي ارتكبها.
هذه تجارب الدعم الاميركي لأمراء الميليشيات المسيحيين، فهل تتكرر مع السنيورة؟
بارجة عسكرية اميركية في مياهنا الاقليمية، فأين هي مبادئ السيادة والاستقلال التي أتحفنا بها السياديون الجدد طيلة ثلاثة اعوام؟ ثلاثة أعوام مغمسة بالدماء، ومحتقنة بالازمات المتعاقبة والمزايدات الفارغة: سرقوا شعارات التيار الوطني الحر وأغانيه ومقولاته وزايدوا عليه بها. قدموا شهداء لا يتعدى عددهم اصابع اليد، وزايدوا على المقاومة وأهلها وعلى الشعب اللبناني بالشهداء، ومارسوا أبشع أنواع العنصرية.. عنصرية الشهادة، فشهداؤهم أبطال، وشهداؤنا مجرد ضحايا.. لشهدائهم المجد وأوسمة الشرف، ولشهدائنا القصص الاعلامية التي تقول: إما انهم ارادوا الموت لاستدرار العطف، او انهم ارهابيون، أو غير ذلك من أكاذيب امبراطورياتهم الاعلامية.
الانتقاد/ العدد1257 ـ 7 آذار/مارس 2008