ارشيف من : 2005-2008

حدث في مقالة: هل الحرب في المنطقة حتمية أم أن هناك خيارات أخرى؟

حدث في مقالة: هل الحرب في المنطقة حتمية أم أن هناك خيارات أخرى؟

كتب مصطفى الحاج علي

هل الحمولة الزائدة من التوتر والتهديدات المتبادلة والحرائق المشتعلة على امتداد المنطقة هي بشائر انفجار كبير يعيد خلط الأوراق والتوازنات، وتحديد مآلات الأمور والأوضاع، أم أن نفس هذه الحمولة الزائدة هي لتثقيل المشهد الاقليمي حتى لا ينفلت من عقاله؟
هذه الأسئلة فرضت نفسها بقوة على مجمل الرأي العام المحلي والاقليمي، لدرجة بتنا لا نسمع إلا هواجس الحرب المقبلة، وما يمكن أن تحمله من تداعيات ونتائج. وحدها ـ بصورة مفارقة ــ بدت التسويات غير حاضرة في الحوارات والنقاشات والكتابات، وكأن زمنها ولّى، أو أن توقيتها لم يعد ملائماً، وأن ظروفها ليست متوافرة، ما يجعل قابلياتها للوجود في هذه المرحلة تكاد تكون معدومة، الأمر الذي يحصر الاحتمالات باحتمالين رئيسيين: إما انفجارات تعبر عن نفسها بحروب، وإما ضغوط وتهديدات تتوخى رسم حدود ومعالم "استاتيكو" تكون معه امكانية ترحيل الأزمة إلى ما بعد الانتخابات الأميركية بهدوء نسبي، أو تفجيرات مضبوطة الإيقاع، أمراً ممكناً.
لمزيد من الايضاح نعرض هنا لوجهتي نظر، لكل منهما مصادر قوتها ونقاط ضعفها، ومن ثم رؤيتها لمسار الأمور.
وجهة النظر الأولى  تقرر أن الحرب واقعة لا محالة، وتحديداً بين واشنطن وطهران، وعلى ذلك يمكن إيراد جملة من الشواهد والأسانيد أبرزها:
أولاً: ان كل الخطاب السياسي  الأميركي لم يعد يرى له من عدوٍ استراتيجي يهدد مصالحه ويتعامل معه من موقع الند للند، سوى الجمهورية الاسلامية الإيرانية، فهو يحملها مسؤولية وتبعات كل اخفاقاته الأساسية في المنطقة، بدءاً من أفغانستان مروراً بالعراق ولبنان وانتهاءً بفلسطين. هذا الى جانب تصنيفه إيران في خانة الدول الارهابية، وإدراج اسمها في لائحة الدول الشريرة الذي بات يستخدم مؤخراً على نطاق واسع. وأكثر من ذلك، فإيران تتموضع بطاقاتها وإمكانياتها في موقع استراتيجي من شأنه أن يهدد كل مشروع واشنطن للقرن الجديد، والمتمحور حول محور رئيسي هو الهيمنة الأحادية القطبية على النظام الدولي.
فكيف إذا أضيف الى هذا كله نجاح النظام الاسلامي في بلورة تجربته الخاصة، الأمر الذي يجعل منه نموذجاً يُحتذى! وإذا أضيف أيضاً ـ وهذا الأخطر ـ طموح طهران النووي، الذي قطعت فيه أشواطاً كبيرة بنجاح نوعي..
الأمر الذي يهدد بالمعنى الاستراتيجي الواسع للكلمة وجود الكيان الصهيوني في المنطقة، وهذا ما لا يقوى على تحمله لا واشنطن ولا الكيان الاسرائيلي نفسه.
ثانياً: إن حزب الحرب في إدارة بوش المؤلف من بوش نفسه وإليوت إبرامز، سوف يبقى يمارس لعبة الحرب لنهاية ولاية هذه الإدارة استناداً الى الاعتبارات التالية:
أ ـ الطابع الايديولوجي لهذا الحزب الذي لا يمكن أن يركن الى أنصاف الحلول أو التسويات، ولا يرى الأمور إلا بأحد لونين: إما الأبيض وإما الأسود.
ب ـ اعتبار الإدارة في هذه المرحلة متحررة من أي قيود داخلية، وهذا بحد ذاته فرصة.
ج ـ العمل على فرض توجهاتهم الاستراتيجية على الادارة القادمة، فإذا كان الفائز هو ماكين، فهذا نعم الحدث، لأنه سيكمل ما بدأوا، وإذا فاز المرشح الديمقراطي فسيرى نفسه أمام واقع معقد لا يمكنه تجاوزه وعدم أخذه بالاعتبار، ما سيفرض عليه التعاطي معه كما هو.
د ـ اعتقاد هذا الفريق أنه ما لم يَتعاطَ مباشرة مع قاعدة محور المقاومة، فلن يتمكن من إضعاف حلفائها في المنطقة.
ثالثاً: إن حجم وخريطة انتشار القوة العسكرية الاميركية في الخليج أو على مقربة منه، اضافة الى قدرة واشنطن على الانطلاق بقصف جوي من أراضيه، يقول إن هذه القوى ليست للضغط فقط، وإنما تعد المسرح استعداداً للجولة الحاسمة.
رابعاً: ان أي ضربة عسكرية لإيران اليوم لن تحظى بردود فعل مؤثرة لا على الصعيد الاسلامي حيث وضع الحاجز المذهبي بين ايران وبقية المسلمين، ولا على الصعيد الدولي، حيث مهما بلغ الموقفان الروسي والصيني فلن يصلا الى حد الاعلان عن الوقوف الى جانب ايران في هذه الحرب، نظراً لتعقيدات حساباتهما المتنوعة.
خامساً: ان المناطق التي يُخشى منها أن تقوم بردود فعل معينة يجري تطويقها ومحاصرتها من الآن بالضغوط والتهديدات والحرائق المتنقلة من سياسية وأمنية وعسكرية، لشلها عن الحركة.
سادساً: صحيح أن أوروبا تعارض عملا عسكريا واسعا ضد إيران، إلا أنها بحسب العديد من المعطيات، قد لا تمانع توجيه ضربة موجعة ومؤثرة الى إيران، تدفعها الى مراجعة كل حساباتها.
سابعاً: ثمة جهد اميركي واسع يُبذل منذ مدة لإيجاد تحالف موضوعي بين عرب أميركا والكيان الاسرائيلي وتوفير الغطاء اللازم لهؤلاء العرب، ليوفروا بدورهم الغطاء العربي لحرب كهذه. وفي هذا الإطار يمكن ادراج جهد التقارب الأخير، وهو جهد غير بريء، لأنه يريد حماية الذات وإحراج ايران ومنعها من التعرض للقواعد العسكرية في الخليج، بذريعة أنه تعرض لسيادة هذه الدول.
ولا يخفى هنا ان تسعير المناخ المذهبي يستهدف بدوره منع اي تفاعل اسلامي شامل وإيجابي مع طهران وضد واشنطن.
من الواضح أن هذه القراءة تغيب عوامل كثيرة ليست لمصلحتها، أبرزها:
أولاً: ان القدرات العسكرية الاميركية، ولا نقول القوة العسكرية، هي في حالة تآكل استراتيجي جراء الفشل المتتالي والنزف المستمر والتوزع على أكثر من جبهة.
ثانياً: لقد برهنت حرب لبنان أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال حسم الحرب أو الفوز بها من خلال الاعتماد فقط على القصف الجوي أو القصف من بعد. بل أكثر من ذلك فإن السحر يمكن بكل بساطة أن ينقلب على الساحر. ولا يبدو في الوقت نفسه أن واشنطن في وارد أو لديها القدرة على اجتياح إيران، التي ليست العراق بالتأكيد.
ثم ان أميركا يمكن أن تبدأ الحرب، لكن بالتأكيد لا تملك التحكم بمسارها ولا بنتائجها، وإذا ما فشلت الضربة الاميركية فإن ايران ستخرج أقوى مما كانت عليه، في الوقت الذي ستكون لذلك نتائج كارثية بالمعنى الاستراتيجي على واشنطن، ليس في المنطقة فحسب، وإنما على الصعيد العالمي أيضاً.
ثالثاً: برغم كل مظاهر تبدل أولويات واشنطن، فإن أولى أولوياتها يبقى تنظيم وإدارة فشلها الاستراتيجي في العراق. ومن نافل القول إنها محكومة بتخفيض عديد قواتها خلال العام المقبل والقيام بإعادة انتشار وتموضع، وهذا ما يتطلب تخفيضاً للتهديدات، وإيجاد استقرار نسبي، وهذا لا يمكن أن يتوافر من دون دور مركزي لإيران فيه. وإذا تصورنا قيام واشنطن بحرب، فلنا أن نتصور وضع جنود الاحتلال الاميركي في العراق.
رابعاً: الواقع الاقتصادي والمالي الضعيف لواشنطن الذي يهدد الاقتصاد الاميركي بحالة انكماش تذكر بمراحل الثلاثينيات.
خامساً: الانعكاسات التي يمكن ان تترتب على أسعار النفط وانعكاس ذلك بدوره على مجمل الاقتصاد العالمي، الذي من شأنه أن يجعل أي حرب في الخليج حرباً معنياً بها كل العالم، لا سيما الدول الصناعية التي لا يمكن أن تقف أو أن تترك واشنطن تأخذ العالم الى حالة فوضى شاملة وهي تتفرج.
سادساً: تبدل المشهد الدولي، حيث لم تعد واشنطن هي القطب الذي لا ينازع، فأميركا اللاتينية تخرج من يد الهيمنة الاميركية، وروسيا عادت بقوة الى ساحة المواجهة الدولية، والصين ترى في ايران والعلاقة معها أحد مصادر قدرتها على التحرر من إكراهات السياسة الاميركية.
سابعاً: ان دول أميركا الخليجية، صحيح أنها في داخلها تحب أن ترى إيران مضروبة عسكرياً، إلا أنها في الوقت نفسه تدرك أن أي حريق في الخليج لن تسلم منه، وخصوصاً أنها أنظمة هشة تعوم على آبارٍ النفط السريعة الاشتعال.
ثامناً: لدى إيران من القدرات المتعاظمة الذاتية، كما لها في حلفائها المنتشرين على جغرافية المنطقة والعالم، من القدرة ما من شأنه ان يضع واشنطن في مواجهة شاملة ومفتوحة لا تعرف كيف تنتهي.
كل ذلك من شأنه أن يرجح الرؤية الثانية، التي ترى أن واشنطن تمارس اليوم استراتيجية مركّبة إزاء ايران وحلفائها في المنطقة، وهذه الاستراتيجية قوامها التالي:
أولاً: اعتماد استراتيحية العقوبات المتدرجة لكن المتصاعدة اقتصادياً ومالياً وسياسياً وإعلامياً إزاء ايران، لإنهاكها في هذه المجالات وفتح ثغرات داخل النظام الاسلامي، تسمح بافتعال مشاكل داخلية له وتزخيمها لاحقاً.
ثانياً: احتواء ما تراه نفوذاً أو مراكز قوة لإيران في المنطقة، والمتمثل بـ:
أ ـ العلاقات الإيرانية ـ السورية.
ب ـ حزب الله في لبنان.
ج ـ حماس في فلسطين.
د ـ الاحتضان الأيديولوجي للقضية الفلسطينية.
هـ ـ النفوذ القوي في العراق.
و ـ قوة النموذج الايراني.
ز ـ علاقة ايران بمختلف قوى المقاومة والممانعة، خصوصاً الشعبية منها.
 من هنا فإن واشنطن حاولت في تموز ضرب حزب الله في لبنان، وتحاول اليوم عبر الكيان الاسرائيلي أيضاً ضرب حركة حماس في غزة.. كما تبذل مع أتباعها من عرب أميركا جهوداً ضاغطة قوية لدفع سوريا الى فك تحالفها مع ايران.
إلا أن كل هذه الجهود باءت بالفشل وستبوء، الأمر الذي لا يترك أمام واشنطن سوى إدارة أزماتها وإشغال حركات المقاومة أمنياً تارة وعسكرياً تارة ثانية وسياسيا تارة ثالثة، واستحضار كل عوامل الضغط لفرض "ستاتيكو" ما، ولحماية أدواتها من السقوط النهائي، وبالتالي ترحيل الأزمات الى ما بعد الانتخابات الأميركية.
الانتقاد/ العدد1257 ـ 7 آذار/مارس 2008  

2008-03-07