ارشيف من : 2005-2008
إيران تسخر من العقوبات الجديدة: مؤشر إضافي على عقم الخيارات الأميركية
عندما غامر وزير الخارجية الاميركي كولن باول وعرض امام مجلس الامن الدولي في جلسة بثت عبر شاشات التلفزة العالمية مباشرة ما اسماه ادلة حسية على امتلاك العراق برنامجا نوويا يخالف فيه نظام العقوبات الذي فرضته عليه الامم المتحدة عقب غزوه الكويت، لم يكن ـ ربما ـ يعرف ان ما يفعله هو مجرد كذبة لفقتها اجهزة استخبارات معينة بالتواطؤ مع فريق من صقور ادارة جورج بوش، واعدوها كمسرحية تولى هو تقديمها لتبرير غزو هذا البلد عام 2003 والذي تصادف هذه الايام ذكراه الخامسة.
واذ اوقعت المغامرة الاميركية الولايات المتحدة في مأزق لا تعرف كيف تخرج منه حتى الان وتستنجد بألد اعدائها ـ اي ايران ـ من اجل مساعدتها على ايجاد حل ما يقلل من خسائرها الاستراتيجية التي طالت ليس هيبة اميركا فحسب، بل قدرتها على المبادرة ومعالجة الازمات وحماية مصالحها فضلا عن الاحتفاظ بنفوذها في غير مكان في العالم من خلال الاستخدام الايجابي ـ اي مجرد التلويح ـ للقوة العسكرية الاقوى في العالم، بعدما انتهى الاستخدام السلبي ـ التطبيقي ـ لهذه القوة واخفق.
اليوم تبدو واشنطن ازاء مأزق مشابه من حيث العناصر الشكلية لكنه مختلف من حيث المكوّنات الموضوعية: فالعدو هنا الجمهورية الاسلامية في ايران واللعب مع الكبار مختلف، لذلك بات معروفا ان هناك انعداما في الخيارات الاميركية ازاء البرنامج النووي الايراني الذي هو مجرد ذريعة للتخلص من عناصر قوة ايران التقليدية وغير التقليدية، وتحويلها الى بلد شبيه بالعراق حاليا ومن دون اي فعالية اقليمية ودولية بعدما باتت الجمهورية الاسلامية من الدول ذات القوة والنفوذ الكبيرين جداً والتي تعمل في مجالات جغرافية واسعة جداً تصل الى مياه البحر الابيض المتوسط كما يوصّفها خبراء اجانب، اضافة الى مجالها المتاخم لحدود القوى العظمى الاخرى اي روسيا والصين.
وعليه فإن هذا الانحسار في مؤشرات القوة الاميركية عبر عن نفسه في طريقة تراجع الخطاب الاميركي من التهديد بالحرب ـ وان كانت خيارا ما زال قائما ولكن من باب الجنون وليس تقدير الوضع المنطقي ـ الى التمسك بخيار العقوبات العقيم بحيث بات مجرد وسيلة لتقول واشنطن للعالم انها لا تزال فاعلة ومؤثرة وتلاحق ايران، من دون ان تحقق طبعاً اي نتائج ميدانية. وهو ما اكدته خمسة عشر شهرا من العقوبات الصادرة عن مجلس الامن الدولي والتي لم تترك تأثيرات على نشاط ايران النووي السلمي بحيث استمرت في تخصيب اليورانيوم، اضافة الى تصنيع وتركيب اجهزة طرد مركزي اضافية بحسب ما اكد التقرير الاخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وعليه فإن العقوبات الاضافية الخفيفة ايضا والتي وردت في القرار 1803 الذي ينضم الى سابقيه القرار 1737 و1747 لا يمكن التعويل عليها.
ويوسع القرار قائمة الاشخاص والمؤسسات المرتبطين بالبرنامجين الايرانيين النووي والبالستي والذين جمدت اموالهم في الخارج ومنع بعضهم من السفر. ويمنع ايضا تسليم ايران معدات حساسة ذات استخدام مزدوج (مدني وعسكري). ويحض القرار الدول على التزام اليقظة في مراقبة العمليات المالية مع المصارف الايرانية. وخصوصا مصرفي ملي وصادرات. وعلى غرار القرارين السابقين يمهل القرار ايران ثلاثة اشهر لتعليق انشطة تخصيب اليورانيوم ومعالجته قبل ان يتجه الى تبني سلسلة جديدة من العقوبات. لكن هذه الحزمة من العقوبات تضمنت في اكثر من فقرة عبارة "قيود طوعية" بمعنى انها لا تنطوي على الزام اجباري للدول بقدر ما تتعلق برغبتها بالالتزام بها، وهو ما اشار اليه البيت الابيض في اول تعليق له على القرار عندما رحب به لكنه امل ان تفي الاطراف الاخرى بالتزاماتها وتطبق العقوبات لا ان تهملها كما هو حاصل حالياً، بالاضافة طبعا الى ما تتمتع به الجمهورية الاسلامية من امكانيات للالتفاف على هذه العقوبات بفعل شبكة علاقاتها المؤثرة مع التفات العديد من الدول الى ان ما تريده واشنطن لمصالحها هو عكس مصالح الكثير من الدول المتضررة اذا ارادت تطبيق العقوبات على ايران.
واذا كانت ايران تستهزئ بالقرار وتعتبره مجرد قصاصات ورقية تضاف الى سابقاتها وليبقوا يصدرونها طوال مئة عام كما قال الرئيس محمود احمدي نجاد، فإنها من ناحية ثانية تعطي طهران مبررا اضافيا لتصليب موقفها في المفاوضات ما دام ان هناك مخالفات جسيمة للقانون الدولي، اولاً عبر احالة الملف الى مجلس الامن وهو من اختصاص الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وثانيا عبر فرض عقوبات بناءً على افتراضات وليس وقائع وادلة، وبالتالي فإن طهران لديها حجة قوية للتشكيك بالنوايا الفعلية لهؤلاء وللتصرف بما توجبه عليها مصالحها الوطنية والقومية بمعزل عن اي اعتبارات اخرى، ما لم يتراجع المعنيون ويعيدون الملف الى الوكالة، وبالتالي تستطيع ان تذهب نحو تصعيد اكثر في طريقة تعاملها مع الوكالة الدوية ما دام ان الملف بات خارج نطاقها.
هذا مع الاشارة الى ان الولايات المتحدة جردت القرار 1803 من مضمونه الفعلي عندما اعتبرت ان مجلس الامن اقر في هذا التصويت على التهديد المستمر الذي يشكله البرنامج النووي الايراني، في حين اعتبرته روسيا اشارة سياسية قوية لطهران بضرورة التعاون، كما رأت الصين ان الهدف ليس معاقبة ايران وانما دفعها الى استئناف الحوار وتحريك جولة جديدة من الجهود الديبلوماسية، وهو ما تمثل بطلب الدول الست الكبرى من الممثل الاعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا الالتقاء سريعاً مع المسؤول عن الملف النووي الايراني سعيد جليلي لمحاولة الخروج من المأزق، الامر الذي ردت عليه طهران بأنها لن تتفاوض حول ملفها النووي إلا داخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع أنها اشارت إلى استمرار التعامل مع اوروبا.
وعليه يمكن القول ان ما يجري هو مجرد عملية تقطيع وقت غير ذي جدوى واجترار لخيار عقيم بسبب متانة وقوة الموقف الايراني.
عبد الحسين شبيب
الانتقاد/ العدد1257 ـ 7 آذار/مارس 2008