ارشيف من : 2005-2008

زيارة نجاد التاريخية.. والآفاق الجديدة للعلاقات بين إيران والعراق

زيارة نجاد التاريخية.. والآفاق الجديدة للعلاقات بين إيران والعراق

بغداد ـ "الانتقاد"
 يلخص البيان المشترك الذي صدر في وقت واحد من العاصمتين الايرانية طهران والعراقية بغداد، بعد انتهاء الزيارة التاريخية للرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الى العراق، ما حققته تلك الزيارة من نتائج ومعطيات، وما يمكن ان تفتحه من آفاق في مسيرة العلاقات بين البلدين، بعد عقود من القطيعة واضطراب الثقة او انعدامها، والبحث في اجندات التآمر والعدوان. ولعل مذكرات وبروتوكولات التفاهم السبعة التي ابرمت بين الجانبين الايراني والعراقي في مراسيم خاصة حضرها كل من الرئيس العراقي جلال الطالباني والايراني محمود احمدي نجاد، تعكس جانبا كبيرا من الابعاد والمعطيات الايجابية لزيارة نجاد.
وهذه المذكرات والبروتوكولات تمحورت في مجالات الطاقة والتأمين والتعاون الصناعي المعدني وبناء المجمعات السكنية والنقل ومكافحة الارهاب والشؤون المصرفية، أي انها ترتبط بالجوانب السياسية والاقتصادية والامنية والخدمية، وهذا يعني ان تلك  المذكرات والبروتوكولات ستفتح الابواب على مصاريعها لتعاون عالي المستوى ومتعدد الجوانب والاتجاهات بين بغداد وطهران، وستعود بالنفع الكبير على العراق، الذي يواجه مشكلات في ضعف البنى التحتية، وقلة الخبرات، وانعدام الاستثمارات الحقيقية.
وهنا فإن الخبرات والتجارب الايرانية يمكن ان تساهم في معالجة جزء مهم من نقاط الخلل وجوانب القصور فيما يتعلق بضعف البنى التحتية، وقلة الخبرات، والرساميل الايرانية ستساهم هي الاخرى في معالجة مشكلة انعدام الاستثمارات، ولعل قيام وزير الطاقة الايراني برويز فتاح الذي كان احد اعضاء الوفد المرافق للرئيس نجاد مع وزير الكهرباء العراقي كريم وحيد بوضع الحجر الاساس لمجمع لانتاج الطاقة الكهربائية بين محافظتي النجف الاشرف وكربلاء المقدسة، يمثل مؤشرا واضحا على ذلك الاتجاه، فضلا عن اعلان طهران تقديم قرض ميسر للعراق بقيمة مليار دولار، مقترنا بقيام شركات ايرانية باختصاصات متنوعة بتنفيذ مشاريع استثمارية تساهم في تفعيل وترجمة الاتفاقيات المبرمة على ارض الواقع. ويلاحظ ان النقاط الخمس الاولى من البيان المشترك تركزت وتمحورت حول الجوانب الاقتصادية، والتأكيد على اهمية تعزيز التعاون فيها.
بينما تمحورت النقاط الاخرى في البيان على قضايا تعزيز المصالحة الوطنية في العراق ودعم ومساندة العملية السياسية، وتعزيز العلاقات بين الجانبين، وقد حرص الرئيس الايراني على التأكيد بكل وضوح وصراحة على دعم طهران للحكومة العراقية باعتبار انها منتخبة من قبل الشعب ومنبثقة منه، وكذا دعم العملية السياسية وجهود المصالحة المبذولة من قبل مختلف القوى والتيارات السياسية العراقية، ويستتبع ذلك المساعدة في التصدي للارهاب باعتباره العنصر المعرقل بالدرجة الاساس لمسيرة الحراك السياسي والاقتصادي والحياتي في العراق، وقد كان الموقف بهذا الشأن واضحا، فالجانبان اكدا ادانتهما للارهاب بكافة أشكاله واستنكارهما "للأعمال الإرهابية ضد الأهداف الإنسانية والمراكز الاقتصادية والمنشآت الحكومية والأماكن الدينية في العراق، وتأكيد الجمهورية الإسلامية الإيرانية دعمها التام لإرادة وعزيمة الحكومة العراقية والشعب العراقي لمواجهة هذه الأنشطة الإرهابية والإجرامية بشكل شامل".
واعتبر الرئيس احمدي نجاد ان احد الاسباب والعوامل الرئيسية للارهاب في العراق هو احتلال القوات الاجنبية لاراضيه، مشيرا الى ان رحيل تلك القوات يمثل بداية حقيقية لطوي صفحة الارهاب في هذا البلد، وقد قال بالنص في رده بشكل ضمني على اتهامات الرئيس الاميركي جورج بوش لايران بدعم الارهاب "ليس لدينا الوقت الكافي حتى نسمع ما يقوله الاخرون، لكن فيما يتعلق بالارهاب فهو يضر الجميع ولا بد ان تتم مكافحته عبر جهود الجميع".
ومثلما اشارت بعض الاوساط فإن "مجمل الاتفاقيات التي تم ابرامها هي ليست الا بدايات لافاق مفتوحة من التعاون المشترك سينبئ عنها المستقبل بشرط الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واعتماد مبدأ المصالح المشتركة وذلك لتجنيب المنطقة اثار تداعيات صراعات اقليمية محتملة، وحسبنا هنا ان نتذكر الحروب الحدودية التي جرّتها السياسة الديكتاتورية والاضرار البشرية والمادية البالغة التي اصابت المجتمع العراقي".    
واذا كانت مذكرات وبروتوكولات التفاهم السبعة المبرمة بين طهران وبغداد، مؤشرا على النجاح الكبير لزيارة نجاد لبغداد، فإن هناك مؤشرات اخرى تعزز وتؤكد هذا التقويم، منها ان الرئيس الايراني عقد مباحثات معمقة حول مختلف المسائل مع كبار الشخصيات السياسية في البلاد كرئيس الجمهورية جلال الطالباني، ورئيس الوزراء نوري المالكي، وزعيم كتلة الائتلاف العراقي الموحد ورئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي السيد عبد العزيز الحكيم، ومنها ايضا ان نجاد التقى عددا كبيرا من شخصيات ونخب سياسية وعشائرية وفكرية واجتماعية تمثل مختلف مكونات الطيف العراقي، اضافة الى دبلوماسيين عرب واجانب معتمدين في بغداد، وتحدث في جلسات عديدة عن واقع العلاقات العراقية الايرانية والمصالح والقواسم المشتركة التي ينبغي ان تكون مرتكزا ومنطلقا لعلاقات ايجابية، وفي ذات الوقت استمع الى الكثير من الملاحظات والافكار والرؤى والتصورات من زائريه سواء في مكان اقامته في المقر الرئاسي للرئيس العراقي، او في داخل مبنى السفارة الايرانية ببغداد، او في المقر الرسمي للسيد عبد العزيز الحكيم، حيث اقيمت مأدبة عشاء كبرى على شرف الرئيس نجاد حضرها عدد كبير من الشخصيات السياسية والمسؤولين في الدولة العراقية. 
اضافة الى ذلك فإن التحرك المعلن للرئيس الايراني في بغداد، وعلى امتداد يومين متواصلين مثل بنظر المراقبين السياسيين نقطة قوة حقيقية، ومؤشرا اخر على نجاح الزيارة، وقد اشار الرئيس نجاد بنفسه الى  ذلك الامر بقوله: "الاساس في تبادل الزيارات ان تكون علنية، يجب ان تسألوهم لماذا يأتون سرا الى هنا"، في اشارة الى الزيارات الخاطفة والمفاجئة وغير المعلنة التي يقوم بها الرئيس الاميركي وزعماء دول اجنبية اخرى للعراق.
الى جانب ذلك فإن ردود الافعال والمواقف الايجابية والتعاطي الجيد لمختلف الاوساط الشعبية والمحافل السياسية ووسائل الاعلام العراقية مع زيارة نجاد تعد واحدا من عناصر نجاحها، واذا كانت قد ظهرت مواقف سلبية بالاتجاه الاخر من هذا الطرف السياسي او ذاك، او هذه الفئة او تلك، فإنها بالمحصلة والاطار العام لا تمثل الا جزءا صغيرا جدا من الصورة الكلية الشاملة، وهي سواء انطلقت من معايير موضوعية، او من حسابات خاصة ورؤى ضيقة، فإنها تعكس الهامش الكبير للحرية التي يتمتع بها العراق الجديد، والتي لم يكن لها وجود في عهد النظام السابق.
الانتقاد/ العدد1257 ـ 7 آذار/مارس 2008

2008-03-07