ارشيف من : 2005-2008
بغداد وطهران.. من أتون الحرب الى آفاق السلام!
بغداد ـ عادل الجبوري
ربما لا يختلف اثنان حول حقيقة ان العلاقات العراقية الايرانية لم تشهد منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عام 1921 وضعا مستقرا وهادئا بمعنى الكلمة، وبعيدا عن اجواء ومناخات التشنجات وانعدام الثقة او ضعفها. ولا يختلف اثنان ايضا في ان خلفيات هذه الاشكالية تعود الى مراحل زمنية سابقة حينما كان العراق خاضعا للدولة العثمانية، وكانت الاخيرة تتعارض وتختلف مع الدولة القاجارية التي كانت تحكم بلاد فارس، حيث تتداخل الصراعات على الحدود والمياه والثروات الطبيعية، الى جانب الحسابات والمصالح السياسية التي غالبا ما كانت ضيقة الافق، مضافا اليها عوامل الشد والجذب المذهبية والطائفية، ولم تفلح الاتفاقيات المبرمة بين الجانبين في وضع حد لما يمكن ان نسميه بحالة الاحتراب، وطوي صفحات الصراع، فمعاهدتا سعد اباد الاولى والثانية، وحلف بغداد، واتفاقية الجزائر، الى جانب طبيعة خارطة التحالفات الاقليمية والدولية، كلها بدت وكأنها نوع من المسكنات لتهدئة الامور وتطويق المشكلات، والحؤول دون استفحالها، وليس حلها حلا جذريا.
لكن يبقى انتصار الثورة الاسلامية الايرانية في ربيع عام 1979 وسقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي، المنعطف المهم للغاية في وصول العلاقات بين الجانبين الى مستوى كبير جدا من التأزم بلغ حد الحرب العسكرية المسلحة التي دامت ثمانية اعوام متواصلة، وساهمت فيها اطراف عربية واقليمية ودولية بأشكال وصور مختلفة تمثلت بالاطار العام بوقوفها الى جانب نظام صدام في اطار السعي الى القضاء على النظام الايراني الاسلامي الجديد حينذاك، وافشال التجربة الايرانية الوليدة.
وقد كان المنهج العدواني لنظام صدام كافيا لقطع الجزء الاكبر من الخيوط بين العراق وايران، بحيث كانت فترة الثمانينات والتسعينات حتى الاطاحة بنظام صدام في عام 2003 من اسوأ الفترات في مسيرة العلاقات العراقية الايرانية.
ولعله بعد الاطاحة بنظام صدام حصلت حلحلة غير قليلة في واقع العلاقات بإطارها العام الشامل، وكان للقوى والتيارات والشخصيات السياسية العراقية التي تصدت لزمام الامور في العراق دور كبير في اذابة كتل ضخمة من الجليد بين العراق من جانب، ودول اخرى مثل ايران والكويت وسوريا وغيرها من جانب اخر.
وكان تقدير المعنيين بالامور في العراق ان ايران بلد مهم وفاعل ومؤثر في محيطه الاقليمي، بل وفي عموم الساحة الدولية ايضا، وهي تعد نافذة لمعالجة بعض مشاكل العراق السياسية والاقتصادية والامنية، لذلك فقد بدا ان هناك حرصا كبيرا من جانب بغداد على طوي صفحات الماضي وفتح صفحات جديدة، ومن جانبها اظهرت طهران ترحيبا وتفاعلا وتجاوبا ازاء ذلك، وكل ذلك عبرت عنه وترجمته الزيارات المتبادلة لكبار المسؤولين في كلا الدولتين، ولوفود من مختلف الاختصاصات.
وفي النهاية تكلل ذلك الحراك والجهد السياسي الكبير والمتواصل بزيارة تاريخية للرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الى العراق في الثاني من شهر اذار/ مارس الجاري، من حيث المستوى والتوقيت وجدول الاعمال ومجمل الظروف العامة، والاجواء التي احاطت بها.
فهي اول زيارة يقوم بها رئيس ايراني للعراق منذ انتصار الثورة الاسلامية الايرانية قبل تسعة وعشرين عاما، وعلى عكس زيارات بنفس المستوى قام بها زعماء دول اجنبية للعراق، اذ لم تكن الزيارة مفاجئة وسريعة، فقد تم الاعلان عن موعدها ومدتها قبل عدة اسابيع، وشهدت نقاشات وحوارات معمقة مع كبار المسؤولين والسياسيين في بغداد، وطرحت على بساط البحث والنقاش ملفات مهمة وحساسة وخطيرة، وتم التوصل الى نتائج على قدر كبير من الاهمية بالنسبة لكلا الجانبين، لا سيما الجانب العراقي، اضافة الى ذلك فإن الوفد الذي رافق الرئيس الايراني في زيارته للعراق ضم مسؤولين كبارا، وزراء ومستشارين وخبراء يقفون على رأس مؤسسات سياسية واقتصادية وامنية كبيرة في ايران.
من اية زاوية نظرنا وتعاطينا مع زيارة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الى العراق، فإنه لا يمكن وصفها الا بالزيارة المهمة والتاريخية، والانعطافة الكبيرة في مسيرة وواقع العلاقات بين بغداد وطهران.
اسباب كثيرة تجعلها كذلك، من بينها:
- التجاذبات والمشاكل والازمات الكثيرة والكبيرة في مسيرة العلاقات بين الجانبين على امتداد فترات زمنية طويلة، والتي وصلت الى مستوى الحرب العسكرية الطاحنة بينهما في عهد النظام البائد.
- المصالح والقواسم المشتركة سياسيا واقتصاديا وثقافيا وامنيا بين العراق وايران ارتباطا بحقائق التاريخ وثوابت الجغرافيا.
- ومثلما اشرنا انفا، فهذه الزيارة تعد الاولى من نوعها لرئيس ايراني منذ انتصار الثورة الاسلامية في ايران بزعامة الامام الراحل الخميني، بل وحتى قبل ذلك.
- والاهم من ذلك انها اول زيارة لرئيس دولة اقليمية الى العراق، منذ الاطاحة بنظام صدام قبل ما يقارب الخمسة اعوام.
- انها جاءت في مرحلة يشهد العراق فيها تحولات ومتغيرات مهمة على صعد ومستويات مختلفة، امنيا وسياسيا واقتصاديا، بشكل يفترض ان يشجع جيرانه واشقاءه العرب وغير العرب وكافة مكونات المجتمع الدولي على الانفتاح عليه بأقصى قدر وبمختلف الميادين.
- ان زيارة الرئيس الايراني الى العراق تعد رسالة الى الاخرين وخصوصا الدول العربية، ينبغي التمعن بها وقراءتها بدقة وموضوعية، والمبادرة الى التحرك بفاعلية وايجابية اكثر وعدم الاكتفاء بالشعارات العريضة والخطب الرنانة فقط من قبلهم حول العراق.
ويمكن القول انه مثلما مثلت حرب الثماني سنوات انعطافة ونقطة تحول سلبية وسيئة في مسيرة العلاقات بين العراق وايران، فإن زيارة الرئيس احمدي نجاد لبغداد صححت المسار، وكانت نقطة تحول وانعطافة ايجابية وانطلاقة سليمة بالكامل لبناء علاقات استراتيجية تقوم على اساس القواسم المشتركة والمصالح المتبادلة وحسن الجوار والتعايش السلمي بعيدا عن الحروب والمؤامرات وسياسات الابتزاز والاستفزاز.
الانتقاد/ العدد1257 ـ 7 آذار/مارس 2008