ارشيف من : 2005-2008
قوى «موديل» 1960
الفريقين. لا شيء يطرح الآن خارج تصور السلطة وتقاسمها. كل الحسابات تتجه إلى الحصة النيابية لكل طرف من الأطراف. يجري طبعاً تزيين الصورة بالحديث عن صحة التمثيل. البعض يتخذ من إشكالية التمثيل المسيحي ذريعة، والبعض الآخر يحذر من الفرز الطائفي وعدم احترام قاعدة العيش المشترك. اللبنانيون جميعهم يختصرون في دائرة أحزاب الموالاة والمعارضة. لم تعد هذه الطبقة السياسية أصلاً تخجل من شيء. لديها كل الاستعداد لتحطيم الدولة من أجل الفوز بحصة منها. لديها الجرأة على استدعاء كل غريب وأجنبي ليحمي لها نفوذها. لا يميزها شيء عن الأنظمة الشمولية والدكتاتورية. الفارق الوحيد أن هناك دولاً موحدة وهنا دولة اتحادية بين زعماء الجماعات الطائفية. آليات التحكّم واحدة وتقاليد القيادة واحدة، وثقافة القطيع سائدة. الشعب تختصره الدولة وكذلك الجمهور. والدولة يختصرها الحزب وكذلك السلطة، والسلطة يختصرها الرئيس وكذلك الزعيم.
وضع الرئيس فؤاد شهاب قانون انتخاب عام 1960 لاحتواء نتائج أحداث 1958 التي سُمّيت ثورة. عام 1970 قال الرئيس فؤاد شهاب في بيان عزوفه عن الترشح للرئاسة، إن هذه المؤسسات لم تعد تواكب الحاجات الوطنية. لكنه أردف أن الطبقة السياسية عاجزة عن تطوير نفسها. كانت وظيفة قانون 1960 أن يتخطى الدور الحاسم للإقطاع السياسي الذي جمع أطراف لبنان بعد الاستقلال. في الأقضية تم فتح الطريق أمام تمثيل الطبقة الوسطى الصاعدة، وتم احتواء تعددية التمثيل في الجماعات الطائفية. ساعد ذلك على توسيع المشاركة وخفض حركة المعارضة من القوى التقليدية. قانون 1960 أنتج الطبقة السياسية التي ساهمت في إشعال الحرب الأهلية. كان عجزها عن حل مشكلات البلاد داخل المؤسسات ورفضها فكرة الإصلاح سبباً رئيسياً لتلك الحرب. عام 1975 كان التمثيل السياسي في النظام يغلق الطريق أمام مطالب فئات شعبية وسياسية واسعة. كان المجتمع المدني يتوسع في مواجهة تمثيل طائفي يعيد تفكيك الفئات الشعبية وتقسيمها على حدود المناطق الطائفية التي يحتكر النفوذ فيها زعماء يقيمون سلطة تبعية وزبائنية مع جمهورهم. قانون الانتخاب كان يجسد مأزق النظام الطائفي. من يسعى أن يعيد البلاد خمسين سنة إلى الوراء كمن يستخدم «سرير بروكست». يريد تقطيع الجسم الوطني ليلائم «السرير الانتخابي».
ومن أسف أن بعض الأفكار التي يطرحها الفريق المسيحي بصفتها عادلة لتمثيل جماعته ليست إلا خياطة بدلة لزر يملكه هو وليس الطائفة التي يدّعي تمثيلها. ليست الدوائر هي ما يؤمن صحة التمثيل بل قانون الانتخاب. لن تكون هناك جغرافية طائفية أو سياسية عادلة، بل نمط تمثيل. ولا حلول واقعية في لبنان إلا بين حدين: حد الفرز الطائفي النهائي، وحد تطوير قانون التمثيل باتجاه النسبية السياسية. على أي حال ليس موضوعنا تفاصيل قانون الانتخاب على فرض أن البلاد مفتوحة على احتمالات ديموقراطية. إن النقاش السياسي الحاضر هو تجاوز للطائف، بل لمجمل النظام السياسي، لكن ذلك يتم بالتحايل وليس بالوضوح الضروري لمعالجة قضايا وطنية شائكة. لم يعد هذا النقاش محرماً أصلاً طالما أن الدولة مطروحة أرضاً ومعطلة. إزاء طروحات المعارضة والموالاة هذه بتنا نأمل أن لا تتم تسوية بينهما من هذا النوع قاعدتها اقتسام السلطة من دون أي أفق إصلاحي. فإذا كان المقصود أن تجدد هذه الطبقة السياسية نفسها فهي ستجدد أزماتها أيضاً.
لم يعد من الجائز أبداً السكوت عن سياسات المعارضة التي تتخلى عن أي مطلب إصلاحي في سبيل تحقيق تسوية سياسية سلطوية. وليس المطلوب تقديم برنامج جديد طالما أن الطائف انطوى على مبادئ وقواعد إصلاحية جرى التلاعب فيها والانقلاب عليها. لا نريد من المعارضة أكثر من أن تلتزم الطائف في بنوده الإصلاحية. وعندما نقول الطائف نقول بالمسلمات والثوابت الوطنية التي جرى تكريسها في مقدمة الدستور.
إذا لم تبادر المعارضة إلى تصحيح مسارها هذا في بلورة برنامج للحكم يؤمن السيادة والاستقلال ويحفظ النظام الديموقراطي ويقدم حلولاً حقيقية للأزمة الاقتصادية ويلتزم الإصلاحات التي تعيد بناء المؤسسات الدستورية على المبادئ التي كرستها مقدمة الدستور، فيجب أن تتشكل معارضة حقيقية لسياسات الحكم التي تم تنفيذها بعد وقف الحرب وهي مناقضة لكل المكاسب الإصلاحية التي أقرها الطائف.
إن قانون الانتخاب هو محور كل الإصلاح السياسي. إن اللجنة التي كلفت في إعداد واقتراح مشروع قانون أنجزت تسوية حول هذا القانون فيما لم يكن المطلوب منها أن تخوض في التسويات. لكن أما وقد أنجزت هذا المشروع فيجب على الأقل الانطلاق من هذا الإنجاز لا خفض مستوى البحث عن بعض عناصره المتقدمة.
المصدر: صحيفة السفير اللبنانية، 11/3/2008