ارشيف من : 2005-2008
بقلم الرصاص: أنا أكذب فصدقوني
كتب نصري الصايغ
رواية أميركية حديثة تؤكد أن الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش وستة من معاونيه كذبوا ما بين الحادي عشر من أيلول وبداية الحرب على العراق، 935 كذبة، في ما خص الخطر الذي يمثله العراق على الولايات المتحدة الاميركية.
ولا أحد يظن من دولة بلغت هذا السبق في الكذب الفاجر والمعلن على رؤوس الأشهاد، ولا أحد يمكن أن يتصور أن يقضي رئيس دولة عظمى وعدد من معاونيه ومستشاريه، أوقاتهم في تجميع رأسمال عالمي في الكذب.
وبإمكان الولايات المتحدة، عبر سياسييها، الاستمرار بحبل الكذب الطويل إلى ما لا نهاية، لأن أحداً لا يحاسبها، ولا أحد يجرؤ من الدول أن يقول لها أنت كذابة.
حتى كولن باول الذي طفح كذباً في مجلس الأمن، قبيل العدوان على العراق اعترف فيما بعد بأن "السي أي ايه" قد كذبت عليه، فعوقب باول بالنسيان وصدق تنجيم المخابرات ولو كذبت.
دولة عظمى في الكذب.
ولا أحد يجرؤ على التكذيب.
واشنطن تكذب والعالم يتبعها، بوش يكذب، والعالم يعرف أنه يكذب والرؤساء يعرفون أنه يكذب، ويصدقونه بطيبة خاطر، وأكثر الذين يصدقونه، الحكام العرب، فمن العار أن يكون بوش كذاباً فهو الصدق بعينه وأمه وأبيه.
وعلى منوال الكذب الأميركي، والأخلاق الأميركية، وحقوق الإنسان، والشرعية الدولية، ومعاهدات جنيف، والعدل الدولي، تسير الحكومات العربية وفي طليعتها وسائل الإعلام العظمى.
وكما يكذب بوش وأعوانه، تكذب وسائل الإعلام العالمية وشقيقاتها العربية.
لا عيب في ذلك أبداً، فالذي يصدق كذاباً، يكون أكذب منه، والكذب ملح عربي، للطعام السياسي الدولي، ومن الكذب العربي ما فتح ورزق.
يكذب الحكام العرب على شعوبهم، ينفقون الأموال على إعلام ينفق من الكذب المجاني ما لذّ وطاب، إلا أن لهؤلاء الحكام فضيلة كبيرة، فهم لا يصدقون ما يقولونه لشعوبهم، ولكنهم، في المقابل عندما يكذبون على أنفسهم يصدقون.
لا جديد تحت الشمس، الكذب في السياسة ذكاء، التلاعب في السياسة دهاء، التلكؤ حكمة، العجز فضيلة، الضعف قوة، التراجع مأثرة، التخلي كرم، وعليه، فإن أفضل السياسات العربية الراهنة هي الوقوف خلف جورج بوش الذي يعلن كل يوم:
أنا أكذب فصدقوني.
ويصدق الجميع ما يتفوه به بوش.
قبل أمس اجتاح افغانستان.
وأمس اجتاح العراق، ودائماً تجتاح عنه اسرائيل، مرة لبنان، ومرات غزة، ودائماً أينما وجدت مسرحاً لجريمتها.
أما غداً من يعرف ماذا سيقول بوش؟
كل ما نعرفه أنه سيكذب، وسيصدقه المعتدلون العرب، ويطلبون له حيل كذبة.
إنما.
إنما.
انما في أمكنة نائية عن هذا المسلسل الكاذب، تقف أمة، على أكتاف رجال، لتقول الصدق طاهراً كالدم، ولتعلن أن حبل الكذب قصير، وسيسقطونه بعد تأليف منصة لإعدام السياسة الأميركية.
الانتقاد/ العدد 1258 ـ 14 آذار/ مارس 2008