ارشيف من : 2005-2008
حراك اقليمي كبير لإنجاز تسوية ما قبيل القمة فهل يكتب له النجاح أم يفشله الأميركي مجدداً؟
كتب مصطفى الحاج علي
في المثل العامي: في الحركة بركة.. فهل نشهد بركات ما لحركة الاتصالات الناشطة اليوم اقليمياً على أكثر من خط، وبالنسبة إلى أكثر من عنوان وملف، لا سيما الملف اللبناني، أم أن الأمور أعقد من ذلك بكثير، ومربط الفرس الأميركي ما زال في مكانٍ آخر، ولديه حسابات أخرى ونوايا مبيتة أخرى؟
إن الخروج بتقديرات محتملة وأقرب إلى الواقع، تقتضي الأخذ بعين الاعتبار جملة ملاحظات أساسية أبرزها:
أولاً: إن كل ما يحصل يجري وسط مناخات ملبدة بالغيوم ومنذرة بصواعق محرقة، فخريطة الصراع بالغة الدقة والحساسية والتوازن، لدرجة أن أي خطأ في الحساب أو التقدير من شأنه أن يقود إلى مواجهات لا أحد يستطيع التكهن بمداها ونتائجها، وإن كان هناك شبه اجماع اليوم على أن أي مواجهة مقبلة لن تكون محدودة لا في الزمان ولا في المكان.
ومن يتأمل اليوم في مجمل مسارات الأمور وتشابكاتها وفي معطياتها والوقائع، يلحظ بسهولة مدى الغموض الذي يلف كل شيء، واحتضان الأوضاع لكل الاحتمالات، وبشكل يكاد يكون متساوياً.
وعلى صعيد آخر تتدرج التناقضات في مسار تصاعدي لدرجة يكاد معها التوصل إلى تسويات يكون أمراً بالغ الصعوبة، ما يبقي احتمال الانفجار وارداً.
وفي هذا السياق تبدو المنطقة كأنها في سباق بين الانفجار الكبير والتسويات المهدئة، وبالتالي فهي تبدو في سياق بين حزبي الحرب والتسوية.
ثانياً: إن الملف اللبناني اليوم هو بكامله على الطاولة الاقليمية والدولية، لدرجة يبدو فيها الأطراف المحليون كأنهم في حالة انتظار، من دون أن يعني ذلك التقليل من فاعلية هؤلاء سلباً أو إيجاباً.
وفي الإطار الإقليمي يبرز الدوران السعودي والإيراني إلى جانب أدوار دول عريقة أخرى معينة.. والملاحظ في هذه الاتصالات كأنها مسعى في اتجاه محاصرة حزب الحرب الاميركي، لتقاطع مصالحها مجتمعة عند هذه المسألة، الأمر الذي يعطيها قوة اندفاع وحرصاً زائداً على النجاح.
ثالثاً: إن من يقرأ تقرير المخابرات الاسرائيلي الأخير الذي لخّص التهديدات التي تواجه الكيان الاسرائيلي اليوم، معتبراً أبرزها إيران والمقاومة في لبنان، وذاهباً إلى رفع درجة امكان اندلاع مواجهة جديدة مع حزب الله، يضاف اليه استقالة قائد المنطقة الوسطى في الجيش الاميركي وليم فانون، على خلفية خلافه مع ادارة بوش حول خيار الحرب ضد إيران، وما يروجه منذ مدة أركان في فريق السلطة من معلومات حول تطور إقليمي سيحدث تغييراً كبيراً في لبنان والمنطقة لمصلحته، وأن المطلوب منه الصمود فقط من الآن حتى مطلع الصيف المقبل، من شأنه أن يرفع درجة الحذر من الحرب، والحذر كذلك من الدور المناط بفريق السلطة داخلياً.
رابعاً: في مقابل ما تقدم يتعاطى فريق الوصاية مع استحقاق القمة كمحطة لخطوات جديدة قوامها تفعيل حكومة السنيورة عبر تعيين وزراء مسيحيين جدد بدلاً للمسيحيين الخارجين منها بالاستقالة أو بالوفاة، وعبر استخدام السنيورة صلاحيات رئيس الجمهورية على نحو أوسع. ويشرط هذا الفريق هذه الخطوة بتوفير الغطاء البطريركي الضروري لها، إلى جانب الغطاء الاميركي المتوافر أصلاً.
يبدو هذا الإجراء كأنه بديل للتدويل وللجوء إلى خيار النصف زائد واحد، لكن الأهم أنه يبدو رسالة واضحة بأن هذا الفريق غير مستعجل لإنجاز أي تسوية، وأنه ـ مع هذا التفعيل ـ سيكون مرتاحاً أكثر إلى وضعه.
خامساً: لقد كشفت عملية تسليط الضوء على قانون الانتخابات مؤخراً من قبل فريق السلطة أموراً أساسية أبرزها:
أ ـ إن معركة هذا الفريق تتمحور بشكل رئيسي حول هذا البند، بحيث إذا ما اطمأن له يمكن ان يسهل أموراً أخرى.
ب ـ ان فريق السلطة يتوجس خيفة من هذا البند نظراً لعدم توحد مواقفه منه، ولتحوله إلى بند رئيسي في أي تسوية مقبلة.
ج ـ استدراج المعارضة إلى معركة جانبية لصرف انتباهها عن السلة السياسية الشاملة.
د ـ وضع عقبة رئيسة أمام أي تسوية، أو جعلها البند الرئيسي فيها.
سادساً: ان لبنان اليوم يقف على صفيح ساخن من القضايا الاجتماعية والاقتصادية، الذي من شأنه ان يزيد من حجم المخاطر والتحديات الداخلية.
إلى أين يقود كل ما تقدم؟
أولاً: على الأقل يتوقع حالة من المراوحة والهدوء من الآن حتى انعقاد القمة العربية.
ثانياً: ان ما ستخرج به القمة وكذلك مرحلة ما بعد القمة، سيكون مرهونين إلى حد كبير بطبيعة الترتيبات وبالمسار الذي ستتخذه العلاقات العربية ـ العربية عموماً، والسعودية ـ السورية تحديداً، فإذا ما جرى ايجاد ترتيبات وتسويات ما لهذه العلاقات، فمن شأنها أن تنعكس هدوءاً على لبنان والمنطقة، وفي حال العكس، فقد تشهد مساراً جديداً من التجاذبات والانعكاسات السلبية على الأوضاع الداخلية.
ثالثاً: لا تبدو واشنطن حتى الآن مشجعة للحلول والتسويات، وهي لا تزال تريد تقطيع الوقت بانتظار توجهاتها النهائية. ما يعني ضمناً ان المرحلة المقبلة قد تشهد عودة إلى التجاذبات السياسية المفتوحة على بعض التطورات الأمنية.
رابعاً: ان المبادرة العربية ستبقى حتى إشعار آخر حاضرة، ولا يتوقع من أحد أن يعلن موتها أو انتهاءها اذا لم تتوصل إلى شيء.
الانتقاد/ العدد 1258 ـ 14 آذار/ مارس 2008