ارشيف من : 2005-2008

الى المعارضة: الشراكة تبدأ بقانون الانتخاب

الى المعارضة: الشراكة تبدأ بقانون الانتخاب

كتبت ليلى نقولا الرحباني
كثر الحديث في الآونة الاخيرة حول موضوع قانون الانتخابات النيابية والتقسيمات الادارية بالتحديد. والحقيقة ان الحديث عن قانون الانتخابات وتقسيماته الادارية لم يتوقف في لبنان منذ عام 2005، منذ ما قبل اغتيال الرئيس الحريري، بل كان يقوى ويضعف بحسب المواسم السياسية والأحاديث الاعلامية.
مرت الحياة السياسية اللبنانية خلال فترة الوجود السوري بعدة محطات كان الطاغي على قوانين الانتخابات فيها معيار "استثنائياً ولمرة واحدة فقط"، والذي كان يُفصّل على قياس الأزلام. وبعد انسحاب القوات السورية من لبنان في شهر نيسان من العام 2005 ظهرت بوادر أمل بأن لبنان سيتبنى قانوناً انتخابياً جديداً يسمح بتمثيل حقيقي للفئات اللبنانية كافة. لكن بعدما راجعت الشخصيات السياسية حليفة الاميركيين الجديدة ـ والسوريين سابقاً ـ القوانين التي حملت توقيع السوريين، ورأت أنها ما زالت تخدم أهدافها الخاصة، حدث تواطؤ بينها وبين الأميركيين والفرنسيين للدفع نحو انتخابات نيابية في موعدها المحدد، ولاستخدام قانون "غازي كنعان" في الانتخابات لأنه يسمح لهذه الفئات بالسيطرة على المجلس النيابي وإمرار ما تريده من مشاريع، كالتوطين ونزع سلاح المقاومة وغير ذلك.
كانت انتخابات 2005 تواطؤاً حقيقياً وتزويراً فاضحاً للإرادة الشعبية، وسرقة موصوفة للأكثرية النيابية، لأنها ليست إلا وليدة قانون انتخابي منحرف لا وزن فيه للصوت الشعبي الا في بعض المناطق المحددة، وأيضاً بسبب ما ارتبطت به من خديعة في التحالف الرباعي، ثم إلغاء المجلس الدستوري لئلا يبت بالطعون النيابية التي تقدم بها التيار الوطني الحرّ وحلفاؤه.
وفي نظرة سريعة للقوانين التي تطرح على الساحة السياسية، نجد ان ما يطرح هو "قانون الستين" وقانون "لجنة بطرس".. والبعض الآخر ومنهم البطريرك الماروني يطالب بالدائرة الفردية بعدما نادى طويلاً بقانون الستين، وهدد عشية انتخابات 2005 قائلاً: "لقد أعذر من أنذر". لكن يبدو انه تراجع عن دعمه لهذا القانون بسبب  قبول المعارضة له!
ان الباحث الموضوعي في النظام السياسي اللبناني يرى أن أحد أبرز أسباب عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في فترة ما بعد الحرب، وتكرار الأزمات الاقتصادية والمالية منذ 1992، هو "تحنيط" النظام الانتخابي وحصر التغيير في التقسيمات الادارية فقط من دون التغيير في أسسه، ولو مرة واحدة، اضافة الى ان هذه النظم لم تُحدث لتتلاءم مع التطلعات المستجدة والبيئة الاجتماعية المتحولة للناخبين والمواطنين. فالمشكلة الرئيسية في قانون الانتخاب اللبناني لا تكمن في حجم الدوائر، بل في نظام الانتخاب او الاقتراع بحد ذاته. فالنظام الأكثري سيئ حتى لو طبق في أصغر الدوائر على الاطلاق، فكلما صغرت الدوائر كان للعوامل غير السياسية كالمال والطائفية والقبلية والزبائنية تأثير أكبر، وهذا ما يريده أصحاب الحكم في لبنان اليوم، وما يسوّق له البطريرك صفير قانون يستطيعون فيه الوصول من خلال استخدام البترودولار والعصبيات الطائفية والمذهبية للتحكم بالبلاد، خلافاً لما تتيحه لهم أحجامهم الشعبية المحدودة.
وبغض النظر عن رأينا في التقسيمات الادارية التي تُطرح، فإننا نرى توجهاً حقيقياً للموالين سيواكبه بالتأكيد دعم أميركي لتشويه القوانين الانتخابية القادمة، لأن الأحجام السياسية والتحالفات الحالية تفيد بما لا يقبل الشك ان هذه الأكثرية النيابية لن تعود أكثرية في اي انتخابات نيابية قادمة، ومهما كان شكل التقسيمات الادارية فيها.
لذا نعتقد ان ما يجب ان تنظر له المعارضة الوطنية اللبنانية وتسعى الى دراسته بشكل معمق ـ وليس بهذا الشكل السطحي ـ هو قانون الانتخابات، لأنه المعبر الأساس لبناء الدولة القوية، ولإصلاح النظام السياسي بشكل جذري لا يعود يستولد الازمات.
ان قانون الانتخاب الذي يجب ان تسعى اليه المعارضة ـ التي تنادي منذ سنتين بالشراكة الحقيقية ـ يجب أن يؤمّن الآليات الضرورية لضبط حركة المجتمع مع حركة السلطة عبر المواءمة الصادقة بينهما، لكي تأتي السلطة نتاجا طبيعيا لحالة المجتمع وعاكسة له، فيشعر المواطنون على اختلاف فئاتهم بأنهم ممثلون فيها، ما يؤدي الى حالة رضا لديهم بدلاً من جعلهم ينفرون ويشعرون بأنهم مغيّبون ومهمشون وليس لديهم قدرة على التغيير.
اذا أرادت المعارضة الوطنية اللبنانية العمل على اقامة الدولة على أسس الحق والعدالة، فعليها أن تولي اهتمامها الكبير لقانون الانتخابات النيابية، فمن أولى مهمات نظام الانتخابات في البلدان الديمقراطية أن يحقق التمثيل الصحيح لقوى المجتمع  كافة.. لكن في الوقت نفسه يجب ان يكون بمقدور هذا النظام أن يطوّر الواقع المجتمعي ويتوجه به نحو التقدم، لا ان يتقوقع فيه ويكرسه كما هو.
الأمل معقود على المعارضة الوطنية لأنها "أم الصبي"، وعليها ان تترجم أمومتها في الاصلاح الذي يبدأ بقانون الانتخابات، كما ترجمتها سابقاً في درء الفتن الداخلية.
الانتقاد/ العدد 1258 ـ 14 آذار/ مارس 2008

2008-03-14