ارشيف من : 2005-2008
الاصطفاء واكتمال الكرامات الإلهية
كتب إبراهيم الموسوي
ليس الاصطفاء أمراً متيسراً لكل الناس، ولا أمراً مخصوصاً مقصوراً على فئة منهم، لأنه ليس نابعاً من انتقائية ما، الاصطفاء والاجتباء وليد مجاهدات كبيرة مع النفس والهوى، فيها عشق لله وذوبان فيه ونفي للأنا، وارتواء كامل من معدن الزلال القدسي النابع من سرمد حقيقة التوحيد، فإذا ما تم ذلك لإنسانٍ وصل إلى ذروة الاكتمال وخرج من ضيق الاحتمال إلى رحاب اليقين.
في الأثر الوارد عن أمير المؤمنين علي(ع) في نهج البلاغة يقول "الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه"، إذاً فإن الجهاد مقرون بالجنة فهو باب من أبوابها، ومورد من مواردها، الجنّة حفّت بالمكاره، ودونها بلاءات وابتلاءات.
الجهاد الذي نعني يبدأ بالجهاد الأكبر وهو جهاد النفس، ونهيها عن الهوى والتزامها حالة التقوى، هو الامتثال الكامل لأوامر الله سبحانه وتعالى والانتهاء عما نهى عنه، وحملها على التبصر في حلاوة اختيار حرية العبودية "إلهي كفى بي فخراً أن أكون لك عبداً، وكفى بي عزاً أن تكون لي رباً"، إذاً هو الاختيار الحر المقرون بالتبصّر العميق القائم على إدراك كنه النفس وارتقائها أعلى درجات سلّم العبودية حتى تصل إلى مرحلة النفاذ إلى معدن العظمة حين تتجلبب بالأنوار القدسية للحضرة، وتتلفع بعباءة القرب بعد أن أضناها المسير في درب الوصال.
وإذ يجاهد المرء في الله وفي سبيله، تنكشح أمامه الغشاوات، وتنجاب الظلمات فيهتدي إلى السبيل، هو حبل متصل وعلاقة لازمة ما بين الجهاد واهتداء السبيل "والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين" (العنكبوت/ 69). هي العروة الوثقى لا انفصام لها.
ومن ثمرات الجهاد المباشرة العزة والكرامة، والرفعة في الدنيا كأثر مبارك مباشر من بركات هذا العمل المقدّس، وفيه أيضاً نصر أو شهادة. قد يسبغ الله كرامته على عبدٍ أو بيت فيمنّ عليهم بنعمة الهداية والإيمان، ثم ببركة الجهاد في سبيل الله، فتكون خاتمة الحياة إما نصر أو استشهاد. ولكن أن يمنّ الله على عبدٍ بنعمة الهداية وبركة الجهاد، ثم يرزقه بعد ذلك التنعّم بقطف ثمار النصر، ويتوّجه بكرامة الشهادة، فهو اكتمال الكرامات بحق.. تلك الكرامات التي لا يُلقّاها إلا ذو حظّ عظيم.
وهذه الكرامات الإلهية المتعيّنة لأصحاب الكرامات المدركة لعظمة الجمال والجلال الإلهيين، المتعلقة بأنوار عز القدس والمنقطعة دوماً إلى ربها في صلاةٍ وابتهال ضارعين دائمين، هذه الكرامات اذ تتنزّل فإنها تكون خيراً عميماً يصيب الشخص ومن حوله.
في البركات المتنزّلة على الشهداء ما يصيب أهلهم وقومهم، ولكن من الكرامات المكتملة والبركات المتنزّلة ما يكون سمة للزمان والمكان، كذا الحال في شهادات الكبار الكبار، إذ إن شهادتهم أصلاً لا تكون إلاّ تعبيراً عن اكتمال لطور زمني ما، وبداية اكتمال لطور مكاني أيضاً، تأتي الشهادة متوّجة لمرحلة ومؤذنة لمرحلة أخرى أكبر وأقوى وأرفع، تأتي الشهادة كبشارة بقرب الخلاص، واستبدالاً لكل عبادة الصبر بكرامة النصر، نصر كل الأمة على أعدائها ومحتلي أرضها ومدنسي مقدّساتها.
كذا هي شهادة شيخ شهداء المقاومة الاسلامية الشيخ راغب حرب، وكذا هي شهادة سيد شهداء المقاومة الاسلامية السيد عباس الموسوي، وكذلك أيضاً هي شهادة القائد الجهادي الكبير الحاج رضوان، إنها بشارة هذه الأمة الولاّدة لكل هذه الهامات الشامخة "ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً".
الانتقاد/ العدد 1255 ـ 22 شباط/ فبراير 2008