ارشيف من : 2005-2008
أزمة بين منطقين
كتب إبراهيم الموسوي
حافلة هي روزنامة المناسبات لهذا الأسبوع، متابعة تداعيات تقرير فينوغراد والتوقف عند ذكرى مرور عامين على إبرام تفاهم مار مخايل بين حزب الله والتيار الوطني الحر، وملامسة ذكرى انتصار الثورة الاسلامية في إيران، وذكرى اغتيال الشهيد رفيق الحريري، وما بين كل هذه العناوين تستمر التسريبات والمواقف حول المحكمة الدولية، والمبادرة العربية.
اللافت في معظم هذه العناوين هو ما يظهر من مواقف فريقي السلطة والمعارضة حيالها، وبعيداً عن الدخول في تفاصيل مواقف الفريقين فإن ثمة خطاً بيانياً واضحاً لمنطق كلّ من الفريقين.
فريق السلطة يهدد ويتوعد وينادي بالويل والثبور وعظائم الأمور.
جنبلاط ينفخ ناره على المعارضة فور عودته من السعودية، ويتهمها بالمسؤولية عن الاغتيالات، وجعجع يبشّر بأن مشاهد "البكاء" و"صرير الأسنان" ستبدأ مع اقتراب انطلاق المحكمة ذات الطابع الدولي في حزيران المقبل.
حديث فريق السلطة هو حديث التشاؤم والنفخ في نار الفتنة والتهويل، وإعادة الأمور إلى المربع الأول بما يطيح بكل حديث عن مبادرات للتسوية والحل، وأمر العمليات الأميركي المتجدد مع قدوم خليفة فيلتمان القائم بالأعمال الأميركي الجديد إلى بيروت ميشال سيسون.
يظهر أن لغة الثأر هي التي ستسود وبشكل متصاعد في المرحلة المقبلة وبدءاً من الآن.
وفي المقابل يرتسم منطق آخر تديره المعارضة، والذي تميز بالهدوء وإشاعة أجواء الحل والتهدئة، وهو ما برهن نفسه وأثبت جدارته عملياً من خلال استيعاب أحداث الأحد الدامي قبل ما يزيد على الأسبوع، وتغليب منطق سيادة المؤسسات واحترام عمل القضاء وصولاً إلى العدالة في هذه الجريمة المروّعة، كل ذلك من منطلق الحرص على مؤسسة الجيش والناس والوطن، وكذلك فإن مقابلة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله ورئيس التيار الوطني الحر الجنرال ميشال عون من على الشاشة أول من أمس، هي الأخرى أعطت مثالاً متقدماً وتجسيداً حياً حول المعنى الحقيقي للتلاقي الوطني وأهميته في إرساء دعامة السلم الأهلي وصيانته وبناء أجواء الثقة والشعور بالأمان لدى المواطنين، وهو ما يشكل المدخل الحقيقي لبناء دولة المؤسسات، والأساس في بناء الأوطان على أسس قوية ومتينة وسليمة. لم يملك فريق السلطة إزاء ما جاء في مقابلة الرجلين الكبيرين إلا أن يشوش ويأتي بتفسيرات أبسط ما يقال فيها إنها تناقض الحس السليم وأبسط قواعد التحليل المنطقي. لقد اعتبر فريق السلطة أن اللقاء التلفزيوني جاء لترميم التفاهم بين الفريقين بعد أن صدعته أحداث الأحد ما قبل الماضي، هل هي الذاكرة القصيرة أم الإفلاس الكامل، أم الكذب والكذب حتى الإحساس بأن الكذب هو الحقيقة، فما جرى يوم الأحد الدامي من أحداث أعطى مثالاً متقدماً حول أهمية هذا التفاهم وقيمته الحقيقية في حفظ السلم الأهلي وإنقاذ البلد، وضرورته الحيوية كصمام أمان لمعالجة ما قد يطرأ ويستجد.
منطق فريق السلطة منطق واضح وفاضح، واضح لجهة تبنيه الأجندة الأميركية بالكامل ومن دون مواربة، وفاضح في تعبيره عن انزعاجه من تفاهم اللبنانيين وتلاقيهم على بناء الدولة مقابل استئثاره بها وإدارتها على طريقة المزرعة، ومنطق المعارضة واضح أيضاً في تبنيه الخيارات الوطنية الكبرى ورفض الارتهان للخارج أياً يكن الخارج.
وما بين المنطقين بون شاسع وأرض وسماء.
أي المنطقين سينتصر، لنا أن نتابع المسلسل القائم وسترون وسنرى!
الانتقاد/ العدد1253 ـ 8 شباط/ فبراير 2008