ارشيف من : 2005-2008
أمثولة غزة
كتب إبراهيم الموسوي
عندما تنتفض غزة العربية المسلمة، أرضاً وشعباً على جلاّدها الصهيوني تكون تباشير ولادة فجر جديد قيد الظهور. حين تسقط الحدود التي صنعها الاستعمار الغربي، وعربد فيها الاحتلال الصهيوني، ورعاها الاستكبار الأميركي وسكت عنها الاستهتار العربي نكون إزاء ولادة حقيقية، ولادة حقيقية لمجد أمةٍ ضيّعه زعماؤها ويحاول استرجاعه أبناؤها.
مرة جديدة يقدم الشعب الفلسطيني أمثولة أخرى، يجترح معجزة جديدة، تضاف إلى انتفاضاته المتتالية المظفرة ضد المحتل، فالقبضات العارية المؤمنة بقضيتها، والمتوكلة على ربها، والمنغرسة في أرضها، والراسخة في إرادتها أكثر قدرة على حمل أمانة حفظ الأرض وأهلها، وأنجع أسلوباً في صون القضية ومقدساتها من الجيوش الجرّارة والترسانات المكدّسة التي لا تُحرك الا بقرارات ومراسيم عليا، ولكن بالاتجاه الخطأ دائماً.
إنما إرادة الناس التي تأبى الذل والضيم وتنتفض دوماً لجرح كرامتها ومحاولات إذلالها.. إنه نبض الناس ودقات قلب الشارع، وارتعاشته وانتفاضته التي صنعت ألق غزة قبل يومين، وأعادت الينا الروح، فتنسمنا معها شميم أنفاس الحرية المقدسة.. لحظات قليلة وتهاوت الحدود وتدفق آلاف الفلسطينيين باتجاه رفح المصرية والعريش، فتعانق الرمحان، والتقت الروحان، واستعادت الدورة الدموية طبيعتها وضختها المعتادة في الشرايين الواحدة بعد طول انتظار قهراً وقسراً وزوراً.
انه الغضب المقدّس لأهل الأرض الذي يصنع المعجزات كتلك التي صنعها بالأمس أهل غزة، ولكن هل نكتفي بتوجيه التحيات وكيل المديح ونقف موقف المتفرّج، أم ننهض كعرب ومسلمين وبشر تجمعهم الإنسانية بين دفتيها لنشهر هوية الولادة الجديدة لغزة وأهلها، والضفة وناسها، وفلسطين كل فلسطين، وشعبها في الداخل والخارج وفي أصقاع بلاد الشتات، ننتصر بها ولها ومعها..
ما كسرت غزة قيدها ولا هدمت جدران سجنها إلا لتعلن نهاية قصة السجن والسجّان، السجن الكبير الذي اختنق بأهله وناسه بعد أن ضاق بهم، والسجّان الصهيوني الذي أطبق بوحشيته الكاسرة المعهودة ليخمد أنفاس الغزاويين وكل أثر فيها لحياة.
عرفت غزة بحدسها العميق أن إرادة الموت التي بشّر بها بوش خلال زيارته الأخيرة هي الضوء الأخضر الذي انتظره جلادها الصهيوني كي يوغل في دمها أكثر فأكثر، فاستلت سيف شهادتها وجهادها لتصنع معادلة جديدة، كان لها أن تربك الاميركي وتقلق الإسرائيلي، وتصنع لها تباشير النصر الآتي.
غزة في عرس مقيم، وإن يكن عرساً موقّتاً، ولكن كان لغزة هاشم أن تفرح ولو قليلاً بعد أن تضرجت بدماء آلامها وقهرها أمداً طويلاً.. ولكن غزة مقلع للشهادة.. تأبى أن تفرح وحدها، وها هي تنشر أهازيجها على كل ضفاف العالم العربي، بعد أن هلل ناسه لناسها دعماً وحباً.
غزة اليوم، عنوان يختصر القضية، والقضية ستختم نهايتها بالانتصار الكبير الذي سيبتلع ما تبقى من قدرة للمحتل.. هي جولة من جولات العزة في غزة، تذكرنا بجولات وصولات سابقة في ميادين الجهاد في عيتا الشعب ومارون الراس وبنت جبيل، وتحضرنا لجولات لاحقة في كل القرى والمدن والدساكر العربية في لبنان وفلسطين على طريق صنع المجد للأمة.
ألف سلام لغزة.. ألف سلام للغزاويين.
الانتقاد/ العدد1251 ـ 25 كانون الثاني/ يناير 2008