ارشيف من : 2005-2008

التدويل

التدويل

كتب إبراهيم الموسوي
يظن الأميركيون والأوروبيون وبعض العرب واللبنانيين أن التهديد بالتدويل سوف يفيدهم في كسر إرادة المعارضة اللبنانية وتركيعها، ودفعها إلى القبول بما ظلت ترفضه حتى اليوم.
يظن هؤلاء أن زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش إلى المنطقة، ومجازر حليفته "اسرائيل" في غزة الممهورة بإمضائه طبعاً، وتهويله بأخذ الموضوع اللبناني نحو التدويل سوف يجديهم نفعاً، بعد أن عجزت كل الضغوط حتى الآن في زحزحة المعارضة قيد أنملة عن مطالبها المحقة بالمشاركة والتمثيل الصحيح.
يعتقد هؤلاء أن سلة متكاملة من الضغوط الدولية والعربية وموجة هائلة من التهويل بنقل سيناريوهات غزة إلى لبنان سوف تفت من عضد المعارضة وأنصارها، ولكن يفوت هؤلاء كلهم أن ما يهددون به سبق أن أثبت فشله المدوي.
هم لم ينتهوا في تصعيدهم إلى التدويل، فهم بدأوه أصلاً في عدوان تموز 2006، وظنوا أنهم منتصرون حتى جاءتهم أمثولة المجاهدين الذين كللوا رأس "الجيش الذي لا يقهر" بعار الهزيمة النكراء، اليوم هم يهددون من جديد في الداخل والخارج، ويراهنون على متغيرات وحسابات واستعدادات ظناً منهم أن ذلك سيجعلنا نتراجع أو نتقهقر أو ننهزم!
لا، أيها السادة، وفّروا على أنفسكم وعلى البلد خوض غمار تجربة مريرة أخرى، لن تفيدكم جيوشهم وأساطيلهم وضغوطاتهم، ولن تقدمكم تصريحاتهم السياسية قيد أنملة من تحقيق أهدافكم، إنه كلام سمعناه من قبل، إنها حرب خضناها من قبل.
كلام سمعناه وسخرنا، وحرب خضناها وانتصرنا! ومتى توقفوا أصلاً عن الضغط السياسي والتهديد بالحسم العسكري حتى جاء الكلام على التدويل، التدويل اليوم هو خلاصة التهويل، هو آخر ورقة في دفتر حسابهم المفلس.
عظيمة هي المعارضة في ثباتها وصبرها وإرادتها، عظيمة لأنها استطاعت ما لم تستطعه دول وحكومات وإمارات وممالك، عظيمة لأنها عطّلت المشروع الأميركي في المنطقة، عظيمة لأنها تمثل إرادة شعب لا يقهر ولا يستتبع ولا يشرى ولا يباع، عظيمة برشدها وحكمتها ومواقفها وأطيافها وأقطابها.
المعارضة ليست خائفة على نفسها ولا على أنصارها، فهي وطّنت النفس على فعل التضحية في سبيل الوطن قيادة وجماهير، ولها في إرثها الطويل عبرة للجميع، تكاد تكون اختصرت التضحيات كلها في سبيل  الوطن قديماً وحديثاً، المعارضة تدعم المقاومة، وتفاخر في ذلك، لأنها مقاومة لكل الوطن ومن أجل الوطن كل الوطن والمواطنين. هي من أجل الدفاع عن سيادة لبنان وحمايته وصيانة حريته واستقلاله وكرامة أبنائه، ولقد أثبتت في غير محطة وموقف نجاعتها، وجلبت للبنان نصراً عزيزاً جعله مفخرة للعرب والعالم، وأعطى أمثولة لكل الشعوب والشرفاء والأحرار بقدرة الشعوب على صون حريتها وأرضها وكرامتها إذ ما آمنت بقدراتها وتوكلت على ربها وأعدت العدة لمواجهة العدوان.
اليوم يأتون ليهددوا بأمر سبق أن جربوه، وسبق أن عرفناه وخبرناه، طبعاً هؤلاء لا يهمهم البلد ولا أبناؤه، وهم يفضلون أن يصبحوا أدوات في المشروع المعادي للبنان وأهله وتاريخه وجغرافيته من أن يقبلوا بمشاركة إخوتهم ومواطنيهم في القرار، ويبدو أنهم التزموا مع الأميركي بمشاريع مستقبلية خطيرة لا يمكنهم التحلل منها ولا يريدون التحلل منها.
إن كانوا يظنون مجدداً أن تهويلهم وتدويلهم سوف ينفع فهم يجرون البلد إلى تجربة أخرى ستنتهي بفشلهم المدوي، وساعتئذٍ لن ينفع الندم!
ما سيجري فقط هو مزيد من تدهور الأوضاع وتأخير لحل كان يمكن إنجازه فوراً، ومراكمة لخسائر جسيمة كان يمكننا اجتنابها وتجنيبها للبلد وأهله!
لا يبدو أن هؤلاء يعتبرون من أي ماضٍ ولا من أية تجربة.
فليجربوا إذاً!
الانتقاد/ 1250 ـ 18 كانون الثاني/ يناير 2008

2008-01-18