ارشيف من : 2005-2008
جولة تشيني في المنطقة: إيران أولا.. وأخيرا
ما هي العلاقة بين جولة نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني التي يبدؤها في المنطقة في السادس عشر من الشهر الجاري (الأحد المقبل) واستقالة قائد القوات الاميركية في الشرق الاوسط الاميرال وليام فالون الذي سبق الجولة بأربعة أيام؟ وأيضا ما هي العلاقة بين زيارة تشيني وإلغاء الاميركيين موعدا قال الايرانيون ان العراقيين حددوه في بغداد لاستئناف المفاوضات بين طهران وواشنطن بشأن الامن في العراق؟ وهل من صلة بين مهمة الرجل المتنفذ في الادارة الاميركية وآخر صقورها والتقرير السنوي لأجهزة الاستخبارات الاسرائيلية الذي رسم صورة قاتمة للتهديدات الاستراتيجية المحيطة بـ"اسرائيل"؟
حسب البيانات الرسمية الاميركية وتصريحات الرئيس جورج بوش فإن هدف الزيارة التي ستشمل كلا من سلطنة عمان والسعودية و"اسرائيل" والأراضي الفلسطينية وتركيا، هو حث الفلسطينيين والإسرائيليين على استئناف مفاوضاتهما التي استؤنفت بعد مؤتمر أنابوليس وتوقفت في أعقاب العدوان الاسرائيلي الاخير على قطاع غزة، فضلاً عن الطلب من الرياض القيام بما يمكنها لزيادة انتاج منظمة الاوبك المصدرة للنفط وزيادة العرض مقابل الطلب لخفض الاسعار، بعدما بلغ سعر البرميل رقماً قياسياً تجاوز مئة دولار، مخلفا وراءه نتائج سلبية على الاقتصاد الاميركي.
وإذا كان هذان الهدفان المعلنان للزيارة التي تأتي في سياق تكثيف الحضور الاميركي المباشر في المنطقة لإظهار امساك العصا من وسطها، حيث تأتي بعد جولة في المنطقة قام بها بوش قبل شهرين، وجولة لوزيرة الخارجية كوندوليزا رايس قبل اسبوعين، فإن نتائجها معروفة سلفاً، ذلك ان التعقيدات الجوهرية غير القابلة للحلحلة في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي تجعل من المستحيل ان يتوقع بوش مغادرة البيت الابيض وهو يلوح في يده بمسودة اتفاق ولو أوليا للحل النهائي على هذا المسار، كما قال في أنابوليس.. فضلا عن ان التطورات الميدانية الاخيرة أخذت الامور الى اماكن بات فيها الحديث عن السلام ضربا من الوهم عبر عنه القرار الاسرائيلي باستئناف بناء وحدات سكنية في مستوطنة بالضفة الغربية، في وقت يعتبر الاستيطان احد الملفات الشائكة بالنسبة للفلسطينيين، وبالتالي فإن حصيلة الزيارة تبدو بائسة في هذا المجال الى درجة انه لم يجرِ الحديث عن احتمال جمع تشيني لكل من رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهودا أولمرت ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في لقاء مشترك.
اما قصة أسعار النفط واستحضار المعادلة التقليدية لرفعها او خفضها من خلال خفض كمية العرض او زيادتها، فإنها لا تصلح في الازمة الراهنة لسعر الذهب الاسود، لأن ما تشهده من جنون في الاسعار بات يرتبط بأسباب اخرى يقع العرض والطلب في آخرها، فضلاً عن ان السعودية وحدها غير قادرة على القيام بخطوة مؤثرة في هذا المجال. وبالتالي لا يصلح هذا الملف عنوانا رئيسا لجولة تشيني، سيما ان رئيسه فشل خلال جولته في تحقيق أي نتيجة.
وعليه فإن ما يستحق المتابعة هو ما يتعلق بإيران، وإن كان الحديث عنها أُدرج في مرتبة ثالثة، حيث اقتضب بوش بالقول: "ان تشيني سيبحث التهديد الذي تمثله ايران، ورغبة الولايات المتحدة في الحفاظ على الاتفاقات الامنية مع حلفائها في المنطقة، القلقين من تصاعد قوة ايران". وعلى الأرجح فإن المهمة الرئيسة لتشيني تتعلق بما بات يسمى الخطر الاستراتيجي الايراني الذي يشكل تهديدا للمصالح الاميركية في المنطقة، فضلا عن تهديده الوجودي لـ"اسرائيل". وعليه فإن أزمة الخيارات التي تعاني منها واشنطن في التعامل مع طهران تتقدم بفارق كبير في الدرجات على أي قضية او ملف آخر بسبب انعدام الخيارات المجدية، حيث استُنفد خيار العقوبات الأحادية او عبر مجلس الامن الدولي، التي تتعاطى معها الجمهورية الاسلامية بخفة واستهزاء، وأدت الى تصليب موقفها وتصعيده للتمسك بحقوقها. فضلا عن ان مصالح الدول الرئيسة عطلت فعالية نظام العقوبات هذا، بحيث جاء القرار الاخير 1803 بمثابة رفع عتب ليس الا، لإدراك متخذيه انه لن يؤثر في مسار قدرات ايران النووية.
وعليه وإزاء الوقت القصير المتبقي على ولاية جورج بوش دون الإجابة عن السؤال الذي يقلقه وهو: ما العمل لوضع حد لجموح القوة الايرانية؟ تثار شبهات حول ما اذا كان منسوب الجنون الذي تميزت به هذه الادارة بدأ يلامس خيار الحرب، وإن كان غير مضمون النتائج اساساً، وذلك بناءً على المؤشرات التالية:
1 ـ خروج الاميرال وليام فالون رئيس القيادة الاميركية الوسطى من دائرة صنع القرار العسكري قبل انتهاء مهامه في الربيع المقبل، بعدما توقعت بذلك مسبقاً مجلة "اسكواير"، من اجل تعيين قائد يعتبره البيت الابيض اكثر انصياعا".. لنخلص من هذه الخطوة الى ان ذلك يعني ان الرئيس ونائب الرئيس يعتزمان القيام بعمل عسكري ضد ايران قبل نهاية السنة، ولا يريدان قائدا يقف في طريقهما، حيث ان الاخير يوصف بأنه الرجل بين الحرب والسلم، وإليه تنسب مسؤولية تهدئة التوتر مع ايران السنة الماضية، ما أثار "توترات جدية" مع البيت الأبيض.
2 ـ عدم انعقاد جولة رابعة من المحادثات الايرانية الاميركية بعدما تذرعت واشنطن بأنه لم يُحدد موعد رسمي لذلك، وبرغم ان الوفد الايراني قصد بغداد وغادرها. مع اشارة لافتة الى ان طهران كانت هي دائماً من يبدي فتوراً في هذه المفاوضات، وأرجأتها اكثر من مرة غير مكترثة بالإلحاح الاميركي الى حد المذلة. ما يطرح سؤالا عما اذا كانت الخطوة الاميركية هي لرد الاعتبار ام انها مؤشر الى انعدام جدوى التفاوض مع الايرانيين، وهو ما عبر عنه الرجل الثاني في القوات الاميركية في العراق الجنرال رايموند أوديرنو الاسبوع الماضي بقوله: "ان ايران لا تزال تدعم المتطرفين الشيعة في العراق وتواصل تدريبهم وتسليحهم وتمويلهم". هذا مع الاشارة الى ان جولة تشيني تسبق تقييم الوضع الذي تنتظره ادارة بوش ويتوقع ان يكون حاسما بالنسبة لمواصلة ما تسميه "الالتزام الاميركي" في هذا البلد، وهو ما سيقدمه قائد القوات الاميركية في العراق الجنرال ديفيد بترايوس والسفير في بغداد ريان كروكر أمام الكونغرس في الثامن والتاسع من نيسان/ أبريل، ليتخذ بعده بوش قرارا بخفض القوات في العراق او لا بعد تموز/ يوليو.
3 ـ ناقوس الخطر الذي قرعته أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية في تقريرها السنوي، حيث جاء في تقريري "الموساد" (الاستخبارات الخارجية) و"أمان" (شعبة الاستخبارات العسكرية)، انه توجد خمس جبهات عسكرية معادية لـ"اسرائيل" هي: سوريا ولبنان وقطاع غزة وإيران وحركة الجهاد العالمي.. لكن الجهازين اعتبرا ان التهديد الاستراتيجي المركزي هو من جانب ايران وذلك لسببين: استمرارها في تطوير برنامجها النووي، والدور المركزي لها كزعيمة لـ"محور الشر"، حيث ان ايران مستمرة في تطوير سيطرتها على مجال تخصيب اليورانيوم من خلال خرق سافر للقرارات الدولية.. وفي موازاة ذلك تواصل تطوير صواريخ طويلة المدى.
وبرغم ان هذا التقدير الاسرائيلي لم يتوقع حربا شاملة في المنطقة هذا العام، فإنه يعتبر ان ايران وسوريا تقدران انه بإمكان صواريخ ارض ـ ارض التي بحوزتهما ان تحسم حرباً مستقبلية مع "اسرائيل"، وأن هدف سباق التسلح هذا هو ضرب البطن الليّن لـ"اسرائيل"، أي الجبهة الداخلية في حال الحرب.
من هنا ينشأ التساؤل عن كيفية تعاطي الجانبين الاميركي والإسرائيلي مع هذا الخطر الذي يتهدد قوتهما العالمية والاقليمية، وما اذا كان هناك خيار آخر غير الحرب، أو الاستسلام للقدر الايراني الآخذ في التعاظم يوماً بعد آخر، موفراً لحلفائه غطاءً تصعب معه يوما بعد آخر أيضا مهمة واشنطن وتل أبيب في حماية منظومتهما.
عبد الحسين شبيب
الانتقاد/ العدد 1258 ـ 14 آذار/ مارس 2008