ارشيف من : 2005-2008

مؤتمر اتحاد البرلمانات العربية.. هل يطوي صفحة القطيعة العربية مع العراق؟

مؤتمر اتحاد البرلمانات العربية.. هل يطوي صفحة القطيعة العربية مع العراق؟

أربيل ـ عادل الجبوري
يقول الأمين العام لاتحاد البرلمانيين العرب السيد نور الدين بوشكوج "ان غياب العرب عن العراق كان خطأ فادحا".
هذه الحقيقة المؤلمة التي طالما قالها وكررها العراقيون على اختلاف توجهاتهم ومشاربهم وانتماءاتهم على امتداد الأعوام الخمسة الماضية، لم يتجرأ سياسي عربي رسمي بهذا المستوى على الاعتراف والإقرار بها عبر عبارات ومفردات واضحة وشفافة مثل تلك التي استخدمها السيد بوشكوج.
وربما كان انعقاد المؤتمر الثالث عشر لاتحاد البرلمانات العربية في العراق مناسبة وفرصة جيدة وجدها الامين العام لاتحاد البرلمانيين العرب لإظهار تأييده ودعمه ومساندته للتجربة العراقية الجديدة التي شيدت لبناتها الاولى على أنقاض وركام أسوأ دكتاتورية عرفها التاريخ بمختلف مراحله وحقبه. وحتى لو كانت انطلقت تلك التصريحات من العراق، سواء من بغداد او اربيل او اي مدينة عراقية اخرى، فإنه لا يمكن النظر اليها والتعاطي معها على انها نوع من المجاملات الدبلوماسية ليس الا، بل انه من المفترض والطبيعي والمنطقي التعامل معها على انها تعبير عن موقف صحيح، وبداية جيدة لتصحيح المسارات، وقراءة موضوعية وسليمة للواقع العراقي عن كثب، ودعوة واضحة الى كل العرب لمعالجة وتلافي ذلك الخطأ الفادح.
فمجرد عقد مؤتمر اتحاد البرلمانات العربية في العراق هو امر يحمل اهمية كبرى، وينطوي على دلالات ومعانٍ سياسية لا بد من ان تشكل جزءا من الصورة الكلية للعلاقات بين العراق ومحيطه العربي بمكوناته المتعددة.
لماذا لا نعتبر انعقاد مؤتمر اتحاد البرلمانات العربية في العراق مؤشرا حقيقيا ومهما يعزز ويؤكد الكم الهائل من الرسائل التي أطلقها العراقيون الى أشقائهم العرب وكل العالم طيلة الاعوام الخمسة الماضية، برغم أنهار الدماء التي سالت منهم والأرواح التي أزهقت بفعل الإرهاب الوافد من وراء الحدود؟
يقول رئيس مجلس الأمة الكويتي السيد جاسم الخرافي: "ان عقد اجتماع الاتحاد البرلماني العربي في العراق يؤكد عودة الحق له برئاسة الاتحاد بعد رحيل النظام الصدامي، ويؤكد انه يسير بالاتجاه الصحيح في رحلة الديمقراطية". ويضيف الخرافي قائلا: "ان فكرة عقد الاجتماع في العراق جاءت انطلاقا من أهمية ابراز استقرار العراق وإيمانه بالديمقراطية وضرورة مشاركة البرلمان العراقي الديمقراطي الصحيح بالمحافل الدولية".
وإذا كان نظام صدام من خلال سياساته العدوانية قد تسبب في فقدان العراق رئاسة اتحاد البرلمانات العربية، فإن الاجواء والمناخات السياسية الجديدة في العراق بعد سقوط ذلك النظام يمكن ان تشكل ارضيات مناسبة للغاية لاضطلاع العراق بدوره الحقيقي في الميدان العربي، وهو بلا شك قادر على ذلك ومؤهل لذلك، وتجربته الديمقراطية حديثة العهد تشكل نقطة قوة له تميزه عن أطراف عربية اخرى عديدة.
ان حجم المشاركة العربية في مؤتمر أربيل يشكل مؤشرا مهما، فمن بين اثنتين وعشرين دولة عربية شاركت تسع عشرة دولة، وتخلفت ثلاث دول عن الحضور هي: ليبيا والصومال وجزر القمر. وليبيا وحدها تذرعت بأن عدم مشاركتها هو لكون العراق بلدا خاضعا للاحتلال.
والى جانب رسالة انعقاد المؤتمر في العراق، والى جانب رسالة اعتراف السيد نور الدين بوشكوج بأن الغياب العربي كان خطأ فادحا، ورسالة العراق الى الآخرين بأن انهاء الاحتلال او الوجود الأجنبي لا يتحقق بتشويه الحقائق ودعم الارهاب والتغني بعهد الدكتاتورية والاستبداد، وإنما بالانفتاح على العراق الجديد، فإن عقد المؤتمر في أربيل عاصمة اقليم كردستان العراق، يطلق رسالة مهمة للغاية مفادها ان اقليم كردستان جزء من العراق، وأن مخاوف البعض في الماضي وفي الحاضر من انفصال كردستان وتفكك العراق وسعي الاكراد لتشكيل دولة مستقلة لهم تكون عاصمتها أربيل، هي مخاوف مبالغ فيها، وربما أريد منها تشويه صورة الواقع وتأليب الآخرين على العراق.
ومع ان المؤتمر الذي انبثقت عنه عدة لجان سياسية واقتصادية وقانونية وحول حقوق المرأة والإنسان، وأعدت تقارير حول المفردات المعنية بها، شهد نقاشات حول قضايا عربية مختلفة في العراق وفلسطين ولبنان والسودان والصومال وغيرها، الا ان الملف العراقي حظي بالاهتمام والتركيز الاكبر من قبل المشاركين في المؤتمر.. ولعل اتفاق الجميع على العمل لإخراج العراق من البند السابع من ميثاق منظمة الأمم المتحدة، مثل الجانب الأهم في مجمل الموضوعات المطروحة على بساط البحث والنقاش.
ان مؤتمر اتحاد البرلمانات العربية ينبغي ان يكون فرصة مناسبة لمختلف الاطراف العربية لإعادة قراءة الواقع العراقي قراءة موضوعية وهادئة بعيدا عن عقد الماضي وهواجس الحاضر وقلق المستقبل، ولا بد من ان يكون الحضور العربي في العراق متناسبا مع حجم المصالح والقواسم والهموم المشتركة، وعمق الانتماء الحضاري والثقافي الواحد، إذ لا يعقل ان يكون هناك حضور في العراق اكثر من الحضور العربي. وقبل أسابيع قلائل ذكر وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري في حديث تلفزيوني، ان وزارة الخارجية العراقية نظمت لقاء للأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السيد أحمد بن حلي خلال زيارتة الاخيرة للعراق، مع رؤساء البعثات الدبلوماسية العربية في بغداد، وكانوا أربعة، ولم يكن من بين هؤلاء الأربعة من هو بدرجة سفير!
رسائل العراق الى العرب طيلة الاعوام الخمسة الماضية لم يكن الرد عليها حتى الآن بالمستوى المطلوب، ويبدو ان مؤتمر أربيل سيكون بداية طيبة لذلك، خصوصا ان الأمين العام لاتحاد البرلمانيين العرب قال ايضا: "إن المؤتمر سيحمل رسالة تضامن واعتذار على عدم حضور الأمة العربية في العراق في المدة الماضية، وسيكون نقطة تحول كبرى في العلاقات الأخوية بين العراق والأمة العربية".
الانتقاد/ العدد 1258 ـ 14 آذار/ مارس 2008

2008-03-14