ارشيف من : 2005-2008
الانتخابات الأميركية بين الأرنب الديمقراطي والسلحفاة الجمهورية
بعد اثني عشر انتصاراً انتخابياً حققها باراك أوباما على منافسته هيلاري كلينتون على طريق الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لأحدهما في الانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، عادت كلينتون إلى تحقيق التوازن المفقود بعد أن فازت دفعة واحدة في كل من ولايات تكساس وأوهايو ورودآيلاند. ولم يتعرض هذا التوازن للاختلال مع فوز أوباما اللاحق في ولاية وايومين ذات العدد القليل نسبياً من المقترعين.
ولا يبدو أن تغيراً حاسماً سيطرأ على هذا التوازن في الانتخابات التي ستجري في ميسيسيبي وبنسلفانيا، أو في الانتخابات التي قد يعاد إجراؤها في ميتشيغان وفلوريدا بعد حرمان ممثليهما من حق التصويت نتيجة تجاوزات جرى خلالها خرق قواعد اللعبة الانتخابية المقررة من قبل قيادة الحزب الديمقراطي. وعلى ذلك يجمع المراقبون على أن أياً من المرشحين الديمقراطيين لن يحصل في نهاية المطاف على الأصوات الـ(2025) الضرورية للفوز بالترشح عن الحزب الديمقراطي، ما يجعل الحسم مرهوناً بخيارات 796 مقترعا كبيرا يتمتعون بصلاحية التصويت الحر لمن يشاؤون. ومع ذلك فإن المعركة بين أوباما وكلينتون تزداد احتداماً، وهي معركة إعلامية بالطبع، وتمر إجبارياً بالأسباب التي ساعدت كلينتون على تعديل مسارها. أبرز هذه الأسباب أخطاء وهنات ارتكبت من قبل فريق أوباما وأُحسن استغلالها من قبل فريق كلينتون. مستشارة أوباما لشؤون السياسة الخارجية أطلقت عبارة جارحة بحق هيلاري، ما أدى إلى استقالتها من منصبها في حملة أوباما وإلى اعتذار باهظ التكاليف في مثل هذه الظروف من قبل هذا الأخير. أما مستشاره الاقتصادي فقد فسّر حملته على مبادئ التجارة الحرّة بأنها لا تشكل مساساً باتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (ألينا) الموقعة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك. ثم ذهب إلى كندا ليقول لبعض مسؤوليها إن عليهم ألا يتعاملوا مع تلك التصريحات على أنها أكثر من كلام خطابي. وبالطبع فقد عزز ذلك من قوة الحجج التي يقدمها فريق هيلاري والتي تركز يومياً على ازدواجية خطاب أوباما، وهي الازدواجية التي استشفت أيضاً في تصريحاته حول استعداده للقاء راؤول كاسترو بلا شروط بهدف إقناعه بإجراء إصلاحات ديمقراطية في كوبا، التي ينظر إليها الأميركيون عموماً بوصفها بلداً يجرجر خلفه تاريخاً طويلاً من الديكتاتورية.
أخطاء.. ولكن أيضاً براعة متعوب عليها في مجال التأليب الإعلامي. فقد عزا المراقبون انتصارات هيلاري الأخيرة إلى إعلان دعائي بالدرجة الأولى.. يعرض الإعلان أطفالاً أميركيين يغطون في نوم طفولي ناعم بينما جرس الهاتف الأحمر يدق في البيت الأبيض في الساعة الثالثة فجراً.. ولا من مجيب. ثم يسمع مشاهدو الشريط الدعائي صوتاً يتساءل عما إذا كان الشخص المكلف برفع سماعة الهاتف يمتلك خبرة كافية لضمان أمن أميركا. إنها إحدى المقولات الأثيرة في حملة هيلاري كلينتون: افتقار أوباما للخبرة في مجالي السياسة الخارجية والأمن. وعلى هذا الهجوم رد أوباما بهجوم مضادّ لم يتجاوز التعريض بخبرة هيلاري المستفادة من كونها لا شيء أكثر من عضويتها في مجلس الشيوخ ومن كونها زوجة الرئيس الأميركي السابق. وفي الوقت الذي ينزلق فيه المتنافسان الديمقراطيان إلى الإمعان في السياسوية إلى حد استخدام حجج الخصم الجمهوري ضد بعضهما البعض، تمتد المواجهة في استعراض للقوة عبر مقدرة كل من الفريقين على جمع أموال المتبرعين للحملات الانتخابية. وهنا أيضاً لا يبدو الحسم ممكنا.. 138 مليون دولار لأوباما مقابل 134 مليوناً لهيلاري خلال الفترة الممتدة حتى آخر كانون الأول/ يناير الماضي. وبالطبع فإن كل شيء يجري بقطع النظر عن احتدام المنافسة بين أوباما وكلينتون، وكأن الأمر محسوم في النهاية لمصلحة الحزب الديمقراطي على خصمه الجمهوري. ولكن الظروف التي تظل فيها الكلمة الأخيرة لمزاج شعبي سمته الزئبقية وتراجع العقلانية، قد تنفلق عن موقف شبيه بالسباق الذي ينتهي بهزيمة الأرنب الواثق بقدراته إلى حد الغرور مقابل السلحفاة المواظبة على السير البطيء بلا كلال. فقد فاز جون ماك كين على منافسه مايك هوكابي بترشيح الحزب الجمهوري. وفور فوزه استقبله بوش كما يستقبل الرؤساء على عتبة البيت الأبيض، معلناً بذلك دعمه الكامل لمنافسه القديم في رئاسيات العام 2000. وإذا كان دعم بوش الفاقد للشعبية لا يشكل ورقة رابحة لماك كين، فإن سياسات بوش العامة لم تفقد جاذبيتها في أنظار شرائح واسعة من الشارع الأميركي.. ألم يلجأ فريق هيلاري نفسه إلى التهويل الأمني ـ وهو اختراع بوشي بامتياز ـ في كسر صعود أوباما؟ وعلى كل حال، فإن مكافحة الخطر الإسلامي تحتل الموقع الأول في برنامج ماك كين الانتخابي.. كما أنه قد سبق منافسيه الديمقراطيين في الإعلان عن الزيارة "الانتخابية" التي سيقوم بها إلى حائط المبكى قبل تصرّم الشهر الحالي، وهي زيارة يعرف أهميتها كل مرشح لمنصب مهم في بلدان الغرب.
عقيل الشيخ حسين
الانتقاد/ العدد 1258 ـ 14 آذار/ مارس 2008