ارشيف من : 2005-2008

رداً على كوسوفو: أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية.. أولاً!

رداً على كوسوفو: أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية.. أولاً!

سبق لروسيا أن حذرت من أن إعلان استقلال كوسوفو من طرف واحد عن صربيا هو سابقة ستكون لها تداعيات انفصالية في البلقان وأوروبا وسائر العالم. ولم يكن من الصعب التكهن بأن أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وهما تابعتان رسمياً لجورجيا لكنهما تتمتعان باستقلال شبه ناجز بحكم الأمر الواقع، ستكونان المسرح الأول لهذه التداعيات. وبالفعل فقد اتخذ برلمان أوسيتيا الجنوبية الأسبوع الماضي قراراً بالإجماع طالب المجتمع الدولي بالاعتراف بالإقليم دولةً مستقلة وكاملة السيادة أسوة بكوسوفو. وبعد يومين صدر قرار مماثل عن برلمان أبخازيا أكد أن جمهورية أبخازيا موجودة منذ خمسة عشر عاماً كأمة مستقلة، وأنه من حقها الحصول على اعتراف رسمي دولي. ولم يحظَ قرار أوسيتيا الجنوبية باهتمام غير عادي ربما بسبب الموقع الجغرافي غير الاستراتيجي للإقليم، أو بسبب كثرة ما يرتبط به وبجيرانه من إشكالات إتنية ودينية. لكن الأمر كان مختلفاً بالنسبة الى أبخازيا التي تتمتع بقدر أكبر من الانسجام الداخلي، وتحتل موقعاً استراتيجياً أكثر أهمية على الساحل الشرقي للبحر الأسود. وعلى الفور شجعت روسيا هذه الخطوة وبادرت إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على الإقليم بموجب اتفاقيات سابقة مع جورجيا وعلى صلة بإنهاء الحرب الأهلية التي كانت قد اندلعت فيها بداية التسعينيات. ورد رئيس جورجيا ميخائيل ساكاشفيلي في كلام وجهه إلى مجلس الأمن الدولي، أدان فيه الخطوة الروسية، معتبراً أنها تشكل استفزازاً خطيراً على أساس أن رفع العقوبات الاقتصادية عن أبخازيا سيسمح لروسيا بأن تسلحها، وبزعزعة الاستقرار في جورجيا وسائر مناطق القفقاس تاليا. كما جرى استدعاء السفير الروسي في تبليسي لتسليمه رسالة احتجاج من السلطات الجورجية.
واللافت أن هذا التطور جاء بعد أن كانت العلاقات الروسية الجورجية قد شهدت تحسناًً غير منتظر خلال الأسابيع القليلة الماضية، وذلك بخلاف ما كان من المفترض أن تثيره مسألة كوسوفو من احتقانات في تلك العلاقات التي يبدو أنها عادت الآن إلى جاري عهدها منذ تفكك الاتحاد السوفياتي، وخصوصاً منذ انتصار ثورة الورد ووصول ميخائيل ساكاشفيلي إلى الحكم في جورجيا. والمعروف أن ساكاشفيلي متحمس للتقارب مع الغرب، وسبق له أن وقع اتفاقيات سمحت لواشنطن بتأمين وجود عسكري في جورجيا، وهنالك توجه لانضمام جورجيا الى الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي. وبالطبع تنظر موسكو بعين الاستياء إلى سياسات ساكاشفيلي التي تسببت في العام 2006 باندلاع أزمة أسفرت عن قطع العلاقات التجارية بين البلدين وإخضاع جورجيا إلى ما يشبه حالة الحصار. وفي الوقت الذي وجهت فيه موسكو تحذيرات من انضمام جورجيا إلى الحلف الأطلسي، لا يبدو أن الوضع داخل جورجيا مستقر بما يكفي لمواجهة الضغوط المتمثلة بالتحركات الأخيرة في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وبالتشدد الروسي المتجدد. فالواقع أن جورجيا تشهد منذ أشهر حالة من القلق عبرت عن نفسها في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، من خلال انقسام داخل الطبقة السياسية الحاكمة رافقته تظاهرات طالبت بتنحية ساكاشفيلي وسط اتهامات بالفساد وسوء الإدارة والعجز عن وضع حد لمعالجة مشكلات الفقر المستشري في البلاد. وقد رد ساكاشفيلي بإجراءات قمعية أثارت استياء حلفائه الغربيين الذين توسطوا من أجل إعادة المياه إلى مجاريها بين الفريقين، بعد الاتفاق على إجراء انتخابات رئاسية جرت في كانون الثاني/ يناير الماضي وأسفرت عن فوز ساكاشفيلي. لكن المعارضة اتهمته بتزوير النتائج، كما اتهمت الغربيين بحماية نظامه الدكتاتوري، وقررت الاستمرار في الاحتجاج والتظاهر حتى إعادة الانتخابات. وقد شهدت حالة الاعتراض نهوضاً جديداً بالتوازي مع التطورين اللذين استجدا في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. وعلى ذلك سيكون على نظام الرئيس ساكاشفيلي أن يواجه في الأيام والأسابيع المقبلة، تحديات تتجاوز التحركات الانفصالية الداخلية إلى احتقانات جديدة في العلاقات مع موسكو، ما يعني أن الرد الروسي على استقلال كوسوفو قد لا يكتفي بالضغط على كل من جورجيا وأوكرانيا من خلال تحريك خلافات تفصيلية محدودة، بل قد يتجاوز ذلك إلى تفجرات تذهب باتجاه تغيير الهوية السياسية في هذين البلدين. وقد برز هذا التوجه في صربيا أيضاً حيث قامت الحكومة الصربية بحل نفسها، ودعت إلى حل البرلمان تمهيداً لإجراء انتخابات مبكرة من أجل التوصل على صيغة حكم في بلد منشق على نفسه في ما يتعلق بمسألة التقارب مع الغرب، ولكنه متحد في رفض استقلال كوسوفو المدعوم من الغرب. ولا يمكن لهذه التطورات إلا أن تدفع بلغراد نحو المزيد من التقارب مع موسكو، ما يعني في المحصلة أن التحذيرات الروسية من تداعيات هذا الاستقلال على مستوى التحركات الانفصالية هنا وهناك قد تسفر أيضاً عن تراجع بلدان بأكملها عن الارتباط بالغرب للعودة إلى الفضاء الروسي التقليدي. ويأتي طرد السفير الأميركي من بيلوروسيا قبل أيام مظهرا من مظاهر المواجهة المتصاعدة مع الغرب في أوروبا الشرقية والوسطى.
ع.ح.
الانتقاد/ العدد 1258 ـ 14 آذار/ مارس 2008

2008-03-14