ارشيف من : 2005-2008
التهدئة تحت الاختبار: رزمة مبادرات على طاولة البحث في القاهرة تمهيداً لاعتداء آخر
غزة ـ عماد عيد
كما هو الحال عقب كل عملية عسكرية صهيونية فاشلة في قطاع غزة او في الاراضي الفلسطينية بشكل عام تبدأ وسائل الاعلام الصهيونية على وجه الخصوص بالعزف على نغمة التهدئة وامكانية التوصل اليها مع فصائل المقاومة الفلسطينية عن طريق حماس التي تسيطر على قطاع غزة منذ حوالى تسعة اشهر.. واصبح حديث الساعة بالنسبة لوسائل الاعلام المختلفة هو التهدئة مع قطاع غزة، واصبح الشغل الشاغل لدوائر القرار الصهيوني اطلاق التصريحات وتسريب المعلومات المتناقضة احيانا حول التهدئة، مفادها بشكل نهائي هو جس نبض رد فعل الفصائل الفلسطينية حول هذا الامر، ومحاولة معرفة موقف هذه الفصائل ومدى استعدادها لعملية عسكرية اخرى قد تقع في اية لحظة في قطاع غزة من خلال صلابة وقوة الموقف الفلسطيني او ضعفه.. وهو امر اصبح معروفا بالنسبة للفصائل الفلسطينية التي اصبح لديها دراية كاملة بقراءة الموقف الصهيوني والسياسة الصهيونية والمتغيرات التي تطرأ في كل مرحلة على الساحة الدولية والاقليمية..
وقد ابلغتنا مصادر قيادية في حركتي حماس والجهاد الاسلامي المعنيتين بشكل اساسي بهذه التهدئة او عدمها بأن الحركتين غير معنيتين كثيرا بالتهدئة، او لا تلهثان وراء التوصل الى مثل هذه التهدئة، غير انهما لا تمانعان من التوصل اليها عن طريق غير مباشر مع العدو الصهيوني شريطة ان تكون متبادلة ومتزامنة وشاملة، اي تشمل الضفة الغربية، وشريطة ان تشمل رفع الحصار الصهيوني المفروض على قطاع غزة منذ سيطرة حماس عليه، وان يتم فتح المعابر خصوصا معبر رفح الحدودي امام المواطنين الفلسطينيين.
وبحسب المصدر المتابع لهذه القضية عن كثب فإن هذه الشروط حتى لو التزم بها العدو الصهيوني فإن ذلك لا يلغي حق المقاومة في الرد على اي توغل او اعتداء صهيوني في قطاع غزة او في الضفة الغربية، وهذا يعني ان المقاومة ليست مكبلة بشروط سوى وقف اطلاق الصواريخ إذا ما التزم العدو بكل الشروط السابقة، وهو ـ والحديث لنفس المصدر ـ وسيلة من وسائل المقاومة الفلسطينية تستخدمها في الوقت المناسب وتوقفها في الوقت المناسب بما يخدم مصلحة الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية ويحفظ كرامتهما..
وسبق لهذا المصدر ان حضر اجتماعات حركتي حماس والجهاد الاسلامي في العريش ومعبر رفح حول هذا الامر وقال ان هذا الموقف بكل تجرد وصل الى المسؤولين المصريين، وان رسائل قوية جدا وصلت الى المسؤولين المصريين حول موقف المقاومة والفصائل الفلسطينية من قضية المساعي المبذولة ومن الحصار ومن الدور الاميركي، ومن المتوقع والمأمول من المصريين في ظل الحصار المتواصل.
وعلى الارض فإن فصائل المقاومة الفلسطينية لا سيما حماس والجهاد الاسلامي تستمر في الاستعداد للمعركة القادمة، وان تقديرات هاتين الحركتين تفيد بأن الجيش الصهيوني سيعمد في مرحلة قريبة الى تنفيذ عملية عسكرية اخرى داخل قطاع غزة برغم الحديث عن التهدئة وما يحيطها من هالة اعلامية كبيرة، ولذلك فقد شوهدت اوساط هاتين الحركتين العسكرية تسابق الزمن في تحقيق هذه الاستعدادات العسكرية في الميدان وتستخلص العبر والدروس من العملية السابقة للوصول الى مكامن الضعف وتحاول التغلب عليها وتقويتها وتعزيز مكامن القوة لدى المقاومة الفلسطينية لا سيما في قضية المواجهة عند الخطوط الامامية فضلا عن قضية اطلاق الصواريخ بتقنيات جديدة تمكن من الاستمرار في اطلاقها مهما كان حجم هذه العملية الصهيونية..
وفي المقابل فإن الجانب المصري سيحمل موقف المقاومة الفلسطينية الى جانب ملف شاليط الى العدو الصهيوني والى الادارة الاميركية التي تريد هي هذه التهدئة في الوقت الحالي، ومن ثم الرد على الفصائل الفلسطينية في كل هذه المسائل، وبحسب محللين ومراقبين وعارفين بالشأن الفلسطيني فإن الادارة الاميركية ارادت هذه التهدئة اولاً من اجل احتواء حجم التعاطف الكبير والضغوط الاكبر عليها بفعل اثار هذه العملية وما خرج عنها من صور للاطفال والبيوت المدمرة الى جانب محاولة الاستفادة من عملية القدس الغربية واستغلالها في أي اعتداء آخر للعدو الصهيوني، فضلا عن امرار القمة العربية في دمشق من دون صدور قرارات متطرفة من قبيل الغاء المبادرة العربية للسلام، بمعنى اخر سحب البساط من تحت ارجل المعسكر المناهض للمعسكر الاميركي او حلفاء اميركا من العرب، هذا بالاضافة الى حالة الفشل التي منيت بها قوات الاحتلال الصهيوني في هذه العملية وعدم قدرتها على الحسم خلال خمسة ايام، ولا حتى التقدم ولو مترا واحدا بعد المسافة التي تقدمت بها الاليات الصهيونية في اول يوم داخل المناطق المفتوحة شرق جباليا شمال القطاع..
ولكن هذه ليست الوسيلة الوحيدة التي لجأت اليها اميركا عقب هذا الفشل، فقد جاءت رايس الى المنطقة مباشرة وطلبت من مصر العمل بجدية على ملف التهدئة، وطلبت من الرئيس الفلسطيني محمود عباس العودة عن قراره وقف المفاوضات والعودة الى الاجتماع مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني اولمرت للمساهمة في مسح اثار العدوان الصهيوني على قطاع غزة ووقف المد الجماهيري والشعبي العربي والاسلامي والذي بدوره يشكل ضغطا كبيرا على الانظمة الرسمية الموالية لاميركا..
باختصار إن اجتماعا قريبا سيعقد بين عباس واولمرت وانه بالامكان الحفاظ على المبادرة العربية والتسريع في نسيان صور الاطفال وقتل المدنيين في القطاع، بعدها يمكن الوصول الى عملية عسكرية جديدة تكون ربما اكثر تركيزا على المقاومين الفلسطينيين وهو وقت ليس بالبعيد حسبما يقول المحللون والمراقبون.
الانتقاد/ العدد 1258 ـ 14 آذار/ مارس 2008