ارشيف من : 2005-2008
قلقيلية: مدينة فلسطينية تتنفس من بوابة عرضها عشرة أمتار
قلقيلية ـ ميرفت صادق
سنتوجه هذا اليوم شمالا.. إلى أقصى الحدود مع الوطن الآخر.. حيث مدينة يحاصرها الجدار برا، وتتآكلها عوامل الفقر والبطالة من الداخل، حتى لا تتيح أمام الكثيرين ممن فقدوا أسباب عيشهم سوى الرحيل.
مدينة قلقيلية الفلسطينية، الأرض الخضراء كما تُعرف بين سكان فلسطين المحتلة (وبالذات منطقة الضفة الغربية)، تقع عند نقطة التقاء السفوح الغربية لسلسلة جبال نابلس والطرف الشرقي لساحل التجمعات السكانية والحضارية الممتدة على طول الساحل الفلسطيني، وهو الموقع الذي منح هذه المدينة أهمية خاصة وأصبحت نقطة التقاء بين مدن فلسطين: شمالها وجنوبها وشرقها وغربها، "وهي نفس الأهمية التي حظيت بها قديماً يوم كانت محطة بارزة للقوافل التجارية تحط عند ينابيعها الرحالة".
والموقع ذاته جعل من قلقيلية نقطة انطلاق الكثير من الغزوات الحربية، خاصة مع وجود محطة سكة الحديد فيها الواقعة على بعد 82 كيلومترا من المحطة المركزية في حيفا، الأمر الذي جعل منها إحدى المحطات المعدودة والمعتمدة على امتداد خط سكة الحديد الموصل بين الشام ومصر.
مئات ملايين الدولارات
يقول وجيه قواس رئيس بلدية قلقيلية إن تقدير حجم الخسائر الاقتصادية للقطاعات المختلفة في مدينة قلقيلية يكاد يكون صعبا بعض الشيء، ولكن يمكن الحديث عن مئات ملايين الدولارات تكبدتها المدينة خسائر نتيجة الحصار الاقتصادي الذي كان لجدار الفصل العنصري الإسهام الرئيسي فيه. وحسب تقديرات بلدية قلقيلية فإن هذه الخسائر نجمت تحديدا عن مصادرة آلاف الدونمات الزراعية لبناء الجدار، أو إتلاف مساحات زراعية واسعة أخرى دون مصادرتها، إلى جانب تدمير نسبة كبيرة من الآبار الارتوازية وأحواض المياه في المنطقة. وكان لالتفاف جدار الفصل العنصري حول المدينة ومحاصرته لها من جهاتها الأربع أسوأ تأثير تسبب في تفاقم نسب الفقر والبطالة بين السكان.
وفيما يختص بتأثير الجدار، يشير رئيس بلدية قلقيلية إلى أن سلطات الاحتلال صادرت منذ عام 2002 بداية بناء جدار الفصل العنصري، سبعة آلاف دونم من أراضي مدينة قلقيلية. ويحاصر الجدار مدينة قلقيلية من جهاتها الأربع، ولا يترك لسكانها سوى بوابة بعرض عشرة أمتار على المدخل الشرقي للمدينة، حيث تخضع إجراءات دخول وخروج المواطنين لأمزجة جنود الاحتلال، خاصة خلال العمليات العسكرية التي ينفذها الاحتلال في المدينة.
70% بطالة..
وفي الوقت الذي ارتفعت نسبة البطالة في مدينة قلقيلية الى أكثر من 70%، والرقم وُصف بالأعلى في الضفة الغربية، يعزو رئيس البلدية هذا التدهور الى حرمان آلاف عمال مدينة قلقيلية من الوصول الى أعمالهم داخل الأراضي المحتلة عام 48، بسبب إغلاق المدينة وإعاقة الجدار وصولهم. وكذلك بسبب تراجع توفير فرص العمل داخل المدينة، سواء في الورش الصناعية او في القطاع الزراعي.
ورافق هذه الإجراءات أيضا منع آلاف المواطنين من ممارسة أعمالهم الزراعية بعد فقدان مساحات واسعة لبناء الجدار، او عزل أراضيهم خلف الجدار ومنعهم من الوصول إليها، أو بسبب فقدان المزارعين القدرة التسويقية، سواء داخل المدينة بسبب تأزم الأوضاع الاقتصادية أو خارجها بسبب عدم القدرة على إخراج محاصيلهم الزراعية بصورة طبيعية الى أسواق المدن الأخرى.
ولم يبقَ في المدينة حسب رئيس بلديتها، سوى قطاع الموظفين الذي تعرض مؤخرا لنكسة على صعيد الرواتب أيضا، خاصة في ما يتعلق بموظفي السلطة الفلسطينية. وكانت مدينة قلقيلية تشتهر نتيجة ظروفها الزراعية الملائمة، بتوافر أكبر المشاتل الزراعية وأكثرها تنوعا من حيث المساحة وأنواع المحاصيل والمزروعات. وحسب بلدية قلقيلية فإنه ما بين (15 ـ 20) مشتلا دُمّرت من قبل قوات الاحتلال خلال عمليات الاجتياح، الأمر الذي أفقد المدينة نحو 50 مليون دولار كانت تدرها هذه المشاتل شهريا.
600 مصلحة تجارية أغلقت
وإلى جانب كونها مدينة زراعية بامتياز، نشأ في مدينة قلقيلية بعد احتلال عام 1967 عدد من المصالح التجارية والحرفية، الا أن هذه المصالح أفقدها الحصار الاقتصادي القدرة على الصمود بعد أن منع المتسوقين عنها، وقطع التواصل الجغرافي بين المدينة وامتدادها الجغرافي الضفة الغربية. وتبعا للإحصاءات الرسمية فإن 600 مصلحة تجارية بين محلات ومنشآت وورش صناعية أغلقت في مدينة قلقيلية منذ نهاية العام 2000.
ويوضح رئيس البلدية أن معظم هذه المصالح هجرها أصحابها أو قرروا وقف أعمالهم بسبب عدم قدرتهم على تصريف بضائعهم او شراء بضائع جديدة، خاصة في ظل تعرض المدينة لتدمير مباشر على صعيد تخريب البنى التحتية وهدم المنشآت خلال الاجتياحات، وتدمير شبكات المياه والكهرباء.
وتسبب انقطاع المتسوقين من فلسطينيي 1948 عن المدينة بسبب منعهم من الدخول في أغلب الأحيان، بفقدان المدينة مورد دخل أساسيا كانت تعتمد عليه من زيارة أهالي المثلث، خاصة خلال العطل الأسبوعية. وقد شكل في فترة من الفترات السابقة من 60 ـ 70% من المتسوقين.
إلى جانب ذلك حالت الإجراءات الاحتلالية دون وصول سكان القرى المحيطة إلى المدينة، الأمر الذي تسبب بتدهور الوضع الاقتصادي لأصحاب المحال التجارية. وحسب تقارير الأمم المتحدة التي أكدها رئيس بلدية قلقيلية، فقد هجر المدينة نحو أربعة آلاف مواطن، سواء الى مدن الضفة الأخرى أو الى خارج فلسطين، خلال الأعوام الستة الماضية، ومعظمهم كما توضح التقارير من أصحاب المصالح التجارية.
أعلى كثافة سكانية في الضفة
ويتضح حجم النكبة عند العلم أن مدينة قلقيلية قدرت مؤخرا بأنها أكثر المدن الفلسطينية من حيث الكثافة السكانية في الضفة الغربية، حتى وصفها وفد تركي زارها العام الماضي بأنها "غزة الضفة". وقد بلغ عدد سكانها حسب آخر إحصائية سكانية (50) ألف نسمة، يسكنون في مساحة لا تتعدى 4200 دونم. بمعنى أن حصة الفرد من المساحة لا تتعدى 9% من المتر المربع الواحد.
محاولات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه
يقول وجيه قواس إن البلدية تحاول منذ فترة إنقاذ ما يمكن إنقاذه والتخفيف من هذه الأرقام المذهلة، من خلال توفير مشاريع تشغيلية تستوعب اكبر قدر من الأيدي العاملة شهريا، الى جانب استجلاب الدعم العربي والأوروبي لإقامة مشاريع من النوع نفسه للحد من تفاقم نسبة البطالة وهجرة الشبان الى خارج المدينة.
وتوفر البلدية شهريا (130) فرصة عمل من خلال مشاريعها، بينما يجري التنسيق مع مؤسسات أخرى لاستيعاب بين (100) الى (150) فرصة عمل إضافية. وتنفذ وكالة الغوث نشاطات تشغيلية تستوعب (120) فرصة عمل شهريا، إضافة الى (40) فرصة عمل يوفرها الصليب الأحمر. وتساهم بعض المؤسسات الأهلية في توفير نسب مشابهة من الفرص أيضا.
الصور بعدسة المصور الصحافي محمد عذبة من قلقيلية
الانتقاد/ العدد1213 ـ تحقيقات ـ 4 ايار/مايو2007