ارشيف من : 2005-2008
مخيمات جمعية "شباب" الصيفيّة : مواصفات حديثة وبرامج متطورة لتحصين جيل المستقبل
يجاورون الجبل والوادي, ويأنسون بالنهر والشجر، يحاكون الحجر وطير الهدهد، لتكون الطبيعة بكل ما فيها من بساطة وعفوية البيت الجديد الذي يجمعهم معاً تحت سقف السماء وبين أحضان التلال الجنوبية الخضراء, فيتبادلون أساليب العيش ونوادر الكلام، فتسمو روحهم ويصفو ذهنهم في جو من التآلف والراحة، ما يبعث في نفوسهم توقاً الى المعرفة وشوقاً لاكتشاف منابعها ومفاتيح أبوابها.. وهذا هو الهدف المرتجى.
شباب مراهقون تتراوح أعمارهم بين 15 و20 عاماً, كغيرهم من الشبان الذين يفتشون في عطلة الصيف عن كل ما يريحهم وينسيهم عناء الدراسة وروتين الحياة, أعجبتهم فكرة تمضية أيام عدة ضمن المخيمات الشبابية التي تقيمها جمعية "شباب"، والتي توفر كل تلك الأجواء وتمكنهم من ممارسة هواياتهم المفضلة.
المخيم يبدو مختلفاً، فمواصفاته ليست كمواصفات المخيمات التقليدية المعروفة، سواء من حيث التجهيزات أو القوانين أو الأساليب أو الأهداف. وبرغم أن معظم المتوجهين إليه من الشباب لا يدركون كل تلك التفاصيل التي لا يمكن حصرها في "بوستر" أو اعلان في وسائل الإعلام, إلا أنهم فور وصولهم لا يستطيعون إخفاء عنصر المفاجأة الذي يبدو جلياً على وجوههم منذ اللحظة الأولى لدخولهم الى المخيم.
رافقنا دفعة منهم، وكانت الدفعة الثانية التي تزور المخيم. نقطة التجمع كانت عند نهاية الطريق المعبدة بالاسفلت، والمؤدية الى أحد أودية بلدة زوطر الشرقية، حيث أقلتنا جميعاً السيارات المجهزة التي يمكنها اجتياز الطرق الصعبة التي ستوصلنا الى المخيم الذي يقع على ضفاف نهر الليطاني.
مكان المخيم بعيد عن البلدة ولا يصل اليه السكان، ما يضفي عليه مزيداً من الصفاء والنقاء في أحضان الطبيعة بعيداً عن كل أشكال التلوث الذي يمكن أن يسببه الإنسان.
من مختلف المناطق الجنوبية أتوا، وهم بالطبع يتفاوتون من ناحية العمر والطبقات والبيئات الاجتماعية التي ينتمون اليها. الجولة الأولى في أقسام المخيم كانت كفيلة بإظهار إعجاب المشاركين بالطاقم الذي يدير المخيم، أولاً لناحية دقة التنظيم والترتيب الذي يتميز بهما المخيم، وثانياً لناحية هندسته الداخلية والخارجية، فأجزاء المخيم وُصل بعضها ببعض عبر أرصفة حجرية مصفوفة بشكل يعيدنا الى أجواء القرية القديمة، ومن ثم اللافتات التي ترشد المرء الى القسم الذي يقصده. إلا ان أكثر ما لفت نظر هؤلاء الفتية هو الكابينات الخشبية بدل خيم الأقمشة التي لا وجود لها في هذا المخيم الجديد من نوعه، والتي تحتوي على أسرّة خُصصت لهم. واصل الفتية جولتهم على المطبخ والمطعم ومسبح المخيم الذي تميز بالشط الرملي الذي أُنشىء بمحاذاة مياه النهر, اضافة الى المدرجات التي أضفت منظراً جميلاً وترتيباً خاصاً.
ووسط أشجار اللزاب والصنوبر البري, وعلى أنغام خرير مياه النهر، تابع الفتيان سيرهم حتى وصلوا الى المدرج الروماني الذي خُصص للمناقشة والحوار وطرح المواضيع. المدرج الواسع أُنشىء على الطريقة الرومانية بشكل نصف دائري, وهناك جرى التعرف الى أسماء الوافدين الجدد، وملأ كل منهم الاستمارة التي تعرّفه وتعرف هواياته المفضلة. وبناءً عليها يستطيع أفراد الطاقم الموكل اليه مهمة تنظيم النشاطات توزيعها بشكل يلائم ميول الشباب.
أما المسرح فلا يمكن إغفاله، إذ حُفر في الصخر، وهو مستوحى من الآثار القديمة. وكذلك ملاعب كرة القدم وكرة السلة والكرة الطائرة، فهي مجهزة بأرضية موكيت اصطناعي خضراء ومسيجة بشكل ملائم. وإلى جانب البنى الترفيهية والرياضية ثمة بنى أخرى للتثقيف الروحي، حيث يوجد مصلى مع عالم دين باستمرار لتقديم النصح والإرشاد والتوجيه.
جمعية شباب التابعة للمنطقة الثانية في حزب الله ـ الجنوب ـ أقامت ذلك المخيم بمواصفاته الحديثة, وهي حرصت على ان يكون فريق العمل من ذوي الاختصاص والخبرة، لإضفاء نوع من الكمالية للوصول الى الهدف المرجو عبر عمل متقن ومدروس.. فأوفدت لهذه الغاية مدربين للسباحة وكرة القدم، واختصاصيين مجازين في مجال التربية وعلم النفس الاجتماعي، اضافة الى طاقم خاص بإدارة المطبخ وآخر لتأمين النظافة العامة، وممرضين وطبيب خاص.. وذلك للحفاظ على سلامة الشباب.
هذا المخيم الشبابي ليس مخيماً كشفياً على الإطلاق، اذ انه يعتمد على قوانين فيها من الحرية والراحة النفسية والجسدية بحيث يشعر الوافد اليه بأنه في بيته، فهو يختار البرنامج الذي يتلاءم مع شخصيته، فلا أحد يلزمه بممارسة عمل ما. بل حتى المربون الذين يتوزعون على مجموعات الشباب ويشاركون كلاً منها المنامة ضمن الخيمة الواحدة، فإنهم يتبعون أساليب التعامل الحديثة البعيدة كل البعد عن منطق التلقين والإلقاء، ويفضلون الحوار والمناقشة, خصوصاً أن سن المراهقة هي من أصعب المراحل التي يمر بها الشاب، وهو بحاجة فيها الى احتضان وتحصين من كل أشكال الانحراف الأخلاقي في ظل كل تلك الهجمات الغربية التي تستهدفه في شتى المجالات.
"صحيح أن المدة التي تقضيها كل دفعة في المخيم لا تتجاوز ثلاثة أيام، إلا أن عنصر الإفادة موجود".. يقول إبراهيم فرحات (20 سنة): "ان لم يستفد الواحد منا على الصعيد الديني فإنه حتماً سيزداد معرفة بالجوانب الأخلاقية والاجتماعية والثقافية, كما أنه سيجد عدا عنصر الترفيه والتسلية, أجوبة عن أسئلة كثيرة كانت تراوده في مختلف نواحي الحياة".
مدير المخيم حيدر وهبي يحرص على ان يكون قريباً جداً من كل الشباب، وهو مستعد لأن يستمع اليهم حتى طلوع الفجر، ويقدم لهم الحلول حتى في أبسط المشاكل التي تواجههم. يرى وهبي ان الهدف الأساس لإنشاء هذا المخيم هو تحصين هذا الجيل من الشباب وحمايته من الخطط الغربية الهادفة الى استهدافه عقائدياً وفكرياً, وللوصول الى طرق باب الروح عند ذلك المراهق ليصبح تواقاً الى المعرفة.. وأيضاً لإرشاده الى الطريق الذي يمكن ان ينفعه في الحياة.
وأضاف: "نحن لا نريد عنصراً في المجتمع ليس له قيمة ويعيش على هامش الحياة ويستخدم التكنولوجيا على سبيل المثال لأغراض تقوده الى الانحراف والابتعاد عن المثل الأخلاقية وإلى الفساد"!..
ويلفت مدير المخيم الى أن كل الإمكانيات المادية والمعنوية سُخرت لتأمين راحة هؤلاء الشباب. وقال: استفدنا كثيراً من تجارب فنية وسينمائية في تصميم المخيم، بحيث يبدو ليلاً نظراً للمؤثرات الضوئية اضافة الى هندسة الأنوار داخله، كأنه مركبة فضائية.. وفي النهار تجد قرية صغيرة فيها كل ما يتمناه الفتى لتمضية أوقات رائعة في الصيف.
وتطرق وهبي الى نقطة مهمة وهي الحفاظ على الطبيعة وعدم تخريبها أو تلويثها وقال: لقد اكتشفنا أن هذه المنطقة تصلح أن تكون محمية بيئية لطيور الهدهد، ذلك لأننا عثرنا على أكثر من خمسين عشاً لطيور الهدهد.
أحد المربين ـ ماهر شعيب ـ لخص تجربته في المخيم بالقول إنه لمس ان هؤلاء المراهقين هم بحاجة حقيقية الى كسب الثقة والأمان، معتبراً ان المسألة الأهم التي تجلت خلال تعاطيه مع الشباب هي دمج الأفكار وتبادلها. كما أكد شعيب أنه لا يعاملهم على أساس أنهم من فئات عمرية صغيرة، بل على أنهم رجال للمستقبل بغض النظر عن اختلاف اهتماماتهم وتحملهم للمسؤولية.. فهذا يجدي بنسبة كبيرة.
المخيم الشبابي يشرع أبوابه أمام الشباب الوافدين مستقبلاً حتى أواخر أيلول/ سبتمبر.. والجدير ذكره ان وفداً من نقابة المهندسين زار المخيم وأبدى إعجاباً كبيراً بتصميمه وببرامجه وبالقيّمين عليه. وبعد هذا النجاح الذي حققه المخيم سواء لناحية أهدافه ووقعه الجيد لدى أوساط الشباب، فإن الجمعية تتوجه لتعميم تلك التجربة مستقبلاً على كل المحافظات اللبنانية.
زينب منتش
الانتقاد/تحقيقات ـ العدد 1119 ـ 22 تموز/يوليو2005