ارشيف من : 2005-2008
من يغطّي اختلاس تعويضات حرب تمّوز؟
في الوقت الذي أصدر فيه قاضي التحقيق الأوّل في بيروت عبد الرحيم حمود قرارين ظنّيَّين بحق 15 شخصاً متّهمين بمحاولة اختلاس 99 مليون ليرة من الأموال العامّة المخصّصة لدفع تعويضات المتضررين من حرب تموز، واستعمال الحيل الرامية إلى منع اكتشاف عمليات الاختلاس (التفاصيل صفحة 7)... تكشّفت فضيحة أخرى أشدّ وقعاً وأكثر اتّساعاً، تتمثّل بقيام أشخاص، «ذوي نفوذ» على ما يبدو، بتزوير حوالى 107 شيكات بطريقة متقنة، صادرة عن الهيئة العليا للإغاثة، ومحرّرة بأسماء صحيحة لمتضرّرين حقيقيّين من الحرب، وسُحبت قيمتها عبر صناديق مصرف لبنان من دون اكتشافها. وقد بلغت قيمة المبالغ المختلسة أو المسروقة المكتشفة حتى الآن، أكثر من مليارين و400 مليون ليرة، أي بمعدّل وسطي هو 22 مليوناً و430 ألف ليرة للشيك الواحد.
هذه الفضيحة الجديدة، المضافة إلى الفضائح الأخرى السابقة، باتت تفرض طرح السؤال المقلق عمّا إذا كانت هناك تغطية سياسية من أطراف في السلطة لمثل هذه العمليات، ولا سيما أن الفضيحة الأخيرة تزامنت أيضاً مع معلومات موثوقة تفيد بأن مستوعبات هبات الأدوية التي بقيت مهملة في حرم مرفأ بيروت منذ آب من عام 2006، أُخرجت منذ فترة، وسُلّمت إلى جهات لا تمتلك الحق بالاستفادة منها، وفقاً لنظرية الرئيس فؤاد السنيورة عن «مشيئة الواهب»، إذ إن هذه الهبات أرسلتها منظمات أميركية يومها لإغاثة المتضررين من الحرب ولجمعيات أهلية معينة. وتفيد الوثائق التي في حوزة «الأخبار» بأن الجهات الواهبة لم تقبل سابقاً بتحويل وجهة استعمالها، كما كان قد طلب الرئيس السنيورة لدى اجتماعه مع ممثلين عنها في العام الماضي، وقد بقيت هذه الهبات على أرض المرفأ أكثر من سنة ونصف السنة، وأصبح معظمها غير صالح للاستهلاك.
وبالعودة إلى تفاصيل الفضيحة الجديدة، علمت «الأخبار» أن النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا تسلّم أمس شكوى مباشرة تقدّم بها مصرف لبنان ضد مجهولين أقدموا في الأشهر الماضية على تزوير شيكات صادرة عن الهيئة العليا للإغاثة، وتعود لحوالى 107 مستفيدين من التعويضات عن أضرار وخسائر حرب تموز.
وأوضحت مصادر مسؤولة في مصرف لبنان أن الدلائل تفيد بأن المتورطين في هذه الفضيحة هم على اطلاع تام على برامج دفع هذه التعويضات وهويات المستفيدين منها، إذ سُحِبَت عبر صناديق مصرف لبنان في مواعيد مدروسة، بالتزامن مع إصدار الشيكات الأصلية منعاً لاكتشافها. وقد حملت الشيكات المزوّرة الأرقام نفسها للشيكات الأصلية، فضلاً عن وجود تطابق «مريب» بين رقم كل شيك مزوّر واسم صاحب الحق الأصلي، بحيث كان من الصعب على موظفي الصناديق أن يكتشفوا سريعاً وجود هذا التزوير المتقن.
وقالت المصادر إن عملية الاختلاس لم تُكتشَف إلا يوم السبت في 23 شباط الماضي، عندما تنبّه موظفون في قسم المقاصة في مصرف لبنان إلى أن بعض الشيكات الواردة إليه للتحصيل قد صُرفت فعلياً في أوقات سابقة. وعندها بدأ التحقيق في الأمر، ليتبيّن أن الشيكات المكررة وغير المسحوبة هي التي تعود إلى أصحاب الحقوق الأصليين، لكن ما صُرف منها حتى الآن يعود إلى أشخاص منتحلي صفة زوَّروا هذه الشيكات، وربّما زوَّروا هوّيات المستفيدين الحقيقيين، أو تلقَّوا مساعدة من موظفين، أو استفادوا من تقاعس موظفين عن التدقيق بهوّيات المستفيدين.
وأشارت المصادر نفسها إلى أنّ بعض الشيكات المزوّرة، بحسب ما تبيّن من سجلّات المقاصّة، صُرفت لحامليها مباشرة، فيما البعض الآخر سُحب عبر وسطاء كالمصارف المحلية، والصرّافين... والمعروف أن دفاتر الشيكات الصادرة عن الهيئة العليا للإغاثة يُحصَل عليها من مصرف لبنان، الذي يتولّى هو طبعها وترميزها وترقيمها وتسليمها إلى زبائنه لاستعمالها في عمليات الدفع الخاصة بهم.
وأوضحت المصادر أنّ مصرف لبنان استمرّ باكتشاف هذه الشيكات «المقبوضة سابقاً» حتى يوم الجمعة الماضي، حين أوقف شيكاً بقيمة 40 مليون ليرة. وفيما لم يعرف بعد إذا كانت هناك شيكات أخرى لا تزال قيد التداول ولم يتقدم أصحابها لصرفها بعد لأسباب مختلفة، رجّحت أوساط مطلعة أن تكون العملية كبيرة جداً وواسعة، وقد تحتاج إلى المزيد من الوقت لاكتشاف كل خيوطها.
وتشير المصادر إلى أن تكرار «رقم الشيك» وظهوره كشيك مقبوض على شاشات الكومبيوتر الخاصة بقسم المقاصة في مصرف لبنان، أطلق عملية تدقيق واسعة بمجموعة كبيرة من الشيكات بلغ عددها حتى الآن 107 شيكات وتراوحت قيمها بين 12 مليون ليرة و40 مليوناً.
وتعتقد مصادر مطلعة أن الطريقة التي صدرت بها هذه الشيكات، تؤدي إلى استنتاج أن المزوّرين كانت لديهم لوائح بأسماء الأشخاص الذين كان يفترض أن يحصلوا على التعويضات، وهم على اطلاع تام على الملف وأرقام الشيكات التي يفترض تزويرها والموجودة في سجلات الهيئة العليا للإغاثة.
ونفى الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء يحيى رعد في اتصال هاتفي مع «الأخبار»، أن يكون على اطلاع على ما يحصل في شأن الشيكات وتأخّر عملية صرف الأموال الخاصة بأصحاب التعويضات، وقال إن الهيئة «تصدر الشيكات، ولكنها لا تسلّمها إلى أصحابها، بل إلى الصندوق المركزي للمهجّرين الذي يسلّمها بدوره إليهم بعد أن يستكملوا المستندات التي طلبتها السلطات الرسمية».
واستوضحت «الأخبار» خبيراً في عمليات مقاصّة الشيكات، يعمل لدى أحد المصارف التجارية، عن كيفية صرف شيكات مزوّرة من دون اكتشافها، فلفت إلى أن الشيك المزوّر يكون عادة من نوعية ورق مختلفة عن الشيك الأصلي، ويجب التدقيق قبل صرف أي شيك بالتوقيع الموجود عليه ومدى تطابقه مع توقيع العميل المحفوظ وفقاً لبرامج خاصة على الكومبيوتر. كما أن هناك الرمز المعطى لكل شيك بحسب الفئة التي يصنّفها مصرف لبنان لكل مؤسسة عندها حساب لديه، علماً بأن هذه الشيكات لا تكتب بخط اليد عموماً، بل تُطبَع.
المصدر: صحيفة الاخبار اللبنانية، 5/3/2008