ارشيف من : 2005-2008
بانوراما الاحداث اللبنانية للعام 2007
الاثنين 31 كانون الأول 2007 الساعة الثانية عشر ليلاً، يأفل عام ويطل آخر، ربما هذه هي القاعدة في غالبية دول العالم، أما في لبنان فقد تتغير الأرقام، وبدل 2007 يحل 2008 إلا أن المشهد يبدو عصياً على التغيير اللهم إلا إذا كانت التطورات تغييراً، وما أكثرها في لبنان.
يطل العام 2008 والأزمة السياسية تراوح مكانها وما أدت التطورات التي حصلت خلال العام 2007 إلا إلى زيادة في التعقيدات. ما الذي يحمله العام 2008؟ سؤال يدخل في باب التنبوءات. ما أبرز الأحداث التي شهدها لبنان على الصعيد السياسي والأمني خلال العام 2007؟ البانوراما التالية تستعيد أبرزها:
خلال العام 2007 استمرت الأزمة بين فريقي السلطة والمعارضة، ومع انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد إميل لحود كانت الأزمة تتخذ شكلاً آخر أكثر خطورة مع دخول لبنان في فراغ رئاسي هو الأول في تاريخه.
في 24 تشرين الثاني 2007 غادر الرئيس إميل لحود قصر بعبدا منهياً ولايته حتى آخر لحظة فيها، عزف الحرس الرئاسي السلام الوطني لدى خروج الرئيس لحود كما جدد الأخير وقبيل مغادرته باحة القصر التأكيد على ضرورة أن "يأتي
رئيس توافقي قوي بكل معنى الكلمة", وحذر من "ثمن غال للبنان" إذا لم يحصل ذلك بأسرع
وقت ممكن.
وفي آخر قراراته تلا الناطق باسم الرئاسة رفيق شلالا قرار لحود بتكليف الجيش حفظ الأمن
في لبنان ووضع جميع القوى الأمنية تحت تصرفه باعتبار أن هناك توافراً وتحققاً لأخطار
حالة الطوارئ.
وأوضح البيان أن القرار يصبح ساري المفعول اعتبارا من الـ24 من تشرين الثاني/ نوفمبر, وأوصى الجيش بعرض التدابير المتخذة على مجلس الوزراء فور تشكيل حكومة
تتوافر فيها الشرعية الميثاقية والدستورية.
منذ 24 تشرين الثاني لبنان بلا رئيس، ومنذ ذلك الوقت يمكن رصد الكثير من المواقف نعرضها على الشكل التالي:
ـ فريق السلطة يرشح ويدعم بقوة النائب السابق نسيب لحود لرئاسة الجمهورية وترشيح خجول من قبله للنائب بطرس حرب مع الاحتفاظ بمرشح مرشح سري هو النائب روبير غانم وتهديد مستمر بانتخاب رئيس بالنصف زائد واحد.
ـ المعارضة تدعم ترشيح النائب العماد ميشال عون.
ـ لقاءات متتالية بين الرئيس نبيه بري والنائب سعد الحريري للاختيار بين الأسماء للوصول الى مرشح توافقي.
ـ البطريرك الماروني يقترح لائحة مرشحين من بينهم الوزير السابق ميشال إده الذي ترفضه الأكثرية.
ـ فريق 14 شباط يرشح قائد الجيش العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية بعد أن كان الأمر بالنسبة إليه بمثابة الخط الأحمر ويمتنع عن الخوض في الوضع الحكومي، وتراجع عن خيار النصف زائد واحداً أقله إعلامياً.
ـ المعارضة تعلن دعمها للعماد ميشال سليمان مع إصرارها على الاتفاق حول سلة متكاملة في مقدمتها الوضع الحكومي.
ـ ترشيح سليمان يطرح عقدة جديدة تتمثل في كيفية تعديل الدستور لانتخابه .
ـ السلطة تصر على ضرورة عدم تخطي الحكومة التي تعتبرها المعارضة ورئيس مجلس النواب غير شرعية.
وفي موازاة هذه المواقف تأجيل لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية لعشر مرات متتالية والأغلب أن نشهد التأجيل الرقم 11 فيما لو لم تنعقد جلسة السبت في التاسع والعشرين من الجاري.
ولعل التطور الأبرز الذي قد ينتهي عليه مشهد العام 2007 سياسياً هو بدء الحكومة غير الشرعية مصادرة صلاحيات رئيس الجمهورية من خلال إقرارها مشروع قانون تعديل الدستور ومرسوم فتح دورة استثنائية لمجلس النواب وهو الأمر الذي أكدت المعارضة على رفضه ووضعه في خانة تعطيل محاولات الوصول إلى حل للأزمة القائمة.
وعلى وقع هذه التطورات السياسية رصدت خلال العام المنصرم حركة دبلوماسية عربية ودولية تفاعلت في الفترة الأخيرة مع دخول لبنان في الفراغ الرئاسي، لا سيما من قبل فرنسا التي دخلت على خط الأزمة مع رعايتها لقاء "سان كلو" في باريس منتصف شهر تموز/ يوليو الذي كانت السمة الأبرز فيه مشاركة حزب الله من خلال الوزير المستقيل محمد فنيش ومسؤول العلاقات الدولية في الحزب السيد نواف الموسوي.
واستمرت فرنسا فيما بدا وكأنه تفويض من الولايات المتحدة الأمريكية جهودها، حيث قام وزير خارجيتها برنارد كوشنير بزيارة لبنان سبع مرات خلال فترة سبعة أشهر فيما لم تفلح كل الوساطات والمبادرات.
وعادت الولايات المتحدة لتتدخل مباشرة من خلال الزيارة الأخيرة لمساعد وزيرة خارجيتها ديفيد ولش إلى لبنان يرافقه في إحدى المرات نائب مستشار الأمن القومي أليوت أبرامز، زيارة بدت انعكاساتها واضحة لا سيما مع ما استتبعها من تصعيد في مواقف قوى الرابع عشر من شباط لا سيما رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط الذي كانت اتسمت مواقفه في الفترة الأخيرة بالهدوء والتريث.
على صعيد آخر شهد لبنان في 5 آب/ أغسطس 2007 انتخابات فرعية في دائرتي المتن وبيروت الثانية لملء المقعدين النيابيين الشاغرين باغتيال النائبين بيار الجميل ووليد عيدو، حيث فاز في المتن مرشح التيار الوطني الحر كميل خوري في مواجهة الرئيس أمين الجميل وفي بيروت مرشح تيار المستقبل محمد الأمين عيتاني.
في 16 تشرين الأول/ أوكتوبر 2007 جرت عملية تبادل بين حزب الله والعدو الإسرائيلي قام بموجبها الأخير بتسليم الأسير حسن نعيم عقيل بالإضافة إلى جثتين تعودان للشهيدين
سامر نجم ومحمد يوسف عسيلي في مقابل جثة مستوطن اسرائيلي يدعى غبريئيل دويط غرق في البحر المتوسط وسحبت الأمواج جثته من حيفا إلى شواطئ لبنان.
وبعد مرور ساعات قليلة على إنجاز عملية التبادل عند نقطة الناقورة الحدودية عبر الصليب الأحمر الدولي، أصدر حزب الله بياناً حول العملية جاء فيه: "لمناسبة عيد الفطر المبارك جرت عملية تبادل كتعبير عن حسن النوايا الانسانية بين الطرفين. حرّر حزب الله أسيراً لبنانياً كان قد اعتقل خلال عدوان تموز الاخير بالإضافة الى استعادة جثماني شهيدين من المقاومة استشهدا في الحرب الاخيرة ايضاً، وعلى الجانب الآخر تم تسليم جثة مستوطن إسرائيلي من أصل إثيوبي كان قد فقد في حيفا عام 2005 ودفعته المياه الى الشواطئ اللبنانية، وقد أعيد الى عائلته، كذلك تم تسليم وسيط الأمم المتحدة بعض المعلومات المتعلقة بقضايا إنسانية ذات اهتمام مشترك، وذلك لإحراز تقدم في هذه القضايا. يأمل حزب الله أن تساعد مبادرات حسن النوايا هذه على إحراز التقدم لإنهاء كافة الملفات المتعلقة بالاسرى والمعتقلين".
وبقيت للذكرى الأولى لانتصار تموز 2006 مكانتها الخاصة والمميزة خلال العام 2007 حيث عمت المناطق اللبنانية كافة لا سيما بين شهري تموز وآب الاحتفالات بالذكرى الأولى للانتصار الإلهي كما شهد لبنان نشاطات مختلفة أرّخت لأبرز محطات الحرب.
ماذا عن المشهد الأمني في العام 2007؟
حفل العام 2007 منذ بدايته وحتى آخر شهر منه بالأحداث الأمنية على مختلف أنواعها وأشكالها، فمن أحداث 23 كانون الثاني إلى أحداث جامعة بيروت العربية مروراً بحرب نهر البارد وصولاً إلى مسلسل الاغتيالات الذي تواصل هذا العام أيضاً إضافة إلى استهداف قوات اليونيفيل في الجنوب.
ـ 23 كانون الثاني 2007 أعلنت المعارضة الوطنية اللبنانية في خطوة تصعيدية كان لا بد منها احتجاجاً على سياسة الاستئثار والتفرد التي ينتهجها فريق السلطة، الإضراب العام في المناطق اللبنانية كافة وقالت المعارضة في بيان لها "في مواجهة تصلب وتعامي الفريق الانقلابي المتحصن خلف أسوار السرايا الحكومية ما عاد امام المعارضة الوطنية غير اللجوء مرة أخرى الى قاعدتها الشعبية متوسلة عبرها وسائل تصعيد الاحتجاج السلمي والديمقراطي. وتدعو اللبنانيين إلى التعبير الصادق الحر عن خياراتهم السياسية والوطنية بالإضراب والإقفال العام في كافة المناطق يوم الثلاثاء 23 كانون الثاني/ يناير 2007".
هكذا أرادت المعارضة للتحرك أن يكون، سلمياً وديمقراطياً، لكن فريق السلطة أراد له أن يكون دموياً فكانت النتيجة سقوط قتلى وجرحى في صفوف انصار المعارضة برصاص ميليشيا السلطة في عدد من المناطق اللبنانية.
وفي نهاية اليوم أعلنت المعارضة انتهاء الاضراب معتبرة إياه انذاراً للسلطة وأكدت المعارضة أنها اكتفت بخطواتها الاحتجاجية لأن كل المعلومات التي كانت تصلها كانت تشير الى أن هناك من يحضر لفتنة في الشارع.
ـ 25 كانون الثاني 2007 وبعد يومين فقط على ما اقترفه أنصار السلطة بحق أنصار المعارضة كان المشهد يتكرر وهذه المرة في جامعة بيروت العربية ليمتد إلى محيطها مع بروز ظاهرة القناصين من على شرفات وأسطح المنازل في المنطقة المحيطة بالجامعة ما أدى الى سقوط عدد من الجرحى والشهداء من بينهم الشهيد عدنان شمص الذي قتل في منطقة وطى المصيطبة القريبة.
وفي كلمة عبر الهاتف استنكر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله المواجهات التي حصلت في بيروت، ودعا الجميع الى التعاون الكامل مع الجيش اللبناني في كل المناطق من اجل انهاء حالة التوتر. وقال سماحته إن "من أوجب الواجبات الوطنية في هذه الساعات الصعبة والمؤلمة بالنسبة للبنانيين جميعا المحافظة على هذه المؤسسة الوطنية والدور الكبير الذي تلعبه"، وفي إشارة الى الجيش اللبناني، أضاف "اليوم هذه المؤسسة باتت تشكل الضمانة الوطنية الحقيقية التي يمكن ان تساعد اللبنانيين على تجاوز المحنة وعدم الانجرار الى ما يخطط له الآخرون".
وأكد الأمين العام لحزب الله "أن الفتوى هنا لمصلحة الوطن وسلامه وسلمه الاهلي وعيشه المشترك" داعياً "إلى إخلاء الجميع الشوارع والتزام الهدوء".
في ذلك اليوم أعلنت قيادة الجيش في بيان لها منع التجول في بيروت.
ـ أحداث مخيم نهر البارد التي اندلعت في 20 أيار/ مايو 2007 كانت من أبرز الأحداث الأمنية التي شهدها لبنان خلال العام لا سيما وأنها استمرت لأشهر وأسفرت عن استشهاد عدد كبير من عناصر وضباط المؤسسة العسكرية.
الأحداث جرت على الشكل التالي:
ـ عناصر من "فتح الإسلام" يهاجمون مصرفاً في منطقة أميون الكورة.
ـ مداهمة شقة لـ"فتح الاسلام" في طرابلس.
ـ "فتح الإسلام" تقدم على قتل 25 عنصرًا من الجيش اللبناني.
ـ الجيش يعلن الحرب على الإرهاب في مخيم نهر البارد وتبدأ المعركة.
ـ سقوط العديد من العناصر المسلحة واستشهاد العديد من العسكريين.
ـ 3 أيلول/ سبتمبر الجيش اللبناني يعلن انتهاء المعركة والسيطرة على آخر مواقع "فتح الإسلام" وفرار زعيم التنظيم شاكر العبسي.
ـ من الأحداث الأمنية التي شهدها لبنان الاعتداءان اللذان استهدفا قوات "اليونيفيل" في الجنوب الأول وقع في 24 حزيران/ يونيو مستهدفاً الكتيبة الإسبانية وموقعاً في صفوفها ستة قتلى وجرى الانفجار بواسطة عبوة موضوعة داخل سيارة «رينو رابيد» بيضاء اللون رقمها كانت مركونة إلى جانب وقد اعتبر حزب الله الذي استنكر نفسه مستهدفاً به.
الاعتداء الثاني الذي استهدف اليونيفيل وقع في 16 تموز/ يوليو حيث أدى انفجار عبوة ناسفة صغيرة في القاسمية إلى اصابة سيارة جيب تابعة للشرطة العسكرية التابعة للكتيبة التنزانية في القوة الدولية.
ـ مسلسل الاغتيالات استمر في لبنان، ففي 13 حزيران/ يونيو اغتيل النائب وليد عيدو مع نجله ومرافقيه وعدد من المواطنين من بينهم لاعبا نادي النجمة الرياضي حسين دقماق وحسين نعيم.
وفي 19 تشرين الأول اغتيل النائب أنطوان غانم في انفجار استهدفه في منطقة حرش تابت.
على أن الاغتيال الأبرز وقع في نهاية العام 2007 مستهدفاً هذه المرة المؤسسة العسكرية من خلال مدير العمليات في الجيش اللواء الركن فرانسوا الحاج المرشح الاول لقيادة الجيش فيما لو تم انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية وقد اغتيل اللواء الحاج في 12 كانون الأول وجرت له مراسم تشييع رسمية وشعبية حاشدة امتدت في جميع المناطق اللبنانية وقد أكدت قيادة الجيش أن دم الحاج لن يذهب هدراً فيما تتواصل التحقيقات حول ملابسات اغتياله.
وقد شهد العام 2007 إضافة الى عمليات الاغتيال سلسلة تفجيرات متنقلة كان أبرزها تفجير حافلتي الركاب في عين علق في 13 شباط 2007 ما أدى الى استشهاد واصابة عدد من المواطنين، اضافة الى تفجيرات أخرى استهدفت عدة مناطق من بينها المنطقة الصناعية في الذوق وسوق عاليه ومنطقة فردان.
2008 عام جديد يطل على العالم ومن بينه لبنان، وأياً تكن الصورة السوداوية التي تتركها أحداث العام 2007 لدى استعراضها، فإنها تبقى عرضاً بانورامياً لأحداث أضحت جزءاً من التاريخ اللبناني على أمل أن يكون العام الجديد جديداً بكل ما للكلمة من معنى، أو بالأحرى بما تحمله هذه الكلمة من إيجابية فقط.