ارشيف من : 2005-2008

"الانتقاد" تتفرّد بنشر اعترافات العميل محمود رافع وشبكته التجسّسية أمام القضاء

"الانتقاد" تتفرّد بنشر اعترافات العميل محمود رافع وشبكته التجسّسية أمام القضاء

من معلومات، في ساعة تخلّ، عن وطنه وأهله ساعدت العدوّ الإسرائيلي على ارتكاب جرائم القتل والأعمال التخريبية، فلا غنى عن أنْ ترافقه صفة الخيانة حتّى الرمق الأخير من حياته، ولا بدّ من أن ينبذه مجتمعه ولا ينعته إلاّ بالعميل والخائن، وهذا إذا كان مواطناً عادياً، فكيف إذا كان عسكرياً ومن عداد المؤسّسة العسكرية الرسمية، فجرمه بالتأكيد، مضاعف؟‏

هذا هو مآل أفراد شبكة التجسّس الإسرائيلية الذين تمّ اعتقالهم في شهر حزيران/ يونيو من العام 2006، وهم: اللبنانيان محمود قاسم رافع، وإبراهيم محمّد ياسين، والفلسطيني حسين سليمان خطّاب، الذين أحالهم قاضي التحقيق العسكري الأوّل رشيد مزهر على المحاكمة أمام المحكمة العسكرية بتهم متنوعة منها التجنّد في جيش معاد ودسّ الدسائس لديه وإجراء اتصال بالعدوّ الإسرائيلي وإفشاء معلومات لمصلحته والقيام بأعمال إرهابية بوضع عبوة ناسفة وإحداث تخريب على جسر الناعمة بتاريخ 22 آب/ أغسطس من العام 1999، وزرع متفجّرات من نوع "C4" على جسر الزهراني في نهاية العام 2004 اكتشفت قبل أن تنفجر، وقتل المسؤولين في المقاومة الإسلامية غدراً، أبو حسن سلامة في محلة عبرا في صيدا في العام 1998، وعلي صالح في الضاحية الجنوبية في العام 2005، وجهاد أحمد جبريل في بيروت في العام 2002، والأخوين مجذوب في صيدا في العام 2006، وتصل عقوبة هذه الجرائم مجتمعة إلى الإعدام.‏

وتتفرّد "الانتقاد" بنشر اعترافات رافع بحسب ما وردت في قرار مزهر الاتهامي، كونه الأخطر بين رفاقه، ونظراً لطبيعة عمله.‏

فقد بدأ الرقيب أوّل في قوى الأمن الداخلي محمود رافع (والدته فوزية، من مواليد العام 1949، رقم سجل نفوسه 214 حاصبيا)، مشواره مع العمالة في العام 1993 بعدما جنّده ضابط "الموساد" "أيوب" على معبر كفرتبنيت للعمل لمصلحته عن طريق تزويده بما يتوافر لديه من معلومات عن مواقع حزب الله ونشاطاته ضمن نطاق عمله في مدينة النبطية وجوارها وذلك مقابل تحسين وضعه المادي، فوافق وتسلّم أوّل مئة دولار أميركي. ثمّ توالت اللقاءات بينهما بمعدّل مرّة كلّ أسبوع كان خلالها رافع يزوّد "أيوب" بكلّ مشاهداته ومعلوماته.‏

رسائل مشفّرة‏

وما لبث "أيوب" أن عرّفه إلى زميله الضابط "أزاك" فاصطحباه خلال العامين 1994 و1995 عشرات المرّات إلى فلسطين المحتلة وتحديداً إلى فندق "هاغوشريم" الكائن في مستعمرة كريات شمونة حيث جرى في البدء جمعه بالضابط "سامي"، وهو يهودي لبناني من وادي أبو جميل في بيروت، الذي شجعه على التعاون بصدق وجدّية معهم. ثمّ تمّ جمعه بعدد من الخبراء في الجيش الإسرائيلي وعرضوا عليه صوراً جوّية لعدد من المخيّمات والمواقع الفلسطينية وطلب منه تجنيد أحد الفلسطينيين لمصلحتهم بغية الحصول على معلومات عن هذه المخيّمات، وبدأوا بتدريبه على كيفية استعمال جهاز لاسلكي لاستلام الرسائل منهم وإرسالها إليهم بواسطته، وكيفية تلقي الرسالة عبر جهاز الراديو على موجة محدّدة وهي"SW1" وبالطرق المشفّرة، وأجريت له اختبارات عدّة كانت ناجحة داخل فلسطين المحتلة على جهاز موضوع داخل صندوق خشبي يرسل رسائل صوتية فقط، سلّم إليه في نهاية دورة التدريب مع كتاب للشيفرة.‏

وبعودة رافع إلى بلدته، وبناء لطلب الإسرائيليين، قام بتجربة هذا الجهاز من أماكن حدّدت له في محيط مدينة النبطية وهي مفرق حبوش ـ الكفور ـ شوكين بعد توجيهه نحو جبل الشيخ عبر إرساله رسائل تجريبية لم تكن ناجحة، فأعاده لاحقاً إليهم في فلسطين حيث جرى تدريبه مجدّداً على جهاز آخر مزوّد بطابعة ويرسل رسائل خطّية وكيفية تلقي الأسئلة عبر الجهاز والراديو، وقاموا بتسليمه الجهاز المذكور ضمن طاولة خشبية، وطلب إليه فتح الراديو ما بين الساعة الثانية والساعة الثالثة من بعد ظهر كلّ يوم على الموجة "SW1" وأعطي لقب "الفاروميو تانفو". كما سلّم حقيبة جلدية سوداء اللون بداخلها مخبأ سرّي لاستعمالها في نقل المستندات والمعلومات ودفتر شيفرة الجهاز. وعندما عاد رافع إلى منزله في حاصبيا وضعه في غرفة نومه وأجرى منه رسائل تجريبية كانت ناجحة وحدّد بواسطته للعدوّ، معالم بارزة في منطقة النبطية من مسجد ومدرسة ومفارق طرق وغيرها.‏

لقاءات بحرية في الجية‏

وفي إحدى الليالي من العام 1995 وبناء لطلب ضبّاط "الموساد" توجّه رافع وصديقه حسين خطّاب الذي جنّده لمصلحتهم، إلى شاطئ الجية قرب فندق "الأوراس" حيث كانت بانتظارهما وحدة كوماندوس إسرائيلية مؤلفة من ستة عناصر مزودين بأسلحة، فخلعا ملابسهما وارتديا لباساً بحرياً مع عوامات وسبحا إلى حيث كان بانتظارهما قارب مطاطي صعدا فيه مع العناصر الستّة وأبحروا لمسافة طويلة في عمق البحر حتّى وصلوا إلى إحدى الخافرات الإسرائيلية التي كانت تنتظرهم وعلى متنها الضابط "أيوب"، ثمّ نقل رافع وخطّاب إلى مرفأ حيفا ومنه إلى مدينة صفد. وفي اليوم التالي عاد رافع إلى بلدته عبر الشريط الحدودي بينما بقي خطّاب مع الإسرائيليين لمدّة ستّة أيّام للتدرّب على الراديو والجهاز وأعطي لقب "يوني نورم ليما اكسترى" لمناداته به على الموجة "SW1"، وارتبط منذ ذلك الحين بضباط العدوّ مباشرة.‏

وخلال العام 1997 التقى رافع بالضابطين "شوقي" و"ناتان" في فندق "هاغوم شريم" حيث حدّدا له عمله المقبل بنقل أشخاص بحوزتهم حقائب تحتوي على المتفجّرات والمال من داخل "إسرائيل" إلى أماكن مختلفة من المناطق اللبنانية المحرّرة وخصوصاً في منطقة جبل لبنان بعد تحديدها له من قبلهما على أن يقوم قبل ذلك باستكشاف طرقها وتحديد المعالم البارزة فيها، بالإضافة إلى نقله شخصياً لمثل هذه الحقائب وتخزينها في الأرض ووضع إشارة معيّنة فوقها لاستلامها لاحقاً من عملاء مجهولين منه.‏

شاليهات لإيواء القتلة‏

كما طلب من رافع استئجار شاليه في الشطر الشرقي من العاصمة بيروت ففعل، واستأجر "شاليه" في مسبح "الغولدن بيتش" في انطلياس بهدف إيواء هؤلاء الأشخاص الناقلين للحقائب في حال تعذّر إعادتهم إلى المنطقة التي استلمهم منها داخل الأراضي اللبنانية في الوقت المحدّد. ثمّ استأجر في العام 2002 "شاليه" آخر في "طبرجا بيتش" بإخراج قيد مزور باسم يوسف زيدان يحمل رسمه الشمسي أعطاه إياه الإسرائيليون، كما أنّه استأجر "شاليه" آخر في العام 2004 في مسبح "سانت بول" بذات الاسم المزوّر وللغاية نفسها.‏

وبين العامين 1997 و2005 قام رافع بنقل عدد من الأشخاص عرف منهم إبراهيم محمّد ياسين (والدته لطيفة، مواليد الدلاّفة في العام 1966، رقم سجّل نفوسه 7 حاصبيا) والملقّب بـ"هافي" وهو يقيم في فلسطين قبل حصول التحرير في العام 2000، والسوري ميشال، وفؤاد ولقبه "الدعبول" من منطقة حاصبيا، وجورج من منطقة جزين، وآخرون كان يتمّ نقلهم أحياناً من الشريط الحدودي، وأحياناً من بلدة عميق في البقاع الغربي وكان يجهل رافع كيفية وصولهم إلى هذه البلدة، ومن بلدة الجية الشوفية قرب مطعم "الأوراس" وشاطئ شركة كهرباء الجية وبحوزتهم حقائب تحتوي على المتفجرات والمال، وذلك إلى عدد من المناطق.‏

وقبل أن يغادر رافع يستلم من الواحد منهم هاتفاً خلوياً من نوع "نوكيا" مرتبطا مباشرة بضباط العدوّ داخل فلسطين بهدف الاتصال بهم بالضغط على الرقم واحد والرقم تسعة كاحتياط في حال لم يجب الرقم واحد وذلك لتلقي التعليمات منهم بنقل الأشخاص مجدّداً بعد انتهائهم من تنفيذ مهامهم إلى الأماكن التي وجدهم فيها حيث يعمد إلى إتلاف جهاز الهاتف الخلوي، وفي حال تعذّر عليه الوصول بهم إلى هذه الأماكن ينتقل بهم إلى الشاليه المستأجر للإقامة فيه.‏

وبعد نحو سنة على الاندحار الإسرائيلي عن جنوب لبنان سافر رافع إلى إيطاليا ومنها إلى "إسرائيل" حيث أخضع لدورة تدريب على جهاز إرسال لاسلكي هو عبارة عن تلفزيون وطاولة بداخلها مخبأ سرّي يحتوي على آلة طابعة مزوّدة بشاشة لقراءة الرسائل الواردة إليه، وأفهم بأنّ التلفزيون مجهّز بجهاز من قبلهم عند إضاءة الضوء الأحمر فيه يعني تلقيه رسالة منهم فيعمد عندها إلى إيصال شريط الطابعة بشاشة التلفزيون ويظهر نصّ الرسالة على شاشة الطابعة ويعرف المطلوب منه ويجيب عليها.‏

وبعد مرور شهرين تلقى اتصالاً من داخل "إسرائيل" للانتقال ليلاً إلى شاطئ الجية، ففعل، ووجد جورج وفؤاد بانتظاره وبحوزتهما كرتونتان، إحداهما تحتوي على جهاز التلفزيون والأخرى على الطاولة، ونقلهما إلى منزله في حاصبيا ووضعهما داخل غرفة نومه وبدأ باستعمالهما وفق التعليمات المعطاة له.‏

وبين العامين 1998 و2006 اشترك رافع مع آخرين بتنفيذ عمليات اغتيال طاولت كوادر في حزب الله والمقاومة الفلسطينية بواسطة تفخيخ وتفجير سياراتهم أو بزرع عبوات ناسفة. وكان رافع يقوم بنقل الأشخاص المشاركين في هذه العمليات من منطقة الشريط الحدودي ومن بلدة الخلوات في حاصبيا وشاطئ الجية مزوّدين بالحقائب التي تحتوي على المتفجّرات، ومن ثمّ إعادتهم إلى هذه المناطق بعد تنفيذ مهامهم.‏

علي الموسوي‏

2007-12-06