ارشيف من : 2005-2008
قمة أوبك الثالثة منذ تأسيسها: صعوبة الفصل بين النفط والسياسة والدولار الضعيف
حظيت القمة الثالثة لقادة دول منظمة أوبك المصدرة للنفط والتي باتت تضم ثلاث عشرة دولة مع اعادة انضمام الاكوادور اليها رسمياً بعد انسحابها عام 1992 بسبب رفضها الالتزام بحصص الانتاج المحددة لها، بمتابعة استثنائية من مراكز صنع القرار السياسي والاقتصادي والمالي في العالم لوقوعها في صلب تحولات دولية تعد صناعة الذهب الاسود واحدة من ابرز الخلفيات التي تكمن وراءها. وقد اطلق على القمة الثالثة منذ تأسيس المنظمة قبل 47 عاماً عدة أوصاف أبرزها "النادرة" بسبب الموضوعات التي ناقشتها واهمها:
أولاً: الخلافات بين الاعضاء حول الموقف من سعر صرف الدولار الضعيف الذي يقضم عائدات المجموعة.
ثانياً: الارتفاع القياسي في اسعار النفط الخام وتعرض المنظمة لضغوط كبيرة لزيادة انتاجها من اجل تهدئة الاسعار التي لامست المئة دولار هذا الاسبوع.
ثالثاً: الدور السياسي المباشر الذي يمكن ان تؤديه هذه المنظمة التي تؤمن اربعين في المئة من السوق النفطية العالمية.
رابعاً: العلاقة بين الصناعة النفطية واستهلاكها والمتغيرات المناخية والبيئية في العالم في ضوء الانتقادات الموجهة من البيئيين بهذا الشأن والمخاطر الناجمة عن عدم البحث عن علاجات للظواهر المتزايدة.
من الواضح ان الانقسام السياسي بين دول المنظمة وتوزعها على محورين بالحد الادنى:
واحد حليف للولايات المتحدة تقوده السعودية اكبر مصدر للنفط في العالم، وآخر مناهض لها وتقوده ايران ثاني اكبر مصدر للنفط في العالم، ومعها فنزويلا، انعكس على مجمل المداولات التي جرت طيلة يومين في الرياض، وهي خلافات بدأت في الاجتماعات التحضيرية التي عقدها وزراء خارجية ونفط دول المنظمة، وظهر الى العلن جزء منها عن طريق الخطأ الى الصحافيين الذين كانوا يتابعون المداولات عبر شاشة خارجية لم يكن يفترض ان تنقل ما هو مصنف سرياً.
فتراجع سعر صرف الدولار الذي خسر 25% من قيمته خلال عامين امام اليورو كان واحدا من اكثر القضايا اثارة للجدل حيث تعتبر ايران ومعها دول اخرى ان الدولار الاميركي "فقد قيمته الاقتصادية" ولا سيما ان مستواه الضعيف بات يقضم من عائدات الدول النفطية، وبحسب تلخيص الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في كلمته فإنهم "يأخذون منا النفط ويعطوننا أوراقا لا قيمة لها"، معربا عن أمله في أن تقر منظمة أوبك في اجتماعاتها المقبلة الاقتراح الايراني بتسعير النفط بعملة قوية أخرى غير الدولار كاليورو مثلا، في حين تعتبر السعودية ان هذا "الموضوع حساس ويجعل الدولار ينهار اكثر، وبالتالي يزيد من المشاكل التي نعاني منها".
وبرغم ان البيان الختامي لقمة اوبك لم يتضمن اي اشارة الى العملة الاميركية، إلا أنه تضمن اشارة ضمنية الى ان الاقتراح الايراني حول تسعير النفط سيتم درسه، ما يعني بأي حال ان طهران وحلفاءها فتحوا الباب امام مداولات اوسع واكثر جدية في الاجتماعات اللاحقة، بالحد الادنى لكسر حصرية الدولار وتسعير هذه السلعة بسلة عملات اخرى الى جانب الدولار الذي هو العملة الوحيدة التي يسعّر بها النفط حالياً.
لكن وإزاء هذا الضعف في سعر صرف الدولار، فإن الارتفاع في اسعار برميل النفط وملامسته المئة دولار فيه نوع من التعويض عن خسائر الدول المصدرة. وهو كان الموضوع الثاني على جدول الاعمال في ضوء مطالبات بأن تضخ اوبك مزيداً من الذهب الأسود في السوق من اجل تخفيض سعره.
لكن وبرغم ان اسباب ارتفاع الاسعار لا تتعلق حصرا بالعرض والطلب لان اوبك ملتزمة بنظام الحصص وان كان هناك خروقات له، فضلا عن وجود مصدرين آخرين لا قيود على انتاجهم، فإن المنظمة بدت في هذا الجانب متحدة، في ظل قناعة لديها بأن الارتفاع سببه توترات جيوسياسية ومضاربات عالمية وليس عدم كفاية الامدادات، مع قناعة أخرى بأن السعر الحقيقي والمقبول يتراوح بين الثمانين والمئة دولار، وهو ما تقاطع في خطابي الملك السعودي عبد الله والرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز اللذين اعتبرا ان الاسعار الحالية ادنى من مستواها في الثمانينات اذا ما اخذ التضخم بعين الاعتبار، وهو ما ايده الرئيس الايراني بقوله ان سعر المئة دولار هو اقل مما يجب وسعر النفط الحالي ادنى من قيمته الحقيقية، هذا فضلا عن الارتفاع الكبير في كلفة الاستثمارات النفطية، وهو ما يشكل مصدرا لامتصاص ارباح الدول المنتجة خصوصاًَ اذا تجاوبت مع المطالب برفع قدرتها الانتاجية بشكل كبير لملاقاة مستوى الطلب العالمي المتنامي على الطاقة، مع الاشارة الى ان القرار النهائي بشأن زيادة الانتاج سيبحث في اللقاء الوزاري لاوبك في الخامس من كانون الاول/ ديسمبر المقبل في ابو ظبي.
النقطة الثالثة التي كانت محل انقسام واضح هي الدور الآخر الذي يمكن ان تلعبه المنظمة نظرا لارتباط الكثير من الصراعات العالمية بالذهب الاسود، أي الاستخدام السياسي للنفط. فالرئيس الفنزويلي هوغو شافيز افتتح القمة بخطاب ناري طالب فيه المجموعة بالذهاب الى ما هو ابعد من مجال الطاقة، وتكريس نفسها "لاعبا جيوسياسيا هاما"، معتبراً "أن أوبك تقف قوية اليوم وأقوى من أي وقت مضى"، داعيا الدول الاعضاء الى "الطلب من أقوى أمة في العالم أن تتوقف عن تهديد اوبك" في اشارة الى الولايات المتحدة.
وفي حين اعتبر الملك السعودي انه يجب عدم تحويل البترول الى "وسيلة للنزاع"، فإن الرئيس الايراني كان يؤكد ان الجمهورية الاسلامية لا ترغب في استخدام النفط كسلاح سياسي، الا انها "ستعرف كيف ترد" اذا ما هاجمتها الولايات المتحدة، لكن تحذير تشافيز من امكانية وصول اسعار النفط الى 200 دولار للبرميل الواحد اذا هوجمت ايران او اتخذت خطوات ضد فنزويلا يوضح الى أي حد التداخل بين الطاقة والسياسة بمعزل عن الارادة المسبقة لهكذا استخدام مباشر او غير مباشر، وهو ما اشار اليه بيان القمة الختامي بتشديده على أهمية السلام العالمي وتأثيره في تحسين فرص الاستثمار في قطاع الطاقة واستقرار اسواقها العالمية"، وعلى العلاقة المتداخلة بين امن الامدادات وامن الطلب العالمي.
اما على الصعيد البيئي فقد برز تأكيد اوبك التزامها تشجيع التكنولوجيا الجديدة التي من شأنها مواجهة ظاهرة التغير المناخي، لا سيما تكنولوجيا التقاط وتخزين الكربون، وذلك في اشارة اضافية الى عزم المنظمة على اعتماد اجندة بيئية.
وقد تضمن البيان الختامي اعترافا صريحا بالترابط بين استهلاك النفط ومشاكل البيئة، بالتزامن مع خطوة عملية تمثلت بإعلان السعودية في افتتاح قمة الرياض انشاء صندوق ميزانيته 300 مليون دولار من اجل الابحاث حول الطاقة والبيئة، والمتعلقة بالتغير المناخي، قبل ان تقدم كل من الكويت والامارات العربية المتحدة وقطر مبلغ 150 مليون دولار لدعم الصندوق الذي بات يحتوي الان على 750 مليون دولار، وهي خطوة جديدة تقدم عليها الدول المنتجة للنفط، وتشكل بادرة ايجابية للمساهمة في الحد من عمليات التلوث البيئي ووقف تفاعل بعض الظواهر المناخية، لكن المشكلة تكمن بشكل اكبر في الدول الصناعية الكبرى المنتجة والمستهلكة للنفط، والتي تزيد نسبة تأثيرها السلبي على البيئة بشكل كبير، ما يحتم ان تكون هذه المساهمة من اوبك جزءا من عملية عالمية اوسع.
عبد الحسين شبيب
الانتقاد/ العدد1242 ـ 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2007