ارشيف من : 2005-2008
وكيل اللواء الحاج النقيب عصام كرم لـ"الانتقاد": نرفض مع السيّد نصر الله ربط القضاء بالسياسة
لا تزال مسألة تحوّل توقيف الضبّاط الأربعة اللواءين جميل السيّد وعلي الحاج والعميدين مصطفى حمدان وريمون عازار إلى اعتقال سياسي مغطّى بلباس قضائي شفّاف، تستأثر باهتمام الرأي العام وقبله لجنة التحقيق الدولية والأمم المتحدة اللتان تكتفيان بوصف هذا الاعتقال بالمخالف للقانون، في ظلّ تمنّع القضاء اللبناني عن القيام بدوره ومحاصرته سياسياً لرفض تخلية سبيل هؤلاء بانتظار قيام المحكمة الدولية برغم عدم وجود دليل مادي واحد على تورّطهم في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
ولتبيان المستجدات وخفايا هذا الملفّ الواقع في قلب أتون سياسي التقت "الانتقاد" وكيل اللواء الحاج نقيب المحامين السابق عصام كرم في حوار كشف فيه محطّات مهمّة من التعقيدات والعراقيل المصطنعة التي تواجه إخلاء سبيل الضبّاط.
ما هو السبيل القانوني لإخراج الضبّاط الأربعة من كمّاشة توصية ديتليف ميلس المخالفة للقانون، مدعومة بافتراءات شهود الزور وفي مقدّمتهم محمّد زهير الصدّيق، والضغوط التي يتعرّض لها القضاء اللبناني من سياسيين معروفين لمنعه من اتخاذ قرار الإفراج عن هؤلاء المعتقلين السياسيين؟
إنّ الإفراج عن الضبّاط الأربعة لا سيّما موكّلي اللواء علي الحاج يصير واجباً قضائياً مع الوقت. صحيح أنّ التوقيف يمكن أن يتمّ على الشبهة، لكنّ استمرار التوقيف لا يمكن بدون قيام الدليل. وصحيح أنّ التوقيف إنّما كان بناءً لتوصية صدرت عن ديتليف ميلس.. وفي هذا المجال أقول إنّ الحالة السياسية التي كانت سائدة يوم التوقيف كانت حالة استثنائية أوجدتها موجة الغضب على مرتكبي جريمة 14 شباط/ فبراير 2005.. لكنّ موجة الغضب لا يمكن أنْ تكون هي المقياس في التدابير القضائية، كما أنّ توصية ميلس لا يمكن أن تكون مؤبّدة، وهذه التوصية مثل موجة الغضب لها زمانها وملابساتها ولها ملائكتها ولها شياطينها، وهي ذات مفعول آني بدليل أنّ رئيس لجنة التحقيق الدولية الذي خلف ميلس سيرج برامرتز، لم يكرّر توصية سلفه في شأن توقيف الضبّاط في أيّ من التقارير التي قدّمها، فضلاً عن أنّه أكّد تكراراً شفوياً وخطياً أنّ المرجعية الصالحة للتوقيف وإخلاء السبيل هي القضاء اللبناني. وأنا مع زملائي وكلاء الدفاع كنا دوماً على خلاف مع وزير العدل الدكتور شارل رزق في هذا الموضوع، لأنّ الوزير يقول انّ المحكمة الدولية هي التي تقرّر الاستمرار في توقيف الضبّاط أو إخلاء سبيلهم. وناقشنا كلام الوزير رزق بلغة القانون وقلنا متسائلين: هل القضاء اللبناني هو الواضع يده اليوم على ملفّ الجريمة أم لا؟ وهل القضاء اللبناني هو قضاء توقيف؟ وكان جوابنا أنّ القضاء اللبناني هو الذي يتولّى نظر القضية اليوم. كما كان جوابنا أنّ المحقّق العدلي اللبناني هو قاضي تحقيق، يعني أنّه هو الذي يوقف وهو الذي يخلي السبيل. وسألنا القضاء اللبناني والقضاء الدولي قبل كلّ الناس عمّا إذا كان لديهما دليل على تجريم الضبّاط الأربعة، وخصوصاً موكّلي اللواء الحاج، وخلصنا في الجواب عن هذا التساؤل إلى كلام يقول: إمّا الدليل وإمّا إخلاء السبيل.. وهذا لا علاقة له اليوم بالمحكمة الدولية، إلاّ إذا كانت الغاية بلغة السياسة وبضغوط أهل السياسة، هي إبقاء الضبّاط الأربعة قيد التوقيف حتّى لا تكون المحكمة الدولية قامت لمواجهة الفراغ في القرار الاتهامي.
كيف ترى إيغال البعض في الربط بين ضرورة الإبقاء على الضبّاط قيد الاعتقال وقيام المحكمة الدولية التي لا يمكن لها أن تكون إلاّ بوجود موقوفين ولو لم تكن لهم أيّ علاقة بجريمة 14 شباط/ فبراير؟
هذا هو مجال تخوّفنا، أن تكون المحكمة الدولية أداة سياسية في يد الأقوياء. والقضاء الدولي كان غالباً وسيلة في يد الغالب لمحاكمة المغلوب. من زمان "محكمة نورمبرغ" سنة 1945 التي قامت من أجل محاكمة مجرمي الحرب النازيين حتّى اليوم لم نرَ مغلوباً استطاع اللجوء إلى القضاء الدولي. حتّى الغالبون مرّات لم يستطيعوا الذهاب إلى المحكمة الدولية يطلبون عدلاً. وأما في قضية فيتنام فصحيح أن "الفيتكونغ" حرّروا بلادهم من الاحتلال الاميركي، ولكن هل استطاع فيتنامي حتّى وهو منتصر أن يدّعي على وزير الدفاع الأميركي روبرت ماكنمارا؟ ولذلك فإنّ القضاء الدولي لا يوحي بالثقة الكاملة في الممارسة القضائية.
قصّة المحقّق العدلي
كيف تنظر إلى "انتزاع" ملفّ التحقيق من القاضي إلياس عيد؟
في شهر شباط/ فبراير من العام 2007 قدّم وكلاء الدفاع طلبات لإخلاء سبيل موكّليهم. ونظر القاضي عيد هؤلاء في الطلبات، ولمّا كوّن قناعة بأنّ إخلاء سبيل الضباط أو بعضهم صار ذمة قانونية قضائية، نقل الملف من تحت يد عيد إلى خلفه القاضي صقر صقر.
لماذا طلب ردّ القاضي عيد؟ ولماذا ـ من ثمّ ـ طلب نقل الملفّ من تحت يده للارتياب المشروع؟ إنّ القاضي عيد تولّى إدارة التحقيق العدلي وإجراءه من سنتين. ومذ ذاك كان عيد في نظر الادعاء مثال القاضي حامي الميزان، ثمّ بتصرّف غير منتظر أفاقت حمية الادعاء الشخصي وقدّمت شكاوى اتخذت فيها صفة الادعاء الشخصي ضدّ الضبّاط الأربعة وسائر الموقوفين ومن يظهره التحقيق. من حقّ الادعاء الشخصي قانوناً أن يتخذ صفة الادعاء الشخصي ما لم يصدر في القضية حكم بدائي أو حكم جنائي، ولكن هنا يقوم سؤال: هل عمل الادعاء الشخصي إلاّ على طلب ردّ القاضي عيد؟ وطلب الردّ كان مردوداً منذ تقديمه لأنّه لم يستند إلى سبب يقبل به القانون.
أنا هنا لا أدافع عن عيد، فقد اختلفنا والزملاء وكلاء الدفاع معه على أشياء كثيرة، منها استمرار إبقاء موكّلينا قيد التوقيف من دون أنْ يبتّ طلبات إخلاء سبيلهم، ولكنّنا لم نصل يوماً إلى الارتياب المشروع في شخص القاضي عيد. ومع ذلك قدّمت دعوى ضدّه بهذا الشأن بسبب أخذه ثلاثمئة ليتر بنزين من المديرية العامة للأمن العام، وبسبب تعاقد شقيقه الطبيب لمعالجة عناصر هذه المديرية. أو لم يكن معروفاً كلّ هذا يوم كان القاضي عيد ثقة عند جهة الادعاء؟ ومن قال إنّ المحقّق العدلي كان ينوي إخلاء سبيل الضبّاط إلاّ جهة الادعاء الشخصي؟ وممن عرفت جهة الادعاء الشخصي أنّ عيد كان ينوي إخلاء سبيل الضباط حتّى طلبت ردّه؟ يجب أن يقوم تحقيق في هذا الشأن، لأنّ طلب الردّ ما كان ليقدّم، كما في كلام الادعاء الشخصي، لو أنّ جهة الادعاء ما كانت علمت أن عيد ينوي إخلاء سبيل الضبّاط. ومن هي الجهة التي أعلمت الادعاء الشخصي باستعداد عيد لإخلاء السبيل؟ وإذا كانت المسألة قصّة "بونات بنزين" فليس القاضي عيد المستفيد الوحيد منها!
وأنا لم أرَ في نقل الملفّ من عيد إلاّ إطالة في توقيف الضبّاط حتّى يستطيع لبنان ـ ولا أقول القضاء اللبناني ـ تسليم المحكمة الدولية موقوفين يعرف لبنان، أيّ السلطة التنفيذية فيه، أنّهم أبرياء.
كيف كان لقاء وكلاء الدفاع مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله؟
ارتأينا مقابلة المرجعيات اللبنانية لإطلاعها على مدى ما ينزل بموكلينا من ظلم عبر استمرار توقيفهم دون دليل. وفي هذا الإطار كانت زيارتنا للسيد حسن نصر الله كما كانت زياراتنا من قبل للمرجعيات بدءاً بالبطريرك الماروني، وهو إطار وجوب فصل السياسة عن القضاء. ولو قيل فينا إنّنا واهمون على أنّنا كرجال قانون، لا نزال مصرّين على أن تسييس القضية أبعد الجميع عن الحقيقة، بحيث أنّها ما عادت هي المطلب، بل ممارسة السياسة في تدابير القضاء، والقضاء يجب أنْ يكون منزّهاً عن كلّ هذا. ولا أغالي إذا قلت إنّ اللقاء مع السيّد نصر الله ساده الوضوح والجدل القانوني العقلاني ورفض ربط القضاء بالسياسة.
ما هي حقيقة ما يتردّد عن وجود نيّة مبيّتة لنقل الضبّاط إلى سجن خارج الأراضي اللبنانية؟
إذا قامت المحكمة الدولية فنحن تحت أحكام القضاء، ولكنّ نقل الضبّاط الأربعة إلى خارج الأراضي اللبنانية يكون بلا مسوّغ شرعي ما لم تقم المحكمة الدولية. ولا أريد أن أقول ما يصير يقوله اليائسون: "بهالبلد كلّ شي بصير"!!
علي الموسوي
الانتقاد/ العدد1240 ـ 9 تشرين الثاني/نوفمبر2007