نكسات وكوارث عديدة تعرض لها قطاع تربية سمك "الترويت" على نهر العاصي في الهرمل، تبدأ من السيول الموسمية التي تجتاح تعب المزارعين فتجرف معها أحلامهم في العيش الكريم وتذهب بجنى مواسمهم التي رهنوها لمستحقات وفوائد البنوك ولتسديد قروض الشركات وتجار البيوض المستوردة من الخارج، وآخر تلك السيول الجارفة التي لم تجد الدولة حلولاً لها مع توافرها، حصل أواخر شهر أيار من العام الماضي، قبل أن يلتقط فيه المزارعون أنفاسهم من جراء العدوان الصهيوني في تموز العام 2006 الذي نفذ غارات حاقدة على جسر العاصي وبعض المنتزهات السياحية، ما أدى إلى أضرار كبيرة في الثروة السمكية نتيجة توحل المياه ونفق الأسماك من تدني نسبة الأوكسجين في المياه، ونتيجة بعض المواد السامة التي تحتويها الصواريخ الإسرائيلية.
السؤال الذي بات يلخص قضية هؤلاء المزارعين هو: لماذا لم تدفع لهم الحكومة البتراء تعويضاتهم المقررة حتى الآن؟
سؤال قد يدفعهم للحصول على اجابة الى رفع الصوت عالياً، وبحسب مربي السمك أنفسهم فإن وعوداً من الهيئة العليا للإغاثة تلقوها عبر كتلة الوفاء للمقاومة تؤكد العمل سريعاً على الإفراج عن التعويضات.
تحقيق يتناول تربية الأسماك وهموم هؤلاء المزارعين:
تكتسب تربية سمك "الترويت" في الهرمل عناية واهتماماً خاصاً عند المزارعين الذين يمتلكون أراضي في جوار نهر العاصي، وحتى عند الذين يمتلكون أراضٍي قرب الأنهار والسواقي الصغيرة الكثيرة في الهرمل. وقد انتشرت ظاهرة العمل في تربية سمك "الترويت" مع وصول الزراعة التي كان يعتاش منها الأهالي في بعلبك ـ الهرمل إلى حالة يرثى لها. وقد وصل عدد أحواض السمك في منطقة الهرمل إلى قرابة مئة حوض، يعتاش منها عشرات العائلات، وتقدر كمية الإنتاج السنوي من 600 إلى 900 طن سنوياً.
تمر تربية سمك "الترويت" الذي يحتاج الى مياه عذبة بمراحل عديدة، أولها استيراد البيوض من بلدان كالدانمارك وجنوب أفريقيا والجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث توضع في مراكز خاصة للتفقيس بدرجة حرارة مياه منخفضة تقدر من 8 إلى 10 درجات مئوية، تنقل بعدها إلى الأحواض التي يجب أن تتمتع بمواصفات خاصة، كأن تكون إسمنتية دائرية أو مستطيلة ذات أرضية منحدرة لتسهيل جريان المياه وتنظيف الأحواض. ليس لتربية الأسماك موسم محدد، فأي مزارع يمكنه أن يأتي بالسمك الصغير ويربيه في أحواض يعدها لذلك، لكن الأمر يحتاج لحوالى سبعة أشهر حتى يستطيع بيعه الى المستهلكين. ولا تقتصر الكلفة المادية على ثمن البيوض أو الفراخ التي يبلغ ثمن الطن الواحد منها ما بين 1100 و 1400 دولار أميركي، بل تضاف إلى ذلك أسعار العلف المرتفعة، وهي من المشاكل التي تعترض المزارع والمربي. ومن هنا عملت بلدية الهرمل على إنشاء معمل لإنتاج العلف للتخفيف من الأعباء على المزارعين.. كما يضاف إلى هذه المشكلة انتشار الأمراض، وخصوصاً في مرحلة التربية الأولى، حيث تبلغ نسبة الموت أحياناً حوالى 50%. كما يشكل غياب العمل التعاوني فوضى، وخصوصاً في مجال المنافسة والمضاربة في التسويق.
وتؤدي تربية السمك دوراً اقتصاديا هاماً في منطقة الهرمل، حيث يقصد السياح المطاعم المنتشرة على نهر العاصي لتناول وجبة سمك "الترويت" الأساسية التي لا يقل سعرها عن عشرة آلاف ليرة لبنانية للكيلوغرام الواحد، عدا عن التصدير اليومي إلى خارج الهرمل.
رعاية رسمية مفقودة
وبرغم أهمية العمل بهذا القطاع، لا سيما انه قد يكون من الزراعات البديلة، لم يلق المزراعون أي اهتمام يذكر من قبل الدولة، لا على صعيد إرشادهم ولا على صعيد دعمهم وتشجيعهم للنهوض بقطاعهم، بل عملت الحكومات المتعاقبة على تجاهلهم تماماً كما أهملت الزراعة بشكل عام.. لذلك وقع الحمل على عاتق الجمعيات الأهلية، حيث برز دور جمعية مؤسسة جهاد البناء في هذا الجانب من خلال مركز الجواد (ع) للتنمية والإرشاد الزراعي في الهرمل، الذي أكد مديره المهندس حسين قانصوه أن "المركز أقام منذ إنشائه عشرات الدورات التدريبية والتأهيلية لمربي سمك "الترويت"، والتي كانت تستمر أياما عدة، إضافة إلى الندوات والمحاضرات، وكلها بمشاركة أخصائيين في زراعة وتربية الأسماك من الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسوريا، إضافة إلى زيارات إرشادية على أحواض تربية السمك". كما أشار قانصوه الى قرب افتتاح مختبر وعيادة بيطرية خاصين بأمراض السمك تسهيلاً لمعالجتها.
وفي المقابل فإن الحكومة الفاقدة للشرعية بهيئتها العليا للإغاثة وبعد مرور أكثر من عام ونصف العام على العدوان وخمسة أشهر على آخر كارثة طبيعية، لم تكلف نفسها عناء السؤال عن أوضاع المزارعين إلا بزيارة فولكلورية لرئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء يحيى رعد واعداً بدفع التعويضات للمتضررين من السيول، دون ذكر أضرار العدوان، وهم الذين خبروا الحكومات وهيئاتها! مع العلم أن الجيش اللبناني أجرى مسحاً للأضرار في كلتا الحالتين وقدم تقاريره للمعنيين الذين يعدون نواب المنطقة والمتضررين مراراً وتكراراً، ولكن دون تحقيق هذه الوعود! ويقول محمد شاهين (صاحب مسمكة ومطعم مجاور لجسر العاصي): "تضررنا بشكل مباشر وغير مباشر من العدوان الإسرائيلي والسيول، ولم نقبض حتى اليوم قرشاً واحداً من الدولة، ولا نسمع إلا وعوداً جوفاء لا تغني ولا تسمن من جوع، ولا تحل مشكلاتنا مع مستوردي العلف ومع البنوك والشركات". أما علي الحاج حسن (صاحب مزرعة لتربية الأسماك) فقال: "فقدنا الأمل من وعود اللواء يحيى رعد بعد زيارته إلى الهرمل التي تبين أنها كانت دون معنى، وهي أتت فقط لتسجيل موقف ورفع أسهم الحكومة الساقطة بنظرنا ونظر كل المحرومين والمهملين في هذه المنطقة. شاكراً الجيش اللبناني قيادة وأفرادا الذين قاموا بواجبهم على أكمل وجه".
المزارعون أجمعوا على شكر حزب الله الذي وقف إلى جانبهم بعد عدوان تموز وساعدهم حتى استطاعوا الوقوف على أقدامهم، لكن السيول أعادتهم إلى نقطة البداية.
وبرغم فقد أملهم بتعويض الحكومة الفاقدة للشرعية عن أضرارهم، فإن مربي السمك في الهرمل يأملون أن يتغير الوضع قريباً وتتبدل حالهم الى الأحسن.
غسان قانصوه
الانتقاد/ العدد1239 ـ 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2007