ارشيف من :ترجمات ودراسات

النكبة والتفاوض على الحدود أولاً..

النكبة والتفاوض على الحدود أولاً..
المصدر: عرب 48/ هاني المصري
تمر اليوم الذكرى 62 للنكبة، وبهذه المناسبة من المفيد الربط بين النكبة وما يجري اليوم ما يدل على أن النكبة مستمرة.
نشأت القضية الفلسطينية أولاً وأساسا كقضية لاجئين، لأن إسرائيل قامت على حساب الشعب الفلسطيني ومن خلال تشريد حوالي 800 ألف إلى خارج وطنهم، وتشريد مئات الآلاف الآخرين داخل وطنهم . وتشريد أعداد أخرى بعد حرب 1967 أصبحوا يعرفون بـ"النازحين" .
في هذا السياق لا يمكن حل القضية الفلسطينية بدون حل قضية اللاجئين حلاً عادلاً باعتبار ذلك حقاً طبيعياً وتاريخياً وقانونياً أولاً، وكونه متضمناً في القرارات الدولية ثانياً. فقرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة يتضمن ضرورة عودة وتعويض وليس عودة أو تعويض اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي اقتلعوا منها .
بعد النكبة وفي المراحل الأولى من عمر الثورة الفلسطينية كان شعار تحرير فلسطين يستوعب حل قضية اللاجئين لأن التحرير سيمكن اللاجئين من العودة والعيش في فلسطين الديمقراطية التي سيتعايش فيها جميع مواطنيها من المسلمين والمسيحيين واليهود على قدم المساواة.
وفي مرحله برنامج النقاط العشر والبرنامج المرحلي من 1974 وصولاً إلى مبادرة السلام الفلسطينية عام 1988، طرح برنامج إقامة السلطة على أي شبر يتم تحريره، ثم إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967، كبرنامج مرحلي مؤقت لا يتناقض ولا يقدم الحل الجذري الاستراتيجي للقضية الفلسطينية، أي كخطوة على طريق هذا الحل. ولكن البرنامج المرحلي كان يتضمن أساساً إنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه بتقرير مصيره بما يشمل إقامة دولة فلسطينية حرة وذات سيادة على حدود 1967 وعاصمتها القدس، وحل مشكلة اللاجئين حلاً عادلاً، والدفاع عن حقوق شعبنا في داخل فلسطين 1948 .
في مبادرة السلام الفلسطينية أصبح الحل المرحلي استراتيجياً، أي حلاً يقوم على أساس أن الفلسطينيين مستعدون للاعتراف بإسرائيل على 78 % من مساحة فلسطين، مقابل انسحابها من الضفة الغربية وقطاع غزة والموافقة على حل قضية اللاجئين على أساس قرار 194 .
في اتفاق أوسلو تم الاعتراف بإسرائيل من قبل منظمة التحرير الفلسطينية بدون اعترافها بالحقوق الفلسطينية. فلم تعترف إسرائيل بأنها دولة محتلة وبضرورة إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية. ولم تعترف بحل قضية اللاجئين، وإنما اكتفت بالاعتراف بالمنظمة كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، ووافقت على قيام سلطة فلسطينية مقيدة ضمن حل انتقالي تخلى فيه الفلسطينيون عن أوراق القوة التي بأيديهم خصوصاً ورقتي الوحدة والمقاومة، وتم فيه تقسيم القضية إلى قضايا . فلم تعد القضية الفلسطينية بعد أوسلو قضية واحدة بل قضايا انتقالية ونهائية. والقضايا النهائية تم تقسيمها إلى قضايا عديدة، والأرض تم تقسيمها إلى "ا،ب،ج"، إضافة إلى فصل القدس عملياً عن بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة. 
ورغم التنازلات المجحفة المتضمنة في اتفاق أوسلو لم تطبق الحكومات الإسرائيلية العشرات من الالتزامات الإسرائيلية في "أوسلو" وبعد ذلك في خارطة الطريق. ولم تلتزم إسرائيل بإنهاء المرحلة الانتقالية في أيار من عام 1999، فها نحن في أيار 2010 ولا تزال المرحلة الانتقالية مفتوحة إلى أجل غير مسمى. فالفلسطينيون لا يزالون ملتزمين باتفاق أوسلو وبخارطة الطريق الدولية من جانب واحد.
فهم يطبقون التزاماتهم وإسرائيل تتجاوز التزاماتها، على أمل، ولعل وعسى، أن تقوم الولايات المتحدة الأميركية، والمجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل للالتزام بالاتفاقيات وتطبيق الالتزامات.
كل هذا يحدث بينما الأرض تصادر ويتم استيطانها، والقدس يتم استكمال تهويدها واسلتها، ويستكمل بناء جدار الفصل العنصري، وتقطيع أوصال الضفة الغربية، ويتواصل الحصار الخانق لقطاع غزة، كما يتواصل العدوان والاعتقالات والاغتيالات والحواجز وهدم المنازل وتدنيس المقدسات وتهيئة الأجواء لتدميرها، كل ذلك لخلق أمر واقع يجعل الحل الإسرائيلي هو الحل الوحيد الممكن سواء على طاولة المفاوضات أو عبر الخطوات أحادية الجانب.
عند التوقيع على اتفاق أوسلو كان هناك وهم بأن الحل على الأبواب، وان الدولة الفلسطينية على مرمى حجر. ونشأ اعتقاد عند أوساط قيادية وشعبية أن من الممكن مقايضة الدولة بحق العودة وتصفية قضية اللاجئين، وتبين لاحقاً أن هذا الاعتقاد وهم خالص .
ففي قمة كامب ديفيد عام 2000 سقط هذا الوهم سقوطاً مدوياً، حيث تأكد بشكل قاطع أن إسرائيل تريد تصفية القضية الفلسطينية بكل أبعادها بما هي قضية تحرر وطني تخص الفلسطينيين جميعاً، وبما يشمل تصفية قضايا القدس والدولة والاستيطان واللاجئين .
فإسرائيل تريد الاحتفاظ بالقدس كعاصمة موحدة أبدية لإسرائيل، وأقصى ما يمكن التنازل عنه هو الأحياء العربية الآهلة بالسكان وفقاً لمقترحات كلينتون .
وإسرائيل تريد الاحتفاظ بالسيطرة المباشرة على 40% من مساحة الضفة الغربية من خلال الضم المباشر أو من خلال الاستيطان أو الاستئجار لفترات طويلة جداً وإقامة القواعد العسكرية والمناطق الأمنية، بما يقضي عملياً على أية إمكانية لقيام دولة فلسطينية حقيقية.
بدلاً من الخروج بالاستنتاج الضروري من فشل مسيرة عملية السلام منذ اتفاق أوسلو إلى قمة كامب ديفيد وحتى الآن، وإجراء المراجعة الشاملة واستخلاص الدروس والعبر قام الفلسطينيون والعرب بالإمعان في السير بطريق الأوهام. تجلى ذلك بوضوح في المبادرة العربية التي أقرت في قمة بيروت عام 2002 التي قدمت المزيد من التنازلات العربية من خلال طرح التوصل إلى حل متفق عليه لقضية اللاجئين، ما يعني أن موافقة إسرائيل أساسية لأي حل، ما يفرغ قضية اللاجئين من جوهرها، ومن كونها حقاً يجب أن يلبى، إلى قضية يتم التفاوض عليها .
في هذه الأيام وافق العرب على إعطاء الغطاء للفلسطينيين لاستئناف المفاوضات بشكل غير مباشر بدون وقف الاستيطان ولا الاتفاق على مرجعية واحدة ( حتى مرجعية متآكلة) ولا على التفاوض من النقطة التي انتهت إليها المفاوضات السابقة، أي وافقوا على التفاوض وفقاً للشروط الإسرائيلية، على أمل كسب رضا الإدارة الأميركية لعل وعسى أن تقوم بطرح حل أو بالضغط على إسرائيل .
ومن الأمور المغيظة جداً، ترديد القادة الفلسطينيين في هذه الأيام متفاخرين كيف أنهم اتفقوا على أن يتم تركيز المفاوضات القادمة على قضية الحدود باعتبار ذلك تقدماً كبيراً .
صحيح أن إسرائيل ترفض حتى الآن التفاوض على قضية الحدود، وهنا لا معنى لما يقوله صائب عريقات بأنه لا يهمه ما تقوله إسرائيل، فإسرائيل هي الطرف العدو والمحتل وما تقوله وتفعله هو الأمر الهام والحاسم .
إن التفاوض حول الحدود يمثل إمعاناً في تفكيك القضية الفلسطينية إلى قضايا، والأرض إلى مناطق، والحل إلى مراحل، وهذا أدى إلى فصل الداخل عن الخارج، والى انقسام الضفة العربية وقطاع غزة، والى تراجع القضية الفلسطينية وضياع البرنامج الوطني الموحد للفلسطينيين.
وإذا سلمنا جدلاً أن إسرائيل وافقت أو ستوافق على التفاوض على قضية الحدود، فإنها ستربط ذلك بمسألة التفاوض على الترتيبات الأمنية وضرورة تعزيز قدرة السلطة والتزامها بتوفير الأمن للاحتلال قبل إنهاء التفاوض على أية قضية. وإذا اقترب المفاوض الفلسطيني من مسألة القدس على اعتبار أنها جزء من قضية الحدود سيرفض المفاوض الإسرائيلي ذلك، لأن نتنياهو اتفق مع أوباما على أن تكون القدس في نهاية المفاوضات، والفلسطينيون وافقوا كما يقولون بأنفسهم على التفاوض على الحدود والأمن أولاً.
نفس المصير سيكون عند طرح المفاوض الفلسطيني قضية المستوطنات، وهكذا لكل قضية، فإسرائيل تريد المفاوضات من اجل المفاوضات، ولكسب الوقت اللازم لاستكمال تطبيق مشاريعها التوسعية والعدوانية.
إن المفاوضات بدون اعتراف إسرائيل بأنها دولة محتلة، وبالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة مضيعة للوقت وعملية تخدم إسرائيل بوضع الفلسطينيين تحت رحمتها وتساهم في تعميق انقسام الفلسطينيين وضياع قضيتهم .
إن مفتاح الحل الوطني يكمن في التخلي عن الأوهام عن الحل القريب وإعادة الاعتبار للبرنامج الوطني وللوحدة وللكفاح من أجل الحرية والعودة والاستقلال.
2010-05-20